هنالك رأي قوي يمتلك مقوماته و أسسه و مبرراته بخصوص أن المشروع العربي قد إنتهى بسقوط نظام حکم الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين، هذا الرأي مع تحفظنا على بعض من جوانبه، لکن ليس بالامکان أبدا تجاهل رجاحته تجاه الذي حدث و يحدث بعد تلك التغيرات العسکرية ـ السياسية التي جرت في المنطقة و طالت بشکل خاص العراق. ومع کل السلبيات و الاخطاء المختلفة الجوانب التي حفلت بها التجربة العراقية من حيث سعيها لإنشاء أسس و دعائم أمن قومي عربي متين يقف کند بوجه المشاريع المضادة، لکنها في نفس الوقت منحت العرب زخما قويا للوقوف بوجه الرياح الصفراء القادمة من إيران بوجه خاص، کما إنها کانت کالناقوس أو جهاز الانذار الذي يشعر العرب بمکامن و آفاق الاخطار المحتملة.

إنتهى المشروع العراقي(العربي المضمون) لکن المشروع المضادquot;أو حتى المشاريع المضادةquot; تهيأت لها أفضل الاسباب و المقومات لکي تقف على قدميها و تبدأ بطرح أجندتها و فرضها على المنطقة بشکل عام و العرب بشکل خاص. وقد لا يختلف إثنان بخصوص قوة المشروع أو المشاريع المضادة و خطورتها على المستقبل المنظور للنظام السياسي العربي القائم، هذه الخطورة بدأت الاوساط الدولية بوجه خاص تدرس إحتمالاته و تداعياته المحتملة سيما فيما لو إستمر التراجع العربي ولم يکن هنالك ما يبشر بتحقيقه نوعا من التغيير في معادلة الصراع لصالحه بيد أن الامر المثير للقلق و الذي نزداد توجسا منه، هو الاستهانة العربية و اللامبالاة الملفتة للنظر أمام تلك الاخطار بل وحتى أن العديد من الاوساط العربية الحاکمة طفقت تراهن على المشروع الامريکي المضاد للمشروع الايراني و ترى فيه أفضل خيار للوقوف بوجه طهران من دون أن تتحسب لإحتمالات(التوافق)و(الشراکة)المحتملة بين المشروعين على حساب العرب.

المشروع الاميرکي، مع الاخذ بالاعتبار حسابات علاقاته الخاصة ببعض الاوساط و الدول العربية، لکنه مع ذلك يبني لصيانة مصالح مستقبلية أمريکية في ضوء معطيات عصر بدء نضوب النفط وهو أي المشروع الامريکي، قطعا سيحاول أن يلعب کل الاوراق بالصيغة و الاسلوب الذي يضمن لها أفضل النتائج و المحصلات النهائية. و واضح أن إيران بنظامها السياسي ـ الديني الحاکم، تدرك جيدا کل الذي يسعى من أجله الامريکان و لذلك تراها تعمل بکل ما أوتيت من أجل الوقوف بوجهه أو المطاولة معه في أضعف الحالات. وإذا ماکان البعض يتهکم على طهران لإنها تصرف المليارات من أجل أن تقوي من براثنها الممتدة في کل الاصقاع العربية و حتى العالمية، لکنها في واقع الامر تقوم بکل ماهو صحيح من حيث صيانة مصالحها الخاصة و ضمان حفظها بوجه المارد الامريکي وکل دولار صرفته أو تصرفه طهران بذلك الخصوص يؤتى أو أوتي أکله خصوصا و أن الامريکيين أعلنوا أکثر من مرة عن إستعدادهم للجلوس مع الايرانيين و طرح و مناقشة مختلف الامور المهمة و الحساسة بالنسبة للطرفين. وان الموقف الامريکي في عهد الرئيس الجديد باراك اوباما، ليس بالامکان أبدا أن يشهد أي نوعا من التراجع قياسا بالموقف الامريکي في عهد الرئيس جورج بوش و أن الکثير من المعطيات تؤکد بأن إحتمالات قيام(شراکة)أميرکية ـ إيرانية تمهد لنوع من تقاسم النفوذ هو أمر ليس بمستبعد إطلاقا. لکن السؤال المهم هو في حالة قيام مثل هکذا شراکة أو أي نوع من التعاون و التنسيق المشابه له، ماذا سيفعل العرب؟

واضح أن الشارع العربي و بحکم الوضع السلبي الذي يخيم على المنطقة العربية سوف يطرحون علنا رأيا تشاؤميا محضا من المسألة و هکذا رأي(وهو بموجب الخط العام للأحداث وارد جدا) يعني المزيد من التراجع العربي و المزيد من الخضوع و الاستسلام للمطالب و الاجندات الخارجية المفروضة على العرب. وقد يسأل البعض جدالا: إذن مالعمل حيال ذلك؟ وهنا لانريد أن نظهر أنفسنا بمظهر اولئك المفرطين في تفاؤلهم لکننا نقول بثقة نستمدها من قراءتنا لواقعنا العربي أن العمل الذي يجب أن ينجزه العرب في هذا المضمار هو أن يقوموا بتفعيل أمنهم القومي و يجعلون له بنيان و رکائز و دعامات قوية تقوم عليه ومن دون أرضية صلبة تقاوم تقلبات الطقس و المناخ السياسيquot;الاقليمي و الدوليquot; فإن الکلام عن أمن قومي عربي قد يکون مجرد لعب و عبث بالکلام و لاشئ غير ذلك.

محمد علي الحسيني
* الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.