طلب المالكي جاء متأخراً برفع قضية المتورطين بدماء العراقيين الى الامم المتحدة ومجلس الامن بتشكيل محكمة جنائية دولية بهدف الاقتصاص من الجناة ليوم الاربعاء الدامي وتسليم العناصر البعثية المتواجدة في سورية المتورطة بدماء العراقيين وهم يونس الاحمد وصطام فرحان وثلاثة وسبعين عنصراً بعثياً فعالاً في النشاطات الارهابية الحاصلة في العراق،هناك غموض يكتنف هذا الطلب في مدى استجابة المجتمع الدولي له فبينما تحمس العراقيون لهذه الفكرة واعتبروها خطوة جريئة قد تضع حلاً لأنهر الدماء الجارية من اجسادهم كل يوم، يبدو بالمقابل وعلى المستوى الدولي هناك مؤشرات بوجود ضغوط كبيرة على الامم المتحدة بعدم الاستجابة لهذا الطلب والتوقعات المحتملة تشير بعدم رغبة امريكا الجدية بأنعقاد المحكمة، الأميركيين بعد الرئيس بوش غيروا من طبيعة سياستهم بالعراق واعتبروا المشكلة كلها مسألة داخلية وخاصة وهم في ذلك يخططون ويرسمون لنوايا سياسية جديدة ومشروع آخر نحو الشرق الاوسط أما اوربا لم يظهر لها اي تصريح. الدول الخليجية ومصر لزمتا الصمت لحسابات معينة، بالنسبة الى ايران لعبت دور الوسيط المحرج لاتعرف بأي اتجاه تستميل وهي النافدة الاكثر عمقاً في الارض العراقية وحليفاً قوياً الى سورية لاتريد ان تخسرها خاصة بعد التطورات والارهاصات السياسية الحاصلة بعد انتخاباتها الاخيرة. أما في العراق الانقسامات السياسية الحادة داخل الحكومة العراقية قبيل الانتخابات القادمة وبخاصة من قبل المجلس الرئاسي بهذا الشان لاتقوي ولاتدعم موقف المالكي في هذا الخصوص. وكان تصريح عادل عبد المهدي من اهم التصريحات التي كذبت تورط البعثثين واضعفت مطالب المالكي.


نعم الظروف السياسية الراهنة وفي هذا الوقت اختلفت كثيراً مقارنة بطلب مجموعة 14 آذار في لبنان بتشكيل محكمة دولية تتهم سورية فيها في قضية مقتل رفيق الحريري. وعلى الرغم من انعقاد المحكمة الخاصة بقضية رفيق الحريري إلاّ ان سعد الحريري المدعوم امريكياً واقليمياً لم يحصل على اي من النتائج الواضحة التي تدين سورية والتي كان يطمح ان تظهر امام الرأي العام العالمي. بالنسبة الى تسليم المتهمين، سورية معروفة سياسياً بعدم استجابتها لمثل هكذا طلبات فهي لاتسلمهم هكذا على طبق من ذهب خاصة اذا كان المطلوبون بعثيين فهي تعتبرنفسها الان الراعي الاول لاركان حزب البعث بكلا جناحيه بعد ان تم حضرجناحه الصدامي من العمل في العراق. سورية كانت قد استجابت الى الطلب التركي بترحيلها اوجلان من على اراضيها وذلك بعد ان واجهت تحذيراً عسكرياً شديد اللهجة من قبل حكومة انقرة. ثم ان الظروف الاقليمية التي كانت تواجهها سورية في تلك الفترة مختلفة كثيراً عما هي الان. فهي الان الاقوى وضعاً وليس الاضعف حالاً كما في السابق.


المتغيرات السياسية الحاصلة بعد حكومة بوش تشير الى ان هناك صفحة جديدة تظهر على السطح لحوارات دبلوماسية شفافة مابين واشنطن ودمشق مشروطة بعدم تسلل الارهابيين والسلاح الى العراق ودمشق بحاجة الى تغيير ما نعتها الرئيس السابق بوش بإحدى محاور الشرضمن لائحة التقسيم العالمي. فهي بتسليمها هؤلاء تكون قد ثبتت على نفسها الاتهام اولاً كما انها ستفشل بنفسها المباحثات الامريكية السورية التي تتطلع اليها قدما لنيل الكثير من المكتسبات وفي مقدمتها الملف اللبناني وعملية السلام مقابل هضبة الجولان مستفيدة من اسلوب الحوار والدبلوماسية الامريكية التي يرغب بها اوباما في سياسته الجديدة حيال الشرق الاوسط. على اي حال السوريون لن يستسلموا للطلب العراقي فوجود هؤلاء على الارض السورية تعد ورقة رابحة لهم في كل الاحوال اضافة الى ان وجودهم يمثل حاجة اقليمية ملحة في الوقت الراهن و بالاخص قبل الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق.


سورية والى حين الانتخابات ستبقى المستفيد الاول من هذا الوجود البعثي على اراضيها فعرض الاغراءات المالية المطروحة من تحت الطاولة امامها ومن قبل دول الجوار كبيرة جداً كل ذلك من اجل ان تغض النظر عن نشاط الزمر البعثية الموالية ليونس الاحمد وعزت الدوري واعوانهما بهدف تمرير المشروع والمخطط القادم بأفشال المالكي والعملية الساسية الحاصلة في العراق اضافة الى ذلك هي مسفيدة ايضاً من المليارات التي هي بحوزة هؤلاء. فهم يمثلون ورقة سياسية كبيرة تستطيع سورية ان تساوم وتتلاعب بهم في كل الاتجاهات وكيفما تشاء.دمشق تدرس وتضع كل الاحتمالات امامها فهي الرابحة في حال استطاعت هذه الزمر و بفضل الدعم المالي الخليجي الوصول الى البرلمان العراقي للانتخابات القادمة بكتلة تستطيع ان تعطل القرارات وتفشل العملية السياسية وفي حال عدم وصولهم ونجاحهم فستبقى سورية مستفيدة منهم بشكل وآخر.


سورية يبدو انها لم تعد الامريكان بشيء مقابل العرض المشروط برفع اسمها من لائحة الارهابيين لكنها ابدت ترحيب بالحواروالعرض الامريكي المقدم امامها فهي لاتريد ان تتسرع بالوعود لان اي تسرع يعني انها ستكون اداة مطيعة امام الرغبات او الشروط المصرية السعودية التي تخص الملفين اللبناني والفلسطيني وحزب الله وعلاقاتها القوية مع ايران لذا ابقت خيار التريث حتى ظهور نتائج الانتخابات التشريعية العراقية القادمة وهي بهذه الفترة تراوح بالافعال والتصريحات.


لترضية المالكي وشعبه مؤقتاً يمكن ان تطرح الوساطات او الحلول الامريكية حلا يعتبر بمثابة آخر الاحتمالات وهذا لن يتحقق إلاّ اذا كان موقف المالكي قوياً من الداخل وهي ورقة ترحيل المطلوبين يونس الاحمد وصطام فرحان وآخرين معهم الى دول اخرى، لكن يبقى السؤال الى اين سيرحلون وما هي العروض والمقايضات المقدمة الى سورية وكيف سيكون الاتصال بهؤلاء بعد ذلك فيما اذا كان هناك اصرار على قلب العملية السياسية في العراق وهل هناك ثمة شروط ستفرض عليهم في حال توجب عليهم الترحيل القسري.
يقيناً ان لدى الحكومة العراقية الادلة الدامغة ومنذ عام 2004 عندما كانت تظهر جانب من التحقيقات من على شاشات التلفزة العراقية مع عناصر متسللة عبر المنافذ السورية بعد ان لاقت تدريباتها في معسكرات اللاذقية وقد اظهرت التحقيقات بعدم انفراد وتورط سورية وحدها فهناك دول ممولة واخرى منسقة وقد شهدت كل من الاردن وقطر ومصر وحتى روسيا وكان آخرها البروتوكولات ضمت الجانب الامريكي مع فصائل المسلحة وبعثيين كانوا قد اجتمعوا في انقرة اسفرت عن بروتوكولات اعلن عنها اثناء زيارة المالكي الاخيرة الى واشنطن. كما ان هناك تصريح واضح يؤكد تورط البعثيين في الكثير من العمليات الارهابية منسوب الى رئيس البرلمان العراقي السابق محمود المشهداني قوله ان الرئيس بوش كان قد ابلغه ((ان البعثيين وحزب البعث ليسوا بعيداً عن البرلمان ولا الحكومة، انهم موجودون في كل زاوية، فكبار البعثيين داخل المنظومة الحاكمة يقودون أخطر ملف وهو الملف الامني، ولا نستطيع الاستغناء عنهم، والبعثيون دخلوا الى العملية السياسية باسماء واحزاب اخرى، أما حزب البعث فانه يبحث عن فرصة للقيام بانقلاب على الحكومة الحالية والاستيلاء على الحكم)). علما ً بأن التصريح لايزال منشور في موقع الملف برس.


المالكي في طلبه هذا سيحصل على مكتسبات جديدة تزيد من رصيده الشعبي خصوصاً ان الانتخابات التشريعية القادمة على الابواب، وأي تساهل أو تسويف ومساومة على دماء الشعب العراقي سيكون الفشل امامه. لابد من الذكر هنا ان الشعب العراقي يشم الان رائحة التسويف المعدة سلفاً في نتائج مؤتمر وزراء الخارجية العرب ليوم 9 \ 9 ومن خلال تصريحات السياسين العراقيين بصيغتها المتراجعة اللهجة واحتواءها واكثر التوقعات سيشهد الشارع العراقي تهدئة زمنية قصيرة تعاد بعدها بموجة من التفخيرات قبل الانتخابات. المالكي يعلم ان أي مساومة على حساب الشعب المتعب يعني ان انتصاره في مجلس المحافظات سوف لن يتكرر مرة اخرى وبالاخص اذا تكررت حادثة اخرى بحجم او أقل من حادثة يوم الاربعاء الدامي والتوقعات كلها تشير الى ان المخطط مرسوم له مسبقا بالتصعيد قبل الانتخابات لافشال حكومة المالكي.ثم سيطرة الفصائل المسلحة والبعثية مستقبلاً. مشروعاً يهدف الى استبدال النفوذ الايراني بالعراق بالبديل العربي ثم ان هناك من يرى ان المشروع يهدف الى غايات اكبر من ذلك وهو لأجل تقويض المشروع النووي الايراني من خلال محاصرة ايران اقليمياً والبدء بالعراق. كثير من التقارير تشير ان هناك رغبة عربية شديدة وملحة لأستبدال المالكي بعناصر اخرى. صمود المالكي وفوزه بالانتخابات المقبلة امام الضغوط العربية يتوقف على مدى استطاعته في توفير الامن لبلده المنهار. بعض الاراء ترى لأجل ان يؤمن المالكي لنفسه الحصول على الاغليبة الانتخابية لابد من اندماج كتلة دولة القانون مع الائتلاف الوطني العراقي فمراهنته على صحوات المنطقة الغربية وان اتسمت بالايجابية والوطنية لكن المراهنة عليها تبدو خاسرة امام مطالب هذه الصحوات التي لن ترتضي بأقل من تأمين منصب سيادي كأن تكون وزارة الداخلية أو الدفاع وتصريحات البعض منهم تطمح بمنصب رئيس الجمهورية، لاضير في ذلك اذا استطاع المالكي توفير هذه الطلبات فهم من أمن الوضع الامني في الانبار والمناطق الغربية في العراق ولهم الفضل الكبير في ذلك وقدموا الكثير من الشهداء نتيجة نبذهم وعدم استجابتهم لمشروع القاعدة بالعراق، والعراق لكل العراقيين بشرط ان يرافق المنصب الكفاءة والنزاهة. لكن في حالة عدم قدرة المالكي في توفير هذه الطلبات نتيجة اصطدامه بمعارضة الكتل الاخرى، من هنا ستبدء الخطورة في هذا الموضوع وتوقعات انقلاب الصحوات على المالكي، والامر الاخر وهو اقتراح قد لايستسيغه البعض يطرحه سياسيون عراقيون مطلعون ويعتبروه ضرورة ملحة الاخذ به في هذه الفترة لأجل انقاذ البلد من بحر سيل دماء العراقيين الجاري فالبعثيين كل واحد ادرى بالأخر ولأجل محاصرة الارهابيين الصداميين لابد ان يكون هناك تشاور وتنسيق يحمل طابع الجدية مع بعض العناصر البعثية العراقية الفاعلة والحريصة على خدمة العراق و التي حاربت صدام حسين وهربت من العراق وطالما نسقت مع المعارضة وشكلت معها لجان عمل خاصة مع حزب الدعوة والمجلس الاعلى وكتل اخرى ايام النضال والتي تملك الان القدرة في التنسيق والمساعدة مع اصحاب القرار الدوليين وبالاخص سورية لقلب المخططات الهادفة لتغيير العملية السياسية والاستفادة من التنافس و العداء التاريخي المتأصل بين المكونين البعثيين. وهناك من هؤلاء الحريصين يتمنى ان يحصل على الضوء الاخضر بإسنادهم ودعمهم ويضع اللوم على مشرع المصالحة الوطنية الذي استبعدهم و اعاد عناصر بعثية صدامية ونسق معها وسلمها زمام الكثير من المسؤوليات الخطرة والحساسة في مفاصل الدولة. مصادر موثوقة تؤكد ان هناك الكثير من المسؤلين العراقيين في الدولة من يقتنع بالفكرة ويتفاعل معها لكن وبحسب مصادر مقربة من هؤلاء السياسين تبقى المباحثات بين الجانبين محصورة داخل الغرف المغلقة لاتتجاوز الجدران الاربعة وسرعان ماتصطدم بغضوطات قد تكون امريكية او اقليمية لاتريد ذلك وتصر على تقريب العناصر الصدامية بدلا عنهم لحسابات اقليمية. لكن من الضروري ان يكون للسياسين العراقيين داخل الحكومة العراقية كلمة ورأي وطني في هذا الصدد وبالتالي هم من يقرر مصلحة البلد خصوصاً وانهم لطالما يرددون حصولهم على الاستقلال بعد خروج القوات الامريكية من المدن ووجود الاتفاقية الامنية. واذا لم يوحدوا كلمتهم فسيبقى المستقبل غامضاً امامهم وستبقى الاختراقات الامنية تلف بهم و تنخر بالجسد العراقي كل يوم.