صادق برلمان اقليم كوردستان العراق في الرابع والعشرين من حزيران 2009م على مسودة مشروع اول دستور اقليمي منذ قيام الدولة العراقية ولأول مرة في تاريخ شعب كوردستان، حيث وضعت مسودته التي تتكون من 122 مادة لأول مرة بعد انتفاضة الربيع عام 1991م وقيام الادارة الكوردستانية المستقلة عن حكومة صدام حسين السابقة وقد تمت مناقشته طيلة السنوات الثلاث المنصرمة من عمر برلمان كوردستان من قبل مكونات الاقليم وفعالياته السياسية، حيث توزعت معظم الاراء بين موافق بشكل مطلق ومعارض نسبي على بعض المواد ورافض لبعض آخر منها، ورغم ذلك تمت المصادقة عليه ودفعه الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للتصويت عليه مع انتخابات البرلمان ورئاسة الاقليم في الخامس والعشرين من تموز 2009م حيث اعلنت المفوضية في بادئ الامر موافقتها الاولية على التصويت تزامنا مع انتخابات البرلمان والرئاسة.


الا انه وبعد اقل من شهر من الموافقة على اجراء التصويت اكتشفت المفوضية صعوبة اجرائه فنيا وان ذلك سيؤثر سلبا على مصداقية التصويت ونزاهته(!) على حد وصف بيان المفوضية قبل عدة ايام في اقتراحها لتأجيله حتى الحادي عشر من آب 2009م، ورغم تبريرات المفوضية في قضية التأجيل وعدم ممانعة برلمان الاقليم والادارة السياسية فيه، الا ان البعض من المراقبين وكثير من الاوساط ذات العلاقة ترى ضغوطات سياسية داخلية وخارجية في تأجيل التصويت على خلفية اعتراضات داخلية وخارجية.


واذا استبعدنا كثير من الاعتراضات التي جاءت كخطابات سياسية دعائية اكثر من كونها اعتراضات دستورية او قانونية على الدستور الكوردستاني وهي بالتالي تأتي على خلفية سياسية ذات موقف سلبي معروف من الدستور الاتحادي اولا والثوابت الاساسية للعراق الجديد ثانيا وثالثا وهو الاهم موقفها من الاقليم وما يتعلق به عموما. قلت اذا استبعدنا تلك الاعتراضات التي تشبه الى حد ما ظاهرة العواصف الترابية هذه الايام، سنتوقف عند اهم ثلاث اعتراضات خارجية حول الدستور الكوردي وهي:
الاولى تتمحور حول الحدود الجغرافية للاقليم حيث يرى المعترضون الاتحاديون انها تتقاطع مع المادة 140 من الدستور الاتحادي حول حل مشكلة المناطق المتنازع عليها متهمين المشرعين الكوردستانيين بالتجاوز على الدستور واستباق الحلول، بينما يرى المشرع الكوردستاني توافق تام مع المادة 140 من الدستور العراقي حيث ينص الدستور الاقليمي في مكان آخر على اعتماد تلك المادة في تثبيت الحدود الجغرافية والادارية للاقليم.


أما الثانية التي يفسر فيها المعترضين الزام الحكومة الاتحادية في بغداد على استحصال موافقة الاقليم عند ابرام الاتفاقات والمعاهدات الدولية خروجا على الدستور والاتحاد، يبرر المشرعون الكوردستانيون تلك المادة بأنها متطابقة مع روحية الاتحاد العراقي ومبدأ المشاركة الفعلية في القرار وتكريس وبناء الثقة بين الشركاء في الوطن.


ويأتي الاعتراض الثالث على خلفية اعتبار دستور الاقليم مرجعا في حل القضايا الخلافية مع بغداد، حيث يعتقد مشرع دستور الاقليم بأن الدستورين الاتحادي والاقليمي متطابقين في الثوابت والمصالح العليا وعليه فلا خلاف دستوري في اعتماده مرجعا قانونيا لتلك الخلافات بين الطرفين.


أما في الداخل فقد انحصرت معظم الاعتراضات بين العجالة في الاستفتاء عليه ( رغم وجوده كمسودة لأكثر من ثلاث سنوات ) أو استخدام مصطلحات هلامية من قبيل ( التمرير ) علما بأنه قد تم التصويت عليه من قبل 96 نائبا من مجموع 97 كانوا حاضرين جلسة التصويت من أصل 111 عضو يشكلون برلمان كوردستان، بينما يرى البعض ان ثمة مواد في الدستور تتجه الى تكثيف السلطات في الرئاسة أو التحول من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي في الاقليم ورغم جدية بعض الاعتراضات الا ان الحملات الدعائية قد فعلت فعلتها في تضبيب الرؤية وتكثيف غبار الاجواء؟


ورغم ذلك وبين الفعل ورد الفعل وكل هذا الحراك السياسي في الداخل أو الضغوطات من الخارج تتفق كل الاطراف على ان المحكمة الاتحادية العليا هي التي ستنظر وتحكم في النهاية وان ما يجري الان من تأييد واعتراض خارج دائرة الدعاية الانتخابية او المواقف المسبقة يعتبر بتقديري ظاهرة صحية وتطور في الخطاب السياسي حيث جاء قرار تأجيل الاستفتاء على الدستور الكوردستاني سلسا لم يترك عاصفة ترابية على الأقل لغاية ايلول سبتمبر القادم حيث يعتقد كثير من المراقبين اجراء التصويت عليه مما سيترك متسعا من الوقت للمعترضين وغيرهم في البحث والتمحيص والمطابقة واخيرا التصويت والمصادقة.

كفاح محمود كريم