استمتعتنا بثلاثية نجيب محفوظ quot;السكريةquot; و quot;قصر الشوق quot; و quot;بين قصرين quot;، و هم من اهم ملامح الحياة المصرية التى انتقلت الى السينما من ارض الواقع المعاش، و لقد استوقفتني quot;السكرية quot;، و يحي شاهين في علاقة حب محرمة مع راقصة، و هوشهبندر تجارة العطاره و الاب الملتزم صوريا و الشيخ و سي quot;السيد quot;.


و اعادتني قضية ضابط الامن quot;محسن السكري quot; المتهم في قضية قتل في دبي لسيدة لبنانية الى سكريات الافلام و شخوصها، و منها شخصية quot;رمضان السكري quot; في العيال كبرت الذي ترك زوجته و احب عليها و انجرف في تيار غرامي، وقفت امامه محبة ابنائه له لاجل اعادته الى والدتهم.


والحالة في مقتل اللبنانية سوزان تميم في دبي هي في الواقع هنا انعكاس اخر لمسرحية شهيرة هي ريا و سكينه،اختلطت فيها الاجهزة الامنية و الحب بالسلطة، و لكن بصورة سياسية و اقتصادية وامنية في تلك الحالة، و يرى البعض انه لابد من تناولها في السينما كما في مراكز البحوث القانونية، و دراسة سيكولوجية المجتمعات العربية من خلالها و الحبكة الاجرامية ذات الجريمة الكاملة التى يدفع ثمنها اخرون، حسب وجهة و اعتقاد البعض من المحللين.


و منها انتقل الى مسرحية quot;شاهد ماشافش حاجةquot; للمتالق عادل امام، و الذي اتهم و احضر الى محكمة مع الفنان عمر الحريري في تلك المسرحية التى واجهته التحقيقات و المحاكمة بقتل راقصة، و من ثم تمت تبرئته مع ظهور القاتل الحقيقي في النهاية.


و البعض يرى في هشام طلعت مصطفى انه quot;محرض ما حرضش حد quot;، بينما يحاول ضابط الامن الذي حٌكم بالاعدام في القضية ان يظهر و انه مشتبه به بالقتل و لكنهquot; قاتل ما قتلش حدquot; كما ورد في رسالته الى المفتي المصري.


اما الافلام التى تحدثت عن حوادث قتل و انتقام و براءة متهمين في السينما العربية فهي لا تقف عند فريد شوقي او شكري سرحان او توفيق الدقن او زكي رستم و كان رشدي اباظة و كمال الشناوي و صلاح ذو الفقار من خفاف الظل مع عبد المنعم ابراهيم في عديد من افلام التهم الكيدية و المكائد التى تنتهى بخفة دم و زواج المتهم البريء من البطلة اما شادية او صباح او مديحة يسري.


كل من بطل quot;السكريةquot; الرواية النجم يحي شاهين،شخصية رمضان السكري التى قام بأدائها باقتدار الفنان حسن مصطفى، و اليوم محسن السكري ( الذي قد يؤدي دوره نجما شابا مثل كريم عبد العزيز او احمد عز) هم شخصيات من المجتمع المصري كتبت لهم و عنهم و ستكتب القصص و الروايات كما واخرجت الافلام و سيتم اخراج المزيد.


وقضية سوزان تميم و هشام طلعت مصطفى و السكري هي احد تلك الحالات، بل هي حالة متفرده من قلب الشارع المصري مغلفة بحواديت لبنانية، ومهارات امنية اماراتية، و تبدو مدخلا لسلسلة من الافلام بنهايات مختلفة حول تلك القضية التى باتت، شئنا ام ابينا، تستحوذ على ثلث احاديث اي اجتماع او سهرة او عشاء، و يتلقف اخبارها الشارع العربي.
كل من تلك الافلام ستتناول جانبا معينا من القتيلة و رجل الاعمال و القاتل و القاضي وهيئة الدفاع و رجال الشرطة و الطبيب الشرعي، و قد يكون كل واحدا منهم بطلا لفيلم يحكى قصة صراع مع النجاح و الطموح و السياسة و الامن و المحاكم و الشارع و غيرها.


و لعل من احد الجوانب الهامة في اي فيلم قادم، و من اكثر المواقف اثارة هو كيف يتعامل القاضي ( و الذي يصلح له الفنان خالد صالح )،في مثل تلك الحالة مع البصمة الوراثية ؟. و لعل مفتاح البصمة الوراثية و كيفية اعتبارها دليل علمي قوي في المحاكم مفتاح المدخل الى مشهد يعتبر من اهم المشاهد في اي فيلم سينمائي قوي، و لا شك سيكون احد الطعون المقدمة من قبل المحامي (ابهاء الدين ابو شقة ) للاستئناف لاعادة المحاكمة و ذلك للاسباب التالية:
اولا :من الصعب جدا الاجابة على سؤال في المحكمة هل البصمة الوراثية دليل يدين المتهم ام لا؟، و السبب ان الاهم من البصمة الوراثية هي التسلسل التكويني للبصمة لاثبات انها تابعة لهذا المتهم و تخصه، و حتى يتم التعرف على هذا التسلسل لاثبات ان البصمة هي فعلا 99.99 % ( و ذلك مستحيل) يحتاج المختبر في الولايات المتحدة الامريكية الى عشرة اشهر و الاف الدولارات، فكيف تم التعرف على التسلسل الجيني للبصمة للمتهم محسن السكري خلال ايام ؟ و ما هي البصمة الجينية التى قدمت و نوعية المختبرات التى استخدمت و دقتها، و ليس الطريقة كما سئل في المرافعات الاولى؟


ثانيا :في احد جلسات المحاكم الامريكية، وفي قضية نظرت امام هيئة المحكمة الموقرة، اعتبر الادعاء العام ان البصمة المقدمة او ما يطلق عليها دي ان ايه تطابق مع المتهم بنسبة 99.99%، و ذلك لادانته و ايده في ذلك 83% من القانويين و المحلفين و الحضور في القاعة ضمنيا. و انقلبت الاية في الوقت الذي تقدم الدفاع بتحليل علمي مدروس مغاير، و بوجود خبراء من الجامعات في علم الجينات تقول ان هناك نسبة واحد في الالف يمكن الا تطابق، و اقصد هنا ان في كل الف شخص يوجد شخص واحد قد تطابق جيناته مع اي من الاف الاخرين، و ذكر ذلك الحكم بالتبرئة في العدد الصادر بتاريخ 28 فبراير 1998 في مجلة quot;ساينس نيوز الامريكية quot;.


و عليه اذا ما عرفنا ان عدد سكان العالم ست مليارات ( ستة الاف مليون )، فأن ذلك يعني وجود سته مليون شخص تطابق جيناتهم مع غيرهم، و هو ما يعني سته مليون مشتبه. و هذا كان سببا لتبرئة المتهم من تهمة القتل لانه قد يكون منهم مليونان في امريكا تنطبق عليهم البصمة الوراثية او التسلسل الجيني معه. و لقد احضرت المحكمة في تلك القضية جوناثان كوهلر من جامعة وستن في امريكا و هو احد اهم الخبراء في علم الجينات و من المحلفين في القضية.


ثالثا : الاعتماد على البصمة الوراثية يندرج تحت بند quot;اكذوبة الادعاء quot; و به مراجع قانونية كثيرة في امريكا و يطلق عليهquot; prosecutor's fallacy
و بالتالي فأن 43% من القضاة و المحاكم الامريكية لا يعتبرون ان البصمة الوراثية، دي ان ايه،دليل اثبات اتهام و لا يعتمدونها، لانها حسب النظرية السابقة تؤدي الى ارباك قرار قاضي المحكمة و توجيهه خطئا الى قرار يضر بالعدالة، و تعتمد المحكمة الامريكية، هناك على سؤالين و هما هل يمكن اثبات التهمة دون البصمة الوراثية و الثاني هل البصمة الوراثية معتمدة و ذات مصداقية.


و اقصد هنا ان المحاكم الامريكية و ضمن دراسة بحثية و احصائيات سابقة خلصت الى ان قرار الاتهام يجب ان يثبت الحالة و دون البصمة الوراثية. لانه لو كانت البصمة هي الدليل على القتل لكانت كل اوراق القضية في موضع شك بدون اي دليل مادي اخر و شهود.


(see Koehler، J. (2001). When are people convinced by DNA match statistics? Law amp; Human كريغ Behavior، 25، 493ndash;513).
لذا، فأن اي مشهد سينمائي في فيلم حول تلك القضية، من اجل قبول الاستئناف و من ثم الطعن في قرار المحكمة و الادلة لا بد و ان يأتي بعلماء مختصين في الجينات كشهود جدد في القضية، و لعل من اهم من يتم احضارهم، بل يجب احضارهم، كخبراء في قضية quot;بصمة محسن السكري الوراثية quot; و نقطة الدم التى وجدت، قد يكون الدكتور كريغ كوهلر من جامعة وستن في امريكا و هو اول شخص سجل برأةrsquo; لمتهم بالقتل ادعى عليه بالبصمة الوراثية في هذا الموضوع امام المحاكم الامريكية، او العالمة الامريكية الدكتوره quot;يو روجرز quot; و التى تعتبر رائده في علم تصميم و تطبيق و تحليل و ادارة تسلسل البصمة الوراثية و مشاريعها و هي نائبة رئيس مجلس مركز ابحاث في علم الجينات.


و في حالة مثل تلك الحالة، حيث توافر المال و الجاه و السخاء فأن استقدام العلماء لا يشكل قيمة تذكر امام تبرئة متهمين من حبل المشنقة، في عصر العولمة و انتقال المعلومات و تداولها عير العالم (القرية الصغيرة) من خلال الفضائيات و اجهزة الاستقبال الرقمي التى توضع في قاعات المحاكم..


قد لا يتحدث هؤلاء الخبراء امام المحكمة عن البصمة الوراثية، و لكن عن مدى عدم قوتها كدليل اتهام يمكن الاعتماد عليه او استبعاده من القضية.
و اعود الى الافلام المصرية القديمة، لنجد ان المشتبه في انه القاتل تتم تبرأته و يتزوج من بطلة الفيلم في النهاية،و التى في تلك الحالة رحلت من مسرح الحياه.


قرارالاستئناف قبولا او رفضا، و الذي قد تتزامن فصوله مع فصول جديدة من قضية بها من الاجتهادات و الفكر البحثي القانوني،وادلة تقنية مختلف عليها عالميا، و مسرحا خصبا لمخرجي الافلام و عشاق الحب و السياسة و الكواليس غير المرئية للانظمة العربية، هو المشهد الاول في فيلم جديد من اخراج quot;الكبار فقط quot;.

د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]