لو اختارت السيدة مروة الشربيني، رحمها الله، الصبر وقررت كظم غيظها، اثناء تعرض الشقي الألماني لها، وإصراره على احتلال مكان ابنها في الارجوحة، لما كان جرى الذي جرى، ولما كانت القضية قد تطورّت الى quot;اهانة الحجابquot; وquot;التعرض للدين الإسلاميquot;، ومن هناك إلى النيابة والمحاكم، وصولاً الى النهاية المفجعة الحزينة.

ماالذي دفع السيدة مروة لكي تقبل تحدي أحد الأشقياء الفاشلين، وتمضي في نزاله في صالات المحاكم، وتطالب منه مبلغاً كبيراً، وهو المفلس العطيل؟.

الحق أن السبب هو دور منظمات الإسلام السياسي، والتي تنفخ في قرب مثقوبة، وتتحدث ليل نهار عن quot;مظلومية المسلمينquot; وquot;كره الغرب للإسلامquot;، وquot;الحملة الصليبية الحاقدةquot;...الخ. فهذه المنظمات تطالب المسلمين في الغرب باستغلال كل حادثة، كبيرة أو صغيرة، وتسييّسها، بغرض الإستفادة منها إلى أبعد حد. ويبدو أن السيدة شربيني قد وقعت ضحية لمثل هذه البروباغاندا، ووجدت الفرصة سانحة أمامها لكي تستغل دور الضحية، وتنقل بقضية إهانة شخض وضيع ومشرد لحجابها، الى المحاكم، لكي تعمل من quot;الحبة قبةquot;، وتلقن الألمان درساً في الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن الأمور ذهبت باتجاه آخر حزين، عندما اقدم هذا الشقي على طعنها حتى الموت، كما اصاب زوجها بجروح بليغة.

منظمات الإسلام السياسي في أوروبا، تشتغل ليل نهار لترصد حالات quot;إنتهاك حقوق المسلمينquot;، الذين من المفترض إن قسماً كبيراً منهم هم من حملة الجنسية، اي مواطنون في هذه البلدان. ترصد هذه المنظمات كل شاردة وواردة، وأي حادثة فردية، او حتى مقصوّدة، بطلها شخص معتوه وسافل إجتماعياً، تستغله هذه الجمعيات لتبرهن بأن هناك تمييزاً ضد المسلمين، وتجيّر القضية سياسياً، وتطالب بالبديل.

لو تحلّت السيدة مروة بقدر من المرونة والتسامح، لعرضت عن التشاجر مع شخص من أرباب السوابق، وتركت له الأرجوحة، وأخذت أبنها بعيداً عنه، لكي لايتأذى بمشاهدة منظره المقزز والإستماع إلى بذاءاته. لكن يبدو أنها كانت من quot;الثائراتquot; اللواتي يبحثن عن quot;القضاياquot; لنصرة الأمة والذود عن حياضها. وبذلك، قررت فتح قضية ضد شخص مجهول، سفيه وساقط، للفت إنتباه الرأي العام، وتحويل القضية العارضة إلى quot;عداء صريح للإسلام والمسلمينquot;.

منظمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين المتغلغل في كل مكان، وجدت في quot;المأساةquot; فرصة جيدة للنهش والهبش الإعلامي، وبدأت تلوك الأقاويل وتحرّض الناس ضد الغرب. هي فعلت عين الشيء أثناء نشر الصحف الدنماركية للرسوم الكاريكاتورية التي صورّت بني الإسلام محمد بن عبدالله، فثارت الثائرة وخرجت الجموع تزحف، وقتل العشرات دهساً وحرقاً. ولعل الشعارات التي بدأت تلعلع بشتم الغرب في جنازة المغدورة مروة، خير دلالة على مدى الغيبوبة المهلكة في بلاد المسلمين المبتلاة بالفقر والجهل والديكتاتورية، وكم الحقد غير المبرر ضد الآخر.

الصديق مدحت قلادة ذكر مقارنة بين quot;قتلاهمquot; وquot;قتلاناquot; في مقاله الأخير( الشهيدة مروة وإزدواجية الشرق) والذي نٌشر في quot; إيلافquot; أمس. فكم من أناس أبرياء قتلوا وذٌبحوا وقطعّوا في بلادنا، ولم نجد الغرب يهوّل ويولول ويصف الحوادث بأنها دليل كامن عن quot;الحقد الإسلامي تجاه أوروباquot; أو quot;تعبير صارخ عن حالة العداء ضد المسيحيةquot;. حوادث قتل بالعشرات، والضحايا بالمئات، وسمعنا في كل مرة الحكومات الغربية تدين التنظيمات الإرهابية، ليس أكثر. ولم نجد من يتظاهر بالمئات والالاف في عواصم الغرب بشكل عصبوي، يطالب بالثأر والدم...

تنظيمات الإسلام السياسي تشتغل على دماء الناس. هي لاتنشد سلاماً ولاتعترف بمفهوم اسمه المواطنة وquot;دولة القانون الوضعيquot;، بل تبحث عن الحوادث بحثاً، وتستنهض الهمم وتدعو إلى التمرد والنفخ في النار. هي تفعل ذلك في كل المجتمعات الغربية، مستغلة الديمقراطية وجهل الحكومات في الغرب بأجندتها الخفيّة المهلكة.

كان بامكان السيدة مروة الشربيني، وهي المتعلمة المتنورة ان تبتعد عن الحشاش الذي اعترض طريقها وحمل لها الموت، لكن الإباء والشعور النرجسي، والحس بالمظلومية، والذي غرستها تنظيمات الإسلام السياسي دفعها الى المضي قدماً والدخول في المحاكم مع شاب مخمور عيّار. والنتيجة أن عائلة صغيرة تحطمت على يد احد الأشقياء، بينما وجدت منظمات الإسلام السياسي قصة جديدة عن مظلومية المسلمين في الغرب، تلوكها لفترة أخرى من الزمن...

طارق حمو
tariqhemo@hotmailcom