الصمتُ الإعلاميّ، من لدن الدولة الألمانية، المُسدِلُ الستارَ على خبر الجريمة المريعة، التي راح ضحيتها quot; مروة quot;، المرأة المصرية، الشابة ؛ هذا الصمت، المريب، يُحيلنا إلى جريمة اخرى، أكثر قِدَماً، وقعت هنا في السويد. ولكن قبل الشروع في المقارنة بين هذيْن الحدَثيْن، علينا التنويه بأنّ وضع الجالية المسلمة، العظيمة العدد في ألمانية، هوَ الأفضل على مستوى القارة الأوروبية من مختلف نواحي الحياة ؛ وخصوصاً منها، الجالية التركية، التي تعدّ الأكثر نشاطاً على المستوى العمليّ، وبالتالي، الأكثر غنى. هذه الأخيرة، دُفعتْ المرة تلو الاخرى ثمناً باهظاً، حينما إستهدِفَ أفرادُها من قبل عصابات النازيين الجدد. وكان آخرها، تلك الجريمة المرتكبة قبل بضعة أعوام بحق عائلة تركية، عن طريق قذف منزلها بعبوات من البنزين الحارق. في حينه، إضطرت الحكومة الألمانية للإعتذار رسمياً عن تلك الجريمة، الجماعية، إثر موجة من العنف والإحتجاجات، نظمتها الجالية التركية وتضامن معها العديد من أفراد الجاليات الاخرى، المسلمة. ولا ننسى، أنّ الحكومة التركية، في حينه، أقامت الدنيا إستنكاراً على تلك الجريمة، ولم تقعدها إلا بعد ذلك الإعتذار الألمانيّ، الموسوم. بينما من المخزي، حقاً، أنّ الحكومة المصرية مشتركة اليوم مع مثيلتها، الألمانية، في شبهة صمت القبور هذا، غير المبرر بحال، ولم تتكرّم على مواطنيها حتى ببيان رسميّ، خجول، من وزارة خارجيتها المشغولة على ما يبدو بـ quot; الأخوة الأعداء quot; في غزة والضفة الغربية!

قلنا، أنه في السويد، وقعت جريمة لا تقل بشاعة عن تلك المرتكبة، مؤخراً، في ألمانيا، إذ حصل قبل عدة سنوات أن قام شابٌ عنصريّ، حاقد، بمهاجمة طفل لبنانيّ، في الثامنة من عمره، وكان في طريقه إلى المدرسة، فإنهال عليه طعناً بسكين كان يحملها لهذا الغرض الإجراميّ، الجبان. موت هذا الطفل، البريء، هزّ أوساط المهاجرين من مسلمين وغيرهم، فيما تعاملت معه الحكومة السويدية، بما في ذلك الوسائل الإعلامية، بغير قليل من اللا مبالاة. ربّ قائل، أنه من الممكن أن يكون القاتل مجرّد شخص مريض نفسياً، وأنه ليس بالضرورة أن يكون دافعه عنصرياً بحتاً ؛ بما أنّ مثل هكذا جرائم، جنائية، محتملة الحدوث دوماً في المجتمعات جميعاً. هذا القول، ربما فيه بعض الصواب، لو أنّ جريمة قتل الطفل، البريء، قد منحها الإعلام هنا، وكذلك المقامات السويدية جميعاً، بعضاً من ذلك الإهتمام الهائل، الذي حظيت به ما صار يُعرف بـ quot; قضية فاطمة quot; : إنها تلك الفتاة الكردية التركية، التي قتلها والدها برصاص غدارته quot; غسلاً للعار quot;، قبل حوالي العقد من الأعوام. كانت هذه البنت، المجتازة بعدُ سنوات مراهقتها الاولى، قد أحبّت شاباً سويدياً وإتفقت معه على الزواج. وبدون تفاصيل كثيرة، فإنه إثر رفض الأهل للصهر هذا، بادرت الجهات المسؤولة بوضع الفتاة تحت رعايتها وحمايتها، خوفاً من تعرّضها لأذى محتمل.

الضجة الكبرى، المحوّطة إسم quot; فاطمة quot;، بعيد مقتلها مباشرة، ما كان إلا لكون قضيتها تتعلق بما يُسمى بسياسة quot; دمج المهاجرين المسلمين quot;، سويدياً. إلا أنّ سيول الحبر المراقة في الصحف، علاوة على أمواج بحر الأثير التلفزيونيّ، الصاخبة ؛ هذه جميعاً تجاهلت حقيقة، أنّ الضحية فاطمة لم تكن تنتمي لعائلة مسلمة ؛ بل كانت من الأقلية العلوية، التي تعدّ نفوسها بالملايين في تركية وخصوصاً في ولاياتها الجنوبية الشرقية ( كردستان ). والمعروف أن أفراد هذه الأقلية، هنا في السويد وفي أوروبة عموماً يتمتعون بصفة الإنفتاح على الآخر، وبرز منهم الكثير من قيادات وكوادر الأحزاب اليسارية القومية والعلمانية، كما أن بناتهم مودرن ومتعلمات على مستوى عال ويحظين بحرية كبيرة، داخل المنزل وخارجه على السواء. وبالتالي، فإنّ ما نُعتَ بـ quot; التعصّب الدينيّ quot; لعائلة فاطمة، ما كان إلا محض أكذوبة رخِصَة، روّجتْ لها وسائل تلك الإعلام، كيما يُضافر ذلك من الحملة المستهدفة مجتمع الجالية المسلمة، والتي عنوانها quot; الدمج في المجتمع السويدي quot;. وكيلا أعود للحديث ثانية عن quot; قضية فاطمة quot;، يحقّ لي االإفتراض هنا، بأنّ دافع الأبّ في جريمته تلك، البشعة بكل المقاييس، إنما يُحال إلى تربيته القروية : حيث أنّ معظم القادمين من الريف الكردي من تركية، تحديداً يعتبرون مسألة مهر الفتاة أمراً لا يمكن التهاون به، بل ويماهونه بشرف العائلة وسمعتها ؛ خاصة إذا عرفنا أن هذا المهر قد يصل إلى ما يعادل الثلاثين ألف أورو، فيما لو أنّ الفتاة المحظوظة مقيمة في دولة أوروبية غنية كالسويد أو ألمانية أو هولندة أو سويسرا !

هنا، في شمال أوروبة، حينما يشتري المرءُ شتلة نبات زينة، ( ياسمين أو بوغنفيليا، مثلاً )، فإنه يهتمّ بالبيان المرفق معها ؛ وهو عبارة عن إرشاداتٍ لكيفية التعامل مع هكذا أنواع من النبات المنتمية، أصلاً، لبيئة حارّة ؛ إستوائية أو كاريبية أو آسيوية. وكما أن تجاهل الإرشادات سيودي بالغرسة إلى الذبول والفناء لعدم تحمّلها الجوّ البارد غير الملائم كذلك الأمر في غرسة الإنسان، الغريب، المنتمي لمجتمع آخر ؛ لمنظومة أفكار اخرى : وبما أننا نتكلم الآن عن الجالية المسلمة في ديار الغرب، فلنقلها بصراحة، أنّ السياسة الرسمية، الآوروبية، التي تتبع هنا وهناك أي الإندماج فيها ما فيها من قلة دراية، وقلة حكمة، وقلة تأنّ، وقلة صبر. و الحجاب، هو الأكثر تجلياً لمثال الغربيّ، الضيّق التفكير، والذي يرى الآخر، ( المختلف المسلم )، من خلل هذا القماش حسب، ودونما أي محاولة منه للغضّ عن هذه المسألة الحجاب وتركها للمستقبل ؛ للأيام القادمة، السعيدة ! إنّ من قتل quot; مروة quot; اليوم ومن سيقتل غيرها غداً، إنما هوَ وبغض النظر عن أصله وفصله ضحية لهذا الإعلام الغربيّ، اللاهث خلف الإثارة جالبة الربح ؛ كما أنه ضحية لأولئك السياسيين في بلده، الذين يتكسّبون إنتخابياً من تلك البروباغندا نفسها، المناهضة للمسلمين. وأوروبة، اليوم أيضاً، لم يعد بمقدورها، على ما يبدو، إنجابَ مثقفين جريئين على مثال جان جينيه ودوبوفوار وسارتر وبريتون وغونار إيكيلوف وجورج أورويل وألبرتو مورافيا وبازوليني وخوان غويتيسولو الذين كانوا يتحدّون على طول الخط مؤسسات بلدانهم، البيروقراطية، المتولّد في رحمها جنين الكراهية، المشوّه، تجاه كلّ ما هوَ أجنبيّ عرقاً ولوناً وديناً.

دلور ميقري

[email protected]