في أعياد يناير 1978، كان جيمي كارتر الرئيس الأمريكي آنذاك ضيفاً على شاهنشاه إيران و قال في مأدبة عشاء اقيمت على شرفه: أن laquo;إيران جزيرة الاستقرارraquo; ولكن بعد عام و16 يوماً، اضطر الشاه على الهروب من إيران إلى الأبد. وكان النظام الملكي قد سقط بعد عام وشهر و11 يومًا بشكل كامل.


هل الحالة في إيران اليوم تشابه تلك الايام؟ برأينا أن الموقف في إيران حاليًا أكثر تأزماً بالمقارنة مع ما كان عليه في يناير 1978.
وقبل اجراء الانتخابات الرئاسية في إيران بيومين كتبنا مقالاً نشره موقع laquo;إيلافraquo; بعنوان laquo;الانتخابات في إيران، منعطف جديد في تنامي الصراعات الداخليةraquo; اشرنا فيه إلى مناظرة المرشحين لانتخابات النظام الرئاسية والتي كشفوا فيها عن أسرار النظام الداخلية اعتبرناها منعطفًا جديدzwnj;ًا في الصراعات الداخلية لنظام laquo;ولاية الفقيهraquo; وضربة قاضية على النظام برمته وقلنا أن كل من يتم إخراجه من الصناديق باعتباره رئيس الجمهورية فهو محكوم بجرّ ذيول ما يترتب على ذلك من مضاعفات وتداعيات منهكة وشاملة. كما أكدنا أنه ومن الواضح أن المرشد الاعلى خامنئي يريد اعادة تعيين laquo;نجادraquo; لمنصب الرئاسة بأي ثمن كان.


فالآن هي نفس التداعيات والمضاعفات المنهكة والشاملة التي ادهشت العالم. أما نتائج الانتفاضة الشعبية العارمة للشعب الإيراني ضد الدكتاتورية الفاشية الدينية في إيران فهي فاجأت العالم ونسفت الحسابات السياسية لكثير من الدول حول إيران.


إن هذه الانتفاضة تأتي نتيجة لحالة متفجّرة جدًا في المجتمع وهدفها إسقاط النظام برمته وتحقيق الديمقراطية في إيران. والمجتمع الإيراني عانى منذ 30 عامًا من الدكتاتورية والقمع والفساد والجريمة. وهذه الحالة المتفجّرة جاءت نتيجة الاستفادة من التصدع الذي ظهر في قمة النظام أثناء الانتخابات الزائفة. وفي الحقيقة ليس للانتفاضة علاقة بالفئات الداخلية للنظام أو الانتخابات بنفسها. وإنّ القضية الرئيسية هي الحالة المتفجّرة للمجتمع وسخط المواطنين واسع النطاق، التي برزت باغتنام فرصة من صراعات النظام الداخلية.


وحشد نظام الحاكم في إيران كلّ قواته القمعية في محاولة لإطفاء نيران الانتفاضة.. وخلال هذه الفترة وحسب التقارير المختلفة أن أكثر من 200 من المتظاهرين قتلوا أثناء الاضطرابات وأصيب واعتقل آلاف الآخرين. وفي المدن الرئيسية وخاصة العاصمة طهران فرض حكم عرفي غير معلن. وفي يوم 20 يونيو، وبعد خطاب خامنئي المتسم بالتهديد والتوعد قتل أكثر من 100 شخص. وتقول تقارير نقلاً عن شهود عيان قولهم إن 4،500 شخص اعتقلوا في طهران وخضعوا لأبشع أساليب التعذيب. ولكن مع ذلك فإن التجمعات الاحتجاجية والمواجهات وحالات الكر والفر تستمرّ في طهران وفي العديد من المدن الرئيسية الأخرى.


والآن نرجع إلى الشعار الرئيسي لهذه الانتفاضة. أن العامل الأكثر أهمية في هذه الانتفاضة هي شعاراتها، والشعار الرئيسي فيها هو laquo;الموت للدكتاتورraquo;. وأصبح هذا الشعار أقوى على مر الزمن وفي العديد من الحالات تطوّر إلى شعارات اكثر تطرفًا، فمن الواضح أن هدف المتظاهرين هو إسقاط النظام وليس إلا. وإضافة إلى ذلك كلما تقدّمت الانتفاضة كلما تقلص تدريجيًا استخدام الإشارات والرموز المتعلقة بمير حسين موسوي. ولم تعد ترى هناك ملابس أو أوشحة خضراء طويلة في الاحتجاجات والتظاهرات أو أصبحت نادرة جدًا.


النقطة المهمة جدًا هي أنه عمومًا لم يكن النشطاء والمعتقلون في الانتفاضة قد شاركوا في الانتخابات. وعلى سبيل المثال، قالوا أقرباء نداء الشابّة التي استشهدت في 20 يونيو/حزيران بعد أن فتحت قوات النظام النار عليها، قالوا إنها لم تصوت في الإنتخابات. وأكد مسؤولو النظام أيضًا أنّ 60 بالمائة من المعتقلين في طهران و90 بالمائة من المعتقلين في إصفهان لم يشاركوا في الانتخابات. وهذه الحقيقة تم تأكيدها وتكرارها في مناسبات عديدة من قبل مسؤولي النظام. ففي خطبة صلاة الجمعة يوم 19 يونيو، صرح آية الله خامنئي بأنّ كلاً من المرشحين الأربعة للرئاسة جزء من النظام ومن أفراده ومن الموالين لولاية الفقيه وأن الذين خرجوا إلى الشوارع هم معارضو النظام برمته.


إننا لا نبحث هنا ما إذا كانت منظمة مجاهدي خلق قد شاركت بشكل تنظيمي في الانتفاضات الأخيرة في إيران أم لا؟ ولاكنه وبصرف النظر عن أداء الدور التنظيمي لهذه المنظمة، فهناك أكثر من 120 ألفاً من أعضاء منظمة مجاهدي خلق الايرانية والمتعاطفين معها اعدموا أو قتلوا فأقاربهم وأصدقاؤهم وذوو هؤلاء الأفراد يشكّلون نسبة كبيرة من المواطنين الإيرانيين. وقلما يوجد زقاق في ايران دون أن يسجل فيه مقتول باسم منظمة مجاهدي خلق الايرانية. وبمنأى عن تنظيم مجاهدي خلق، فان عوائل قتلى المنظمة تشكل القوة الأكبر والدينامية لمعارضة نظام الملالي في المجتمع الايراني الحالي، وإن لم تجد هذه المعارضة فرصة للظهور العلني بسبب عمليات القمع الوحشية، كما يجب إضافة أفراد عوائل سكّان أشرف و أقاربهم وعوائل المتعاطفين مع المنظمة في الخارج أيضا إلى ذلك. كلّ هذا يشكّل طاقة كامنة ضخمة وجدت فرصة اليوم للوجود النشط والملموس والبارز في انتفاضة الشعب الايراني اليوم.

الواقع أن منظمة مجاهدي خلق الايرانية لها غاية واحدة أصبحت ولا تزال قضيتها المثالية وهي تتمثل في تحقيق الديمقراطية في إيران. والآن وأثناء الإحتجاجات، يهتف المواطنون بنفس الشعارات التي كانت تهتف بها مجاهدي خلق وأخذت هذه الانتفاضة تردد شعارات مجاهدي خلق ومنها laquo;الموت للدكتاتورraquo; وlaquo;الموت لخامنئيraquo; وجعلتها تردد على مستوى وطني وشعبي.
إن المستقبل القريب في إيران حبلى بالكثير من المفاجآت. فطوبى للشعوب والحكومات التي تتكيف من الآن مع المستقبل الإيراني.


محمد علي يوسف
باحث وكاتب
[email protected]