بالرغم من أن مؤتمر القمة العربي الأول الذي إنعقد في القاهرة عام 1964 كان قد أصدر بيانا و توصية مهمة بشأن ملف الشعب العربي في الأحواز العربية المحتلة من قبل الدولة الإيرانية الفارسية منذ عام 1925 ينص على ضرورة إدراج القضية ضمن مناهج التدريس في العالم العربي لتعريف الأمة العربية بقضية و تاريخ و جغرافية إقليم الأحواز أو عربستان الذي يسميه الإيرانيون ( خوزستان )؟ إلا أن تلك التوصية التاريخية قد وضعت على الرف على ما يبدو و طواها النسيان، و أهيل عليها أطنان من التراب و لم يعد يتذكرها أحد أبدا، لغياب المتابعة بعد الأحداث الفظيعة التي عاشها العالم العربي منذ منتصف ستينيات القرن الماضي و حتى اليوم؟

أما جامعة الدول العربية فهي ليست أبدا في وارد متابعة أو تبني هذا الملف الستراتيجي الحساس و المهمل و الذي يشكل واحدا من أقوى عناصر إدارة الصراع الإقليمي بالنسبة للجانب العربي و لكنه للأسف مهمل بدرجة مأساوية، كما نشأت أجيال عربية واسعة في حالة جهل تثقيفي كامل بالملف الأحوازي الذي لا تعرف غالبية الجماهير العربية عنه شيئا بالمرة، لا بل أن تجمعات سياسية قومية عربية كبرى و نتيجة لمصالح ذاتية و مصلحية و تخادمية قد أبعدت عن الرأي العام العربي كل ذكر لهذا الملف، و أنا أعني هنا تحديدا ما يسمى بالمؤتمر القومي العربي أو القومي الإسلامي أو بقية التجمعات الأخرى التي تهتم بقضايا شعوب لا تربطها بالعالم العربي روابط قومية واضحة مثل القضية الصومالية التي هي قضية إفريقية أصلا، بينما يتم تجاهل قضية و قصة معاناة و كفاح و صمود الشعب العربي الأحوازي الذي قاوم و لا يزال ببطولة مطلقة و بتجاهل إعلامي تام كل محاولات التفريس و التطفيش القومي و محاولات إلغاء الهوية الوطنية و القومية و تزوير التاريخ و التجهيل و التغيير الديموغرافي إضافة لسلب الثروة القومية البترولية التي تشكل عصب الإقتصاد الإيراني بينما لا يستفيد أبدا من عوائدها شعب الإقليم المحتل الذي يفرض عليه الإستعمار الإستيطاني التشرد في دول الجوار لطلب لقمة العيش الكريمة غير المغمسة بالذل، أكثر من تسعة عقود عجاف سوداء من الإحتلال و الظلم و الإرهاب و التجهيل و حتى التطهير العرقي بأردأ و أحط صوره وهي سياسة إيرانية مبرمجة و ممنهجة إتفقت عليها الأنظمة السياسية المتعاقبة في إيران فلا فرق بالمرة بين أساليب النظام الشاهاني الإستعمارية و بين أساليب النظام الكهنوتي الذي ورثه؟

بل على العكس فإن النظام الديني بات يتصرف بوحشية و تطرف و قمع شامل مستند لأسس دينية و طائفية تدليسية لا علاقة لها بأصول الدين الإسلامي و لا المذهب الشيعي الحقيقي المتحرر من أطر الزندقة و الهرطقة الصفوية، و أخذ يعتمد سياسة خائبة هي تعميم الإعدامات لأتفه الأسباب بغرض زرع الرعب في نفوس الأجيال الشابة من الشعب العربي الأحوازي التي رفعت قبضات التحدي بوجه الظلم و القهر و التخلف و تحررت من ربقة الهيمنة السلطوية المتخلفة التي لا يمكنها في النهاية مهما إستعملت من عنف أن تلوي عنق الحقائق التاريخية، أو أن تضعف عزيمة الشعب الذي لم تستطع الدولة الإيرانية بكل إمكانانياتها الكبيرة سحقه أو تفتيت إرادته أو سلخه عن إنتمائه لمحيطه العربي الكبير، نعتقد جازمين بأن مسؤولية العالم العربي تجاه الشعب العربي الأحوازي باتت اليوم مسؤولية تاريخية من خلال تقديم شتى صنوف الدعم الثقافي و النفسي و السياسي و الإعلامي عبر الإنفتاح و التواصل مع الشباب العربي الأحوازي و فتح المراكز الثقافية في العالم العربي لذراعيها من أجل حماية اللغة العربية و دعم الثقافة العربية و إعادة تذكير العالم العربي بأبجديات القضية العربية الأحوازية المنسية، فشعوب شمال إفريقيا العربية أكاد أجزم بأنها لا تعلم شيئا عن عروبة الأحواز لا بل أنهم لا يعرفون أين تقع الأحواز على خارطة الدنيا؟ وتلك مسؤولية إعلامية و ثقافية كبرى لا بد أن تكون البداية الحقيقية في نفض الغبار عن ذلك الملف الستراتيجي الذي يشكل أكبر قوة كامنة و غير مستعملة للعالم العربي، ليس من المعقول إغلاق دنيا العرب أمام أهلنا العرب الأقحاح في الأحواز الذين حافظوا على أصالتهم و عروبتهم و نقائهم رغم كل المحاولات الإستيطانية الخبيثة التي هدفت لجعل الأحواز إقليما ناطقا بالعربية!! و ليس إقليما عربيا؟ رغم إن العروبة بمفومها الإنساني ليست بالعرق بل باللسان و الفكر..

على العالم العربي و مؤسساته السياسية و الفكرية اليوم واجب مقدس لا يحتمل التأجيل وهو التعريف بالقضية الأحوازية ودعم صمود الشعب العربي الأحوازي، أما الشق النضالي و الجهادي فإن شباب الأحواز هم من يمتلك زمام المبادرة، وعلى عواتقهم تقع مسؤولية تصحيح الجغرافيا و التاريخ، فالحمل لا ينهض به إلا أهله.. كفى سلبية و عدم إهتمام بالملف الأحوازي، فعلى العرب تدارك الموقف قبل أن يلعننا التاريخ؟


[email protected]