الفترة الماضية احتفلت مصر بالذكرى الأربعين لتأسيس المحكمة الدستورية العليا. هناك في مصر درجات عديدة مِن التقاضي، وأنواع مختلفة مِن المحاكم. في نظام التقاضي المصري، هناك قضايا تأخذ وقتاً سريعاً في البت والحُكم، وقضايا تستنزف عشرات السنين حتى يتم البت فيها. جَرى العرف، بناء على القانون، أنه لا تعليق على حُكم المحكمة. أنا أحترم السادة القضاة ـ كبشر ـ أكثر مِن احترامي للأحكام القضائية، لأن الأحكام القضائية هي مجرد وجهات نظر لبشر قابلين للخطأ والمناقشة.
في الفترة الماضية تزايدت القضايا ضد الديانة البهائية وضد المصريين المعتنقين هذه العقيدة.

الأمر ليس جديد في شرقنا الأوسط، فمن قديم الأيام المعروفة، وكل صاحب رسالة يتم محاربته بشتى الطرق والوسائل مِن المحيطين له. هكذا عرفنا مِن قراءة التاريخ القديم والمعاصر. لكن الجديد في عصرنا الحالي هو تحويل الأفكار والمفكرين إلى المحكمة والمحاكمة الجنائية، وكأن التفكير في الأمور الروحية هو جريمة وجناية تستوجب المحاكمة. العقائد ما هي إلا مجموعة مِن الأفكار جاءت مِن السماء أو ابتكرها أصحابها هي في النهاية أفكار، يمكن قبولها ويمكن رفضها، ومَن يقبلها فلنفسه ومَن يرفضها فعلى نفسه، ألم يعلمنا القرآن الكريم: quot;لا يُكلف الله نفساً إلا وسعهاquot;؟؟. ومَن أراد آمن ومَن لم يرد الإيمان فلنفسه.
آه، يا عزيزي القارئ.


لقد تبيّن الرشد مِن الغي.
أي محاكمة للأفكار ولأتباعها في هذا العصر الذي تنادي مواثيق حقوق الإنسان العالمية باحترام حرية الفرد الواحد في الإيمان بما يريد؟؟
إلى متى نطلب مِن أفراد مجتمعاتنا أن يسيروا في القطيع طبقاً لديانة الجماعة الأعم؟
إلى متى لا نترك حرية التفكير والاعتقاد للأفراد كلاً تبعاً لشخصيته المتفردة، دون محاكمته واتهامه بالخروج على ديانة آبائه وأجداده؟
ألم يشرح القرآن الكريم كيف ترك إبراهيم عبادة الأصنام التي كان يعبدها أبوه واتجه إلى عبادة الإله الواحد الأحد؟!!


كم مِن العبادات والطقوس التي ابتكرها الأولون وسار وراءها التابعون، وهي تحوي كثير مِن الخرافات التي لا تتفق مع العقل والمنطق؟؟ كيف سار أجدادنا وراء هذه الغيبيات إلا طبقاً لتماشي بعض هذه العقائد لبيئة وثقافة وقت نزول هذه العبادات والطقوس؟؟؟
إن كثير مِن العبادات والطقوس التي يسير عليها الكثير مِن المتدينين اليوم لا تتفق مع روح وقلب النصوص الدينية المقدسة، لكن هي نتاج رجال دين مِن قرون مضت ألفوا وكتبوا وفسّروا على غير ما يَقصد الوحي المقدس في ظل بيئته وثقافته وخلفيته الحضارية.


ما معنى ديانة سماوية؟

ببساطة، اليهود لا يعترفون بالمسيحية ولا كَوْن المسيحيين لهم ديانتهم السماوية. المسيحيون يُكَفِرون المسلمين والبوذيين والهندوس ويقولوا هذه الديانات أرضية. وكذلك الحال بالنسبة لأخوتنا المسلمين حيث ينظروا لجميع أديان العالم ماعدا اليهودية والمسيحية على أنها ديانات أرضية. لكن في ظل التعاملات الإنسانية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الدول والقيادات السياسية والحكومات لا يوجد مثل هذا التفكير. إن ما يحكم التعاملات السياسية بين الحكومات والدول هو المصالح المادية.


الديانة سماوية أو أرضية، مِن صُنع بشر أو مِن صُنع إله، لا تقف عائق أمام تبادل المصالح بين الحكومات والدول. هذا هو قانون المصلحة في التعامل بين الدول.


في رأيي أنه لا توجد دولة يرتبط كيانها بدين ما حين تتعامل مع دولة أخرى، لكن مصلحة أفرادها هو الهدف مِن وراء التعاملات، هذا هو النضج العالمي في لعبة السياسة العالمية.


أما سؤال ما معنى كون ديانة سماوية مِن كونها غير سماوية فهو لعبة بعض رجال الدين ـ في كل دين ـ من خلال تنفيرهم لأتباعهم مِن التفكير الحر الواعي المبني على حرية عبادة وليس استعباد في إطار قطيع جماعي.

البهائية دخلت المحكمة مِن منطلق محاكمة الأفكار والتفكير. حُرِم البهائيين مِن حقوقهم المدنية كعقاب مجتمعي لتفكيرهم وإتباعهم الديانة البهائية، وكأن التفكير وحرية العبادة بعيداً عن دين الدولة الرسمي جريمة تستوجب العقاب. لقد نضجت البشرية يا سادة.


تهنئة قلبية للبهائيين المصريين باعتراف المحكمة بأحقيتهم بأن يختاروا دينهم دونما فرض دين الجماعة عليهم. تهنئة للبهائيين في كل العالم باحتفالهم بصيامهم المقدس وعيد النيروز المبارك.


أيمن رمزي نخلة
[email protected]