يحتفل البهائيون 21 مارس من كل عام بعيد النيروز. جاء الاحتفال هذا العام بالنسبة للمصريين مضاعفاً، لقد حصلوا على حُكم قضائي نهائي بأحقيتهم في أن لا يُجبروا على الكتابة في أوراق إثبات الهوية باختلاف أشكالها ديانة أخرى غير الديانة البهائية التي يدينوا بها.
ورغم أن العالم المتقدم يحترم حرية العقيدة وحرية التفكير، إلا أنه بين فترة وأخرى يطلع علينا أحد الكُتّاب هنا أو هناك بمقالة يتناول عقائد اخوتنا البهائيين بألفاظ لا تليق. كتب أحدهم متناولاً quot;الكتاب الأقدسquot;ـ أحد الكُتب المقدسة للديانة البهائية ـ واصفاً إياه بأنه يحوي مجموعة مِن الخرافات. تناول الكاتب بعض عقائد الديانة البهائية والتي يدين بها في مصر مئات الآلاف المصريين الذين آمن أجداد بعضهم منذ دخول هذا الدين إلى مصر مِن حوالي مائة وخمسين عاماً مضت، غير الملايين المؤمنين في شتى أنحاء العالم.


يحج البهائيون إلى المزارات المقدسة في عكا وحيفا حيث مرقد حضرة بهاء الله. في شهر يوليو الماضي، اختارت لجنة التراث العالمي لليونسكو هذه المزارات المقدسة للدخول في قائمة التراث العالمي لمنظمة quot;اليونسكوquot; والتي يخوض الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري معركة للفوز برئاستها.


يتهم بعض الكُتاب البهائيين بأن لهم علاقة بالحركة الصهيونية، لأن أماكن البهائيين المقدسة في عكا وحيفا في إسرائيل. لكن السؤال: ألا توجد كنيسة القيامة وقبر السيد المسيح، وكذلك المسجد الأقصي في إسرائيل؟ فهل يعني هذا علاقة المسيحيين والمسلمين بالصهيونية؟


إن تاريخ بدء ظهور حضرة بهاء الله ونشأة الديانة البهائية قبل وجود دولة إسرائيل الحالية في التاريخ الحديث بحوالي مائة عام.
عزيزي القارئ، اسمح لي ببعض النقاط السريعة اتحاور فيها معك كحق من حقوقك في معرفة رأي آخر. إننا نعيش في عصر أنتهى فيه فرض الرأي الواحد وبدأ عصر تحري الحقيقة. لقد نضج القارئ الذي يبحث ويفتش ليَقبل أو يَرفض بِناء على اقتناع عقلي. وحتى لا يتهمنا العالم الخارجي بالإرهاب الفكري حين نرفض رأي الآخر ونفرض على الآخرين المختلفين رأي الأغلبية.


1.بدأ أحدهم مقالته بالازدراء مِن quot;الكتاب الأقدسquot; حيث وصفه في العنوان بأنه يحوي مجموعة من الخرافات، وكَتْبَ في المقدمة والخاتمة واصفاً لأفكار الديانة البهائية بأنها افكار quot;خبيثةquot;. والحقيقة إن رفض الكتب المقدسة للآخرين لا يعطي الرافض والمختلف الحق في الازدراء بهذه الكتب. فمن ابسط حق للإنسان أن يُقدس مَا يشاء مِن كُتب ويعتز بها ويضعها في أرفع المراتب في حياته طالما أنه لم يستخدم هذه الكتب في ايقاع الضرر المادي بغيره مِن خلال تفسير هذه الكُتب.


2.إن بعض مراكز بحوث ودراسات مقارنة الأديان في الخارج تصفنا ـ كعرب، أياً كانت ديانتنا ـ بالإرهابيين لأن كثير مِن الذين فَجْروا أنفسهم في وجه الآمنين استخدموا نصوص مقدسة مِن القرآن الكريم تحض على القتال وتدعوا إلى إرهاب عدو الله والمؤمنين. هل يقصد هذا القرآن الكريم؟ لماذا نتضايق كمصريين ـ مسلمين ومسيحيين وبهائيين وغيرنا ـ مِن كونهم يصفون القرآن الكريم الكتاب المقدس للمسلمين بأنه كتاب إرهابي لأنه يحوي تعاليم تحض على القتال والإرهاب، ونحن مِن داخلنا نفعل نفس الشيء مع أخوتنا في الوطن؟
3.يعترض كثير مِن الكُتّاب على مجموعة مِن الأفكار البهائية التي وردت في الكتاب الأقدس وغيرها مِن الكتب المقدسة للديانة البهائية مثل الصيام والصلاة والوضوء والطلاق واتجاه القبلة عند الصلاة والمهر الذي يقدمه الخطيب إلى الخطيبة. وجه الاعتراض الأساسي عند هؤلاء أن التعاليم البهائية لا تتطابق مع التعاليم الإسلامية، فهم يرفضوا مثلاً الحج في البهائية لأنه يكون إلى عكا وحيفا وليس إلى الكعبة في مكة، وهذا شيء طبيعي وعقلاني طبقاً لتعاليم حضرة بهاء الله فلكل دين المكان المقدس الذي يتوجه له أتباعه. فليس مِن المفترض أن تؤمن بالمسيحية مثلاً وتحج إلى الكعبة في مكة كما يفعل المسلمون طبقاً لتعاليم الإسلام!!!!
4.وهكذا الحال في بقية العبادات والمعاملات البهائية فمن المنطقي أن تختلف في تفصيلاتها عن إيمان المسلمين لأن هذه الفروض هي ما تفضل وأمر بها حضرة بهاء الله، وكما هو مطلوب مِن المسلمين طاعة وتقديس حضرة النبي محمد رسول الإسلام، كذلك مطلوب مِن البهائيين طاعة وتقديس حضرة بهاء الله.
5.تناول أحد الكُتّاب الأفاضل في مقالته مطالبة البهائيين بإلغاء فريضة الجهاد ضد الأعداء!!!. والسؤال الذي يفرض نفسه في العصر الحالي: هل القوانين العالمية الآن تسمح بتطبيق فريضة الجهاد المسلح وإرهاب العدو ـ المختلف في العقيدة ـ والخروج في غزوات وفتوحات حاملين المدافع والدبابات والطائرات المفخخة لتوصيل ما نؤمن به من عقيدة ونشر رسالة الحق كما يراها أصحابها؟ أية فريضة جهاد ضد الأعداء تقصدها يا عزيزي الكاتب؟ هل تقصد اثارة المصريين بعضهم على بعض وكلاً يطبق الجهاد المسلح ضد المختلف معه فيما يراه حق مطلق من وجهة نظره؟ أم تقصد تطبيق فريضة الجهاد ضد عدو البلد في زمن تتعاون فيه الحكومات مع مَن تغني علينا بطلب كراهيتهم؟
6.أحدهم كتب أكثر من مقال مطالباً الحكومة المصرية الموقرة بتطبيق تهمة ازدراء الأديان على البهائية في مصر. إلى متى نعيش حالة الترهيب الديني وفرض عقيدة الطرف الأقوى واستعداء السلطات على المختلفين في الرأي أو العقيدة؟
7.وكذلك إلى متى يُطالب الكُتاب الكرام الأزهر الشريف باتخاذ مواقف عدائية ضد حق الإنسان ـ الطائفة المنحرفة كما يسميها أحد الكُتّّاب؟ ـ في أن يعيش حياة المواطنة الآمنة الذي يعتقد كيفما يشاء ويؤمن بما يريد دون فرض سلطة الباباوية والسيادة الدينية التي تقود أتباعها كأنهم بلا قدرة على التفكيرالشخصي؟
يا سادة يا كرام، إننا في حاجة لكي ننهض فكرياً وثقافياً وعلمياً بالإنسان ـ أياً ما تكون عقيدته ـ في الوطن. إننا في حاجة لأن ندع كل فرد يفكر كشخص مستقل دون الحاجة للجماعة ـ في إطار احترام قوانين الجماعة ـ حتى ننهض كوطن يتقبل كل أطيافه وفئاته. ما أحوجنا لأن نترك كل فرد يتعبد لإلهه كيفما يشاء في علاقة فردية مستقلة سامية يخدم بعدها المجتمع والعالم أجمع.

عزيزي القارئ، في الختام اترك معك أحد الآيات المباركة التي تفضل بها حضرة بهاء الله: quot;لا شكْ في أنَّ الأديان جميعها متوجِّهةٌ إلى الأفقِ الأَعلى وأنَّها كُلَّها عَامِلةٌ بما أَمَر بهِ الحقُ جَلَّ جَلالُهُquot;.


أيمن رمزي نخلة
[email protected]