اشعر بانزعاج شديد وانا اتابع ردود الافعال على مقتل الصيدلانية المصرية في المانيا مروة الشربيني والحديث بلغة ايدلوجية ذات طابع ديني مبالغ فيه من قبيل وصفها بانها quot;شهيدة الاسلامquot;،والدعوات لكل مسلمي مصر والعالم الاسلامي بشكل عام،خاصة المحجبات الى الاحتجاج على ما جرى والتظاهر امام السفارات الالمانية، بشكل تحريضي يذكرنا بالحملات التى ثارت ابان نشر الرسوم الكاريكترية في الدنمارك قبل سنوات قليلة، على النحو الذي يغفل الحقيقة الكاملة من منظورها الاوسع ويعبأ الجماهير بشكل احادي تجاه قضية تحتاج الى تعاطي حكيم وهادئ وبشكل عقلاني وليس تهيجي وانفعالي،مع ضرورة التوقف عن استثمار العاطفة الدينية القوية لدي الجمهور المصري اعلاميا، لحرف الانظار بعيدا عن ما هو اهم واخطر في الداخل او حتى عن سبل المواجهة الجادة والعميقة لمثل هذه الاحداث التي تكشف عن فجوات سوء الفهم وغياب لغة حوار او تقبل للاخر المختلف دينيا او ثقافيا او حتي ايدلوجيا.


ان اخطر ما في قضية مقتل هذه السيدة الشابة التى نأسف لرحيلها بهذا الشكل العنيف، حديث التعميم الغبي والتحريض الاعمي والنظر الي اوروبا كلها على انها كيان واحد ووضع الجميع في سلة واحدة..اليسار مع اليمين والعلمانيين مع الدينين ودعاة الحوار مع دعاة الصراع، والحاح البعض على ان ما تم عنصرية مبرمجة ضد المسلمين فقط،والتساؤلquot; لماذا يكرهوننا؟quot;.


في حين ان النظرة الموضوعية تقود الي استيعاب ان في الغرب بشكل عام تيارات متعددة وان هناك من يقبل بالاخر و من يرفضه وهذه طبيعة الاشياء طول الوقت.
ويبدو للمتابع عن كثب ان التيار العام والغالب في اوروبا متسامح وليس متطرفا، وان كانت قد زادت جرعة العنف وحدث تصاعد للتيارات اليمينة المتشددة في السنوات الاخيرة ووجدت مبررا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتفجيرات لندن ومدريد، فاننا يجب ان ننظر حولنا لنجد ان موجة العنف والتمييز على اساس ديني او حتى طبقي قد زادت في مجتمعنا ايضا بين ابناء الوطن الواحد على نحو يبدو في كثير من الاحيان اكبر مما يحدث في الغرب، ثم اذا كان العنف، والعنصرية بالطبع ابشع صوره، ظاهرة عالمية تتصاعد حول العالم وتحاصرنا جميعا، فهل نقف في معسكرين منفصلين نتبادل الاتهامات او نقود حملات عنف متبادل وثأر، ام ان الاصلح ان نقف معا في خندق واحد في مواجهة كافة اشكال العنف والسعى لبناء السلام ومناهضة العنصرية بكافة اشكالها واستبدال اللغة العدائية وثقافة رفض الاخر بثقافة التسامح عبر حوارات جادة بين مثقفي الجانبين وقادة الرأي وصناع القرار على مستويات مختلفة، مع اعطاء الاهتمام الاكبر لفئة الشباب، بعيدا عن رجال الدين ولقاءاتهم العقيمة وادوارهم الشكلية الانتهازية التى تفسد التلاقي الحضاري،لانها غير مؤسسة على قناعات بالوحدة الانسانية،وانه لا تمايز بين دين ودين وان لا احد يملك الحقيقة المطلقة.


ثم ان على كل طرف ان يدير اولا حوارا في الداخل بين مكوناته المختلفة العرقية والدينية ويخلق صيغة توافقية وعقدا اجتماعيا يشارك في صياغته الجميع، لانه اذا لم ننجح في الحوار مع بعضنا البعض فلن ننجح في الحوار مع الاخر.
واذا لم ينجح ابناء الوطن الواحد في قبول كل منهما للاخر الداخلي فلن يقبلوا بالاخر الخارجي.


ويحضرني هنا تجربة كنت شريكا فيها وشاهدا عليها قبل ايام لدى مشاركتي في ملتقي فكري تنظمه مؤسسة مسيحية،اذ تلمست حجم العنف الخفي وغياب ثقافة التسامح وقبول الاخر، خاصة حين تحدث احد الصحفيين المهتمين بالشأن القبطي عن دور رجال الدين المسيحي في اثارة الفتنة الطائفية وحديثه عن ديكتاتورية رأس الكنيسة، حيث تعرض لانتقادات لاذعة وانكار لطرحه الذي لا يبتعد عن الواقع وانما يرصده بحالات، وقد صرح لي بانه خشي رد فعل اكبر من هذا، الا وهو وامكانية تعرضه لاعتداء جسدي، فضلا عن انزعاج المشاركين من دعوتي انا شخصيا لتحجيم دور الدين في المجتمع وعلمنة المجتمع، بالاضافة الى الجدل مع احد الباحثين المسيحيين الذي يتحدث بكثرة عن المواطنة شكلا وليس موضوعا، اذ يصر على رفض فكرة ان العنف الطائفي انعكاس لاحباط اقتصادي واجتماعي وسياسي وانه بديل يفضله النظام الحاكم والنخبة على الصراع الطبقي، فضلا عن اصراره على ان هناك انتهاكات منظمة من المسلمين للمسيحين لكونهم مسيحين في مبالغة وتجاوز للواقع لا ادرى ان كانت عن قصد او جهل او قصور في الرؤية، بالاضافة الى قناعة واضحة لدى الكثيرين حول حتمية الدور الواسع لرجال الدين في شئون الحياة واعطاء الانتماء للمؤسسة الدينية اولوية عن الانتماء للوطن او اللجوء للقانون، فضلا عن ملاحظات اخرى ذات دلالة من قبيل اختيار غالبية المشاركين من المسيحين والاقلية من المسلمين،على نحو شبيه بالتمثيل الشكلي الذي تفعله الحكومة مع الاقباط و اعادة استنساخ لنفس السلوك التمييزي، فضلا عن تفضيل كل المسيحين ان يقيموا في الفندق مع المسيحين، والمسلمين مع مسلمين ما يعكس ان قضية التعصب والتمحور حول الانتماء الديني ركيزة اساسية وعميقة في ذهنية من يمكن وصفهم بقادة الرأي والمنوط بهم تغيير ثقافة المجتمع المتعصب والمنكر لتعصبه كلاما والمؤكد له فعلا. فاذا كان هذا حال النخبة فما بالك بالجماهير الاقل ثقافة ووعي او حتي تعاني الامية.


في المقابل، لمست انفتاحا ورغبة في الاستماع الى وجهة النظر الاخرى وايجاد لغة مشتركة وارضية للتواصل مع الجانب الاوروبي لدي مشاركتي في حوار مع برلمانيين واعلاميين دنماركين في كوبنهاجن عقب ازمة الرسوم الشهيرة، بسبب الوعي باهمية الابتعاد عن التشنج واللغة العدائية المستندة على خلفية دينية متشددة مع ضرورة تفهم لخصوصية كل طرف والحديث بلغة العقل وخطاب يفهمه كلا الطرفين.


ان الطريق طويل وشاق والدعوات لا تكفى دون ارادة حقيقية ومعارك ثقافية واعية تركز على المشتركات الانسانية وليس التناقضات، مع ابراز قيمة العدالة على المستوى المحلي والدولي واهمية تحجيم توجه عسكرة السياسة والنزعة الاستعمارية او دعم الديكتاتورية، فضلا عن ضرورة خوض معركة مكافحة ثالوث التخلف حول العالم المعروف بالجهل والفقر والمرض،من اجل ابراز مبدأ التضامن الانساني والغاء اي فرصة لخلق بيئة محرضة على افكارالتطرف والارهاب.


واخيرا نؤكد ان العلمانية كفيلة بتحجيم دعوات التعصب الديني واحتواء اي توترات هنا وهناك وخلق ارضية لاستيعاب الجميع مسلمين ومسيحين ويهود وبوذيين وحتي لادينين.

محمود عبد الرحيم

*كاتب صحفي مصري
Email:
[email protected]