أصبح أمرا ً إعتياديا ً، أو هكذا يبدو، مقتل المجندين الكرد في أثناء خدمتهم العسكرية في قطعات الجيش السوري. فلا أحد يتحدث عن هذا الأمر الخطير، سوى منظمات حقوق الإنسان الكردية التي لا تتوان عن إصدار بيان أو توضيح حول جريمة قتل جديدة بحق احد المجندين الكرد. الأحزاب الكردية ما تزال تتجنب التعقيب، ناهيك عن البحث في كيفية مواجهة هذه الجرائم المتزايدة و المتصاعدة بحق أبناء شعبنا، كما جرت العادة في قضايا أخرى، لا تقل خطورة.

فمنذ إنتفاضة آذار 2004، أصبح المجندون الكرد، هدفا ًلأصحاب النزعات العنصرية و الشوفينية في الجيش السوري، و نقول أنها أتت بعد الإنتفاضة، لأنه قلما سمعنا في السابق، عن حوادث مشابهة، و بهذا الحجم و القدر من التركيز و التصعيد بحق رجال صغار في ريعان الشباب، يسارعون الزمن، من أجل إنهاء خدمتهم العسكرية، و بناء حياة أسرية. هؤلاء الشبان غالبا ً ما يكونون مرتبطين عاطفيا ً أو رسميا ً بزوجة المستقبل.

إن هذه الحوادث المؤلمة لا يمكن وصفها بالحوادث المعزولة الصدفية، أو أنها نتيجة مشاجرت شخصية بين المجندين الكرد و أقرانهم من العرب، و إنما هي جرائم ترتكب عن سابق إصرار و ترصد، و ربما بتحريض من الضباط و أصحاب الرتب العليا في الجيش، و قد تكون في سياق سياسة عليا للدولة، لمحاربة و مناهضة الشعب الكردي، و تحويل سوريا بالنسبة له الى جحيم يصعب العيش فيه.

فكل ما يجري في هذه البلاد، إزاء التعامل مع الكرد، من إجراءات ترمي الى إفقار الشعب الكردي، من خلال سد أبواب العيش و الكسب المشروع في وجهه، و قطع دورة الحياة الطبيعية عليه، وذلك من خلال تعقيد الحياة الإقتصادية من معاملات البيع و الشراء، كما نص عليه القرار 49 السئ الصيت، و كل ذلك بهدف إجباره على ترك مناطقه، و الهجرة الى داخل البلاد أو خارجها، و الإنشغال بالهموم اليومية و المصاعب الحياتية التي تترتب عادة عن تطبيق هذه السياسات و الإجراءات بحقه، بدلا ً من الإنخراط في الحياة السياسية، و العمل من أجل القضية القومية.

و للعلم فإن سياسة الدولة الرسمية تجاه الكرد في سوريا، مرت في ثلاث مراحل أساسية. في المرحلة الأولى تركزت على الإنكار. و الأًصرار على هذه السياسة، لم تقتصر على عدم الإعتراف بوجود الشعب الكردي في سوريا، و إنما سعت بكل الوسائل، الى إفناد كل مبررات الجغرافيا و التاريخ و الوجود، من خلال تمرير ثلة من المشاريع العنصرية الخطيرة، و أهمها الحزام العربي التي حاولت من خلاله، فصل الجغرافيا الكردستانية و تقطيع أوصالها عبر إسكان آلاف العرب في قلب المنطقة الكردية، و خاصة على الحدود الدولية بين سوريا و تركيا، و كذلك تجريد المواطنين الكرد من حقوقهم المدنية و الإدارية في الدولة، فضلا ً عن المئات من الإجراءات و المضايقات اليومية التي واجهها الكرد في سوريا خلال عقود من الزمن. أما المرحلة الثانية فقد بدأت بعد الإنتفاضة الكردية في 2004، حيث وضع النظام الشمولي نصب عينه، معاقبة الشعب الكردي، فقام بإصدار القرار 49 الذي يهدف الى إفقار المنطقة الكردية، و إغراقها في المشاكل الحياتية بهدف إجباره على الرحيل و الهجرة. أما المرحلة الراهنة و الثالثة، فهي تتمثل في توحش النظام السوري و تماديه في جرائمه بحق الكرد، و التي وصلت الى مؤسسة الجيش و قتل المجندين الكرد.

إن مواجهة النظام الشمولي قد تكون صعبة في الداخل الآن، و لكن يمكن التصدي له في الخارج. فيمكن للمنظمات الكردية ان تقوم بحملة سياسية و دبلوماسية منظمة، من خلال الإتصال بالمنظمات الدولية، و الهيئات الحقومية، و مؤسسات الإتحاد الأوروبي، و وضعها في صورة السياسات و الممارسات الإجرامية للنظام السوري بحق الشعب الكردي، و حان الوقت لإعطاء هذه القضية، الأهمية القصوى.

زيور العمر