( لاتقسروا اولادکم على أخلاقکم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانکم) هذا القول المأثور للامام علي ابن ابي طالب(ع) يتجلى فيه الکثير من المعاني و الابعاد الانسانية القيمة و

تساءؤلات في المرجعية السياسية الفكرية للشيعة العرب

تجسد العمق الحضاري المعاصر للفکر الاسلامي، سيما عندما يطلب الامام علي من الناس أن لايفرضوا آرائهم و مفاهيمهم الحياتية على الاجيال التي تليهم مؤکدا على عامل الخصوصية الزمانية لکل جيل و مايستوجب ذلك من إملائات و شروط ذاتية و موضوعية مختلفة. و وفق السياق نفسه، فإن لغة الاجيال تتباين مع إختلاف العوامل الذاتية و الموضوعية المرتبطة بأکثر من عامل مع لغة أجيال أخرى وان الشارع الشعبي العربي في يومنا هذا هو غير الشارع الشعبي العربي لعقود خلت و مراحل تأريخية خلت وان دراسة کل جيل على حدة هو الاخر مسألة مهمة وان بعض ماکان مهما و حساسا بالامس قد لايکون بنفس الاهمية في هذا اليوم، وبهذا الفهم نستقرأ شارعنا الشعبي و نسعى لفهم خطوطه الاساسية.


ولم يأت تأکيدنا على أهمية عامل تأثير الشارع الشعبي في دفع الحکومات و النظم السياسية المختلفة لتوجيه سياساتها بإتجاهات محددة أو وفق رؤى معينة إعتباطا، سيما عندما ألمعنا الى ان التأثير ليس أحادي الجانب(أي خاص بتأثير الحکام في الشعوب) وانما هناك أيضا تأثير الطرف الآخر في السلطة بمختلف أشکالها التشريعية و التنفيذية و القضائية وان ذلك التأثير يبدو جليا في شکل و مضمون صياغة القرارات و رسم السياسات ولعل عدم التطبيع مع العدو الصهيوني برغم الاتفاقيات السياسية المبرمة معه من جانب حکومات عربية محددة يبدو اساسا بسبب الرفض الشعبي القاطع لذلك الکيان الغاصب و عدم الاعتراف بشرعيته و کل أشکال التعاون معه. کما ان إلتزام الانظمة العربية کلها بعدم التعرض لسن أية قوانين تتعارض مع مفاهيم و رؤى إجتماعية فکرية للشارع الشعبي هو الاخر دليل على أهمية و قوة هذا التأثير وحتى أن القوى و الدول العظمى و المؤثرة على السياسة الدولية تتحوط من إتخاذ أية سياسات معينة تمس بشکل أو بآخر آراء و معتقدات و مفاهيم هذا الشارع مما يبين مرة أخرى خطورة و حساسية هذا العامل. لکننا مع تفهمنا و إيماننا العميق و الراسخ بقوة تأثير هذا الشارع، فإننا نجد قصورا واضحا في عدم إحتوائه و فهمه بالشکل اللازم و المطلوب من جانب النظام الرسمي العربي و حتى من قبل الکثير من القوى و الاتجاهات السياسية و الفکرية العربية وقد أکدنا مرارا و تکرارا أهمية منح الشارع الشعبي خصوصية إستثنائية في التعامل من جانب الدول و الحکومات و الاحزاب العربية و أشرنا الى ضرورة و أهمية وجود نوع من التناغم و التآلف بين هذه الدول و الحکومات و الاحزاب العربية من جانب و بين شرائح و قطاعات الشارع الشعبي العربي و توظيف و تکريس المحصلة أو المحصلات النهائية من جراء تلك العملية لما يخدم قضايا و مصالح و أهداف أمتنا العربية و يحصن أمنها القومي.


وعندما أسسنا المجلس الاسلامي العربي فإن العديد من الاهداف و الطموحات و المشاريع السياسية و الفکرية و الاجتماعية قد وضعناها نصب أعيننا بيد أن الهدف الاهم و الاکثر أهمية من بين کل تلك الاهداف کان هدف استراتيجي کبير تجلى في إدافة أفکار و مبادئ و قيم مجلسنا مع توجهات و آراء الشارع الشعبي الشيعي للدور الکبير الذي لعبه في الساحة السياسية العربية خصوصا من حيث إستغلال بساطة و طيبة هذا الشارع من أجل رسم و تنفيذ سياسات و اجندة معينة تخدم مصالح و أهداف دول تتقاطع مصالحها و أمنها القومي مع مصالحنا و امننا القومي العربي ومن هنا، فإننا أخذنا على عاتقنا مهمة التصدي للنزول الى عمق الشارع الشعبي الشيعي ليس في لبنان فحسب وانما في العراق و البحرين و السعودية و الکويت و قطر و دولة الامارات العربية المتحدة والسعي للعب دور التلميذ و المعلم في نفس الوقت من أجل الوصول الى الهدف الاسمى وهو وضع حد فاصل لعامل إستغلال و توجيه هذا الشارع نحو تطبيق و تنفيذ أجندة سياسية و امنية خارجية و اقليمية معادية و متقاطعة مع مصالح و إعتبارات أمتنا العربية.

محمد علي الحسيني

الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.