quot;ريتا عزيزquot;، العراقية المسيحية الهاربة من الموت، عادت من عمان الى بغداد لتتعرف على جثتي أخويها، تم اختطافها وتعذيبها واغتصابها لأنها فضلت أن تموت مسيحية على اعتناق quot;الاسلامquot;. أفرج عنها بعد خمسة ايام لقاء فدية 15 ألف دولار امريكي. تعيش اليوم وحيدة في عمان بانتظار أن تلتحق بزوجها الذي ينتظر منحه الاقامة في دولة السويد. quot;محنة ريتاquot; تلخص مأساة المسيحيين في quot;العراق الفدرالي quot; الغارق في فوضى سياسية وأمنية، منذ الغزو الأمريكي له آذار 2003 الذي أيقظ فيه الصراع الطائفي والنزاعات العرقية ودفعه الى خطر الانهيار والحرب الأهلية. وحيث تواجه الأقلية المسيحية، وباقي الاقليات الدينية والاثنية العراقية، مثل الصابئة والشبك واليزيديين، تحديات ومخاطر جسيمة تهدد وجودها الذي يعود الى آلاف السنين في بلاد الرافدين. فقد بقيت هذه الاقليات الصغيرة، التي ارتبط مصيرها بمصير الدولة العراقية الحديثة، من غير حماية وطنية ولا قدرة لها على تحصين ذاتها في وجه الهجمات الارهابية التي تشنها عليها الجماعات والمنظمات الاسلامية المتطرفة من quot;السُنة والشيعة والأكرادquot;، فضلاً عن عصابات السطو والنهب الطامعة بأموالهم وأعراضهم. يذكر، أن العديد من المنظمات الحقوقية الدولية وضعت العراق في quot;المرتبة الثانيةquot;- بعد الصومال- على لائحة أخطر الدول في العالم بالنسبة للأقليات الدينية والقومية.
مسيحيو العراق، معظمهم من quot;الكلدوآشوريينquot; سكان العراق الأوائل، بسبب خصوصيتهم الدينية والاجتماعية والثقافية، هم الأكثر استهدافاً من بين الأقليات العراقية والأكثر تضرراً من الأزمة العراقية الراهنة. ليس من المبالغة القول، أنهم يتعرضون الى quot;عمليات تطهير عرقي ودينيquot;. فبحسب معظم المصادر المسيحية، أن ما تبقى داخل العراق هو أقل من مليون مسيحيي من أصل مليون ونصف المليون قبل الغزو. ورغم التحذيرات المستمرة التي أطلقتها وتطلقها منظمات سياسية وحقوقية ودينية محلية وعالمية من وجود مخطط لإفراغ العراق من المسيحيين، لا تبدو حكومة نوري المالكي والطبقة السياسية العراقية عموما، مكترثة أو مهتمة كثيراً بمصير وحياة مسيحيي العراقي. تجدر الاشارة هنا، الى أن الجهات المعنية في الحكومية العراقية لم تعلن بعد، ويبدو أنها لن تعلن، لأغراض وأهداف سياسية معينة، عن نتائج التحقيقات التي أجرتها حول عمليات استهداف المسيحيين في الموصل في تشرين الأول من العام الماضي، والتي تسببت بقتل المئات ونزوح الآلاف. تلك الأحداث زادت من الشكوك بتورط قوى سياسية عراقية فاعلة في مخطط التآمر على مسيحيي العراق. لهذا يتوقع الكثير من المراقبين للوضع العراقي استمرار أعمال العنف الغير مبررة ضد المسيحيين والهجوم على كنائسهم، لطالما أن الذين يرتكبون هذه الجرائم لا يتم الكشف عنهم وعن الجهات التي تقف وراءهم. يذكر، أن في تموز الماضي وقعت سلسلة جديدة من التفجيرات المنسقة استهدفت كنائس في بغداد ونينوى، وتسببت بسقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح. على أثرها جددت قيادات دينية وسياسية مسيحية عراقية مطالبتها بـquot;منطقة آمنةquot; أو quot;حكم ذاتيquot; للمسيحيين في quot;سهل نينوىquot;، حيث التجمعات المسيحية التي احتضنت معظم المسيحيين النازحين من المناطق العراقية الساخنة والمتوترة. صحيح، توجد صعوبات وعقبات (سياسية، ديمغرافية، أمنية) كثيرة تحول دون قيام quot;منطقة آمنةquot; لمسيحيي العراق، لكن الصحيح ايضاً، أن انقسام الموقف المسيحي حول هذه القضية المصيرية، بين من يرى مستقبل المسيحيين مع العرب والحكومة المركزية، وبين من يراها مع الأكراد وحكومتهم الفدرالية، أطاح بالفكرة من أساسها وبدد الآمال بـquot;ملاذ آمنquot;لمن تبقى من المسيحيين في العراق.
بغض النظر عن أسباب وأهداف العنف والعنف المضاد بين سنة وشيعة العراق وعن الجهات، المحلية والاقليمية، التي تزكي نار الفتنة بينهما للمد في عمر الصراع ودفع العراق الى خيار التقسيم، فأن هذه الحرب المذهبية المقيتة أدت الى تخلي عرب العراق عن مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية تجاه أشقائهم quot;المسيحيينquot;، شركائهم الحقيقيين في الوطن العراقي، وتركهم تحت رحمة الارهاب الذي يستهدفهم. انغماس العرب في رمال الحرب المذهبية وتخليهم عن المسيحيين العراقيين وهم في أشد محنتهم، منح لـquot;الحكومة الكرديةquot; بزعامة مسعود البرزاني الفرصة التي كانت تتوق اليها وتنتظرها لاستمالة المسيحيين العراقيين، الذين بات هاجسهم الأساسي الأمن، واستقطاب أحزابهم وحركاتهم السياسية الضعيفة وفرض عليها الاملاءات والأجندة الكردية، السياسية والغير سياسية، خاصة في يتعلق بمصير quot;سهل نينوىquot; ذات الكثافة المسيحية. اذ، لا تخفي الحكومة الكردية رغبتها بضم هذا السهل الخصب، الفاصل بين مدينة موصل العربية السنية ودهوك الكردية، الى الاقليم الكردي. فضلاً عن أن احتضان الأكراد للمسيحيين ولأبناء الأقليات الأخرى، الهاربين من الموت في المناطق العربية الى المناطق الكردية الآمنة، أفاد كثيراً، سياسياً واعلامياً- وحتى مادياً من خلال تقديم المساعدات الانسانية للنازحين- حكومة مسعود البرزاني التي بدت، وسط المشهد العراقي الأليم، في نظر بعض الأوساط الأوربية والأمريكية، حكومة ديمقراطية حامية للأقليات العراقية المضطهدة. لشرعنة quot;الأجندة الكرديةquot;، في الأوساط المسيحية ولدى الراي العام المسيحي العراقي، خصص الأكراد خمسة مقاعد للمسيحيين في برلمانهم و حقيبتان في حكومتهم الفدرالية، واصطنعوا العديد من التنظيمات والأحزاب الآشورية والكلدانية و المنظمات المسيحية وقدموا لها كل اشكال الدعم المادي والاعلامي والسياسي لتدور في فلكهم وتخدم أجندتهم السياسية. هذا الاهتمام الكردي بوضع المسيحيين العراقيين لا يمكن فصله او عزله عن المخاوف الكردية من نشوب quot;حرب كردية عربيةquot; محتملة ومتوقعة بعد الانسحاب الامريكي من العراق نهاية 2011، على خلفية الملفات العالقة والمناطق المتنازع عليها، مثل quot;ديالاquot; وquot;كركوكquot; الغنية بالنفط، ومناطق عراقية أخرى، يعتبرها الأكراد جزء من ما يسمونه بـquot;كردستان التاريخيةquot;. في هذا الاطار، نشرت جريدة quot;الاندبندنتquot; البريطانية في عددها ليوم الاثنين 10آب تقريراً صحفياً من الموصل كتبه باتريك كوكبرن، بعنوان quot;حرب أهلية وشيكة بين العرب والأكرادquot;، جاء فيه:quot; ان الخط الفاصل بين كردستان العراق وبقية البلاد،يمكنه ان يتحول في اية لحظة الى ساحة معركة بين الجنود العرب والاكراد المتقابلين من جانبيه، بعد أن اقتربا من الدخول في حرب شاملة للسيطرة على المصادر النفطية لهذه الاراضي التي تمتد من حدود سوريا في الغرب الى ايران في الشرقquot;.اذا ما اندلعت هذه الحرب،التي لا مصلحة للمسيحيين فيها، كما في كل حروب العراق، من المتوقع أن تجلب مزيد من الويلات والمآسي لمسيحيي العراق عموماً والشمال خصوصاً، حيث تنتشر في quot;سهل نينوىquot;، الفاصل بين العرب والأكراد، البلدات والمدن المسيحية الهامة المتبقية مثل (بغديدا- تل كيف ndash;القوش- برطلة).

كاتب مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]