محمد عبد العزيز من القاهرة:يمر عام 2008 سينمائيا على مصر بكل أحداثه، قد يكون هذا العام هو الوحيد الذي كانت لكلمة الجمهور فيه الصدارة، حيث وقف الجمهور هذا العام في الغالب مع الأفلام جيدة المستوى، وابتعد عن الأفلام التي حاول فيها صناعها الاستخفاف بعقول المشاهدين والاستسهال في تقديم تهريج سينمائي وليس فيلم سينمائي، فعزف الجمهور عنها، تركوها وحدها في دور العرض تعاني من الوحدة، جزاءا لهم على استخفافهم بعقلية الجمهور، الذي استوعب دروس الماضي، وتسبب في عمل إعادة لحسابات النجوم والشركات لما يقدمونه خلال الأعوام القادمة.
بلغة الأرقام عرض هذا العام حوالي 48 فيلما مصريا، بزيادة 12 فيلما عن المعروض في الأفلام عن العام السابق، بالإضافة لعرض فيلمين لبنانين تجاريا هما (سكر بنات، دخان بلا نار)، بالإضافة إلى فيلم سعودي عرض في نهاية العام وهو (مناحي)، وهو ما يعتبر ظاهرة سينمائية جديدة، حيث تحاول السينما العربية إيجاد طريق لها في سوق العرض المصري لتدخل في منافسة قد تكون غير متكافئة لما تتميز به السينما المصرية من تاريخ طويل، ولكن حتى الآن فالسينما العربية لم تنجح في أن تحقق نجاحا على المستوى الجماهيري في مصر، ورفض الجمهور المصري تقبلها، فحققت إيرادات متدنية مع توزيع سيء في دور عرض قليلة للغاية.

احمد حلمي من فيلم quot;آسف على الأزعاجquot;

تصنيفات مختلفة
قد يكون هذا العام مميزا من ناحية عدم سيطرة الأفلام الكوميدية فقط على نوعيات الأفلام المعروضة في السوق السينمائي المصري لهذا العام، فقد دخلت الأفلام التي تصنف بالأفلام الاجتماعية كمنافس قوي لسينما الكوميديا، فعرض 20 فيلما كوميديا بفارق ضئيل عن الأفلام الاجتماعية التي وصل عددها إلى 18 فيلما، في حين انحسرت موجة أفلام الأكشن لهذا العام لتصبح 5 أفلام فقط، في حين أن المثير هذا العام كان في دخول الأفلام التي تنتمي لنوعية الإثارة أو quot;Thrillerquot; ليبلغ عددها هذا العام أربعة أفلام وهي بترتيب العرض (نقطة رجوع، شارع 18، كامب، زي النهاردة) وإن كانت هذه الأفلام لم تحقق نجاحا كبيرا من الناحية التجارية، إلا أنه أمر جيد أن تدخل أفلام الإثارة في السوق السينمائي المصري.


حلمي والزعيم
أحمد حلمي فارس العام 2007 بفيلمه (كده رضا) يحافظ بذكائه الشديد هذا العام على لقب الفارس هذا العام أيضا بفيلمه الأخير (آسف على الإزعاج) الذي حصد معه لقب نجم الصيف بالمشاركة مع زعيم الكوميديا quot;عادل إمامquot; بفيلمه (حسن ومرقص)، وبالرغم من فارق السنين والخبرة بين الاثنين، إلا أن السبب في نجاح الاثنين هذا العام كان ذكاءهما الشديد في اختيار كل عناصر الفيلم، بداية من السيناريو الجيد الأول للكاتب الغنائي أيمن بهجت قمر، والثاني للكاتب الساخر يوسف معاطي، وكذلك في اختيار المخرجين وخاصة من قبل أحمد حلمي، الذي اختار هذا العام مخرجا يليق جدا بسيناريو الفيلم الذي كان يحتاج إيقاعا معينا، فلذلك اختار له مخرجا كان في الأساس مونتيرا، وهو خالد مرعي، كما كان الذكاء واضحا في اختيارات الأبطال المشاركين، فكان محمود حميدة نجما كبيرا في فيلم حلمي، وعمر الشريف منافسا قويا لعادل إمام، والفيلمان بالرغم من اختلاف نوعيتهما، إلا أنهما نجحا في جذب أنظار المشاهدين، ونجحا في الحصول على النصيب الأكبر من الإيرادات هذا العام.


انحسار الأكشن
بالرغم من نجاح الأفلام الأكشن في السنوات السابقة، وخاصة بعد النجاح الكبير لفيلم (الجزيرة) للنجم أحمد السقا، والذي عرض في نهاية العام السابق، إلا أن الأفلام الأكشن انحسرت هذا العام مع اختفاء نجومها البارزين quot;أحمد السقا، كريم عبد العزيزquot;، ليصل عددها هذا العام إلى خمسة أفلام فقط هي بترتيب عرضها (عمليات خاصة، كلاشينكوف، غرفة 707، مسجون ترانزيت، البلد دي فيها حكومة)، والطريف أن هذه الأفلام جميعها لم تنجح في حصد ولو ربع نجاح (الجزيرة)، والسبب في ذلك يرجع إلى عدم نجومية أبطالها من ناحية، ومن ناحية أخرى ضعف المحتوى المقدم من قبل صناع هذه الأفلام، فباستثناء أحمد عز لم ينجح كل من محمد رجب وخالد سليم ومجدي كامل وتامر هجرس في تحقيق أي تقدم بأفلامهم، ولم تقدم لهم أي جديد على مستوى البطولة.

بطل أول مرة
كان هذا العام فاتحة خير على بعض الممثلين، حيث نجحوا في أن يقدموا أول بطولاتهم السينمائية هذا العام، بدأها مجدي كامل بفيلم (غرفة 707) والذي لم يحقق نجاحا تجاريا، وقد يتسبب في انحسار البطولة المطلقة عنه العام المقبل، وإن كان توقيت عرض الفيلم في شهر مارس سببا آخر في فشل الفيلم في تحقيق إيرادات تذكر، كما ظهر الممثل الشاب quot;آسر ياسينquot; في بداية العام في فيلم يحمل بطولته للمرة الأولى (إحنا اتقابلنا قبل كده)، وإن كان الفيلم نفسه لم ينجح تجاريا، إلا أن آسر ياسين قد استفاد منه بشكل كبير، بعدما قدم دورا جيدا رشحه لأن يقوم ببطولتين متتاليتين، الأولى في فيلم (زي النهاردة) الذي حمل أيضا الممثلة بسمة إلى مصاف النجوم، وكونا معا ثنائيا رشحهما للعمل في فيلم quot;داود عبد السيدquot; الجديد (رسايل البحر)، كما كان فيلمه الجديد (الوعد) بطاقة تعارف جديدة بينه وبين جمهور السينما المصري، كما استفاد الممثل الشاب quot;أحمد مكيquot; صاحب أشهر باروكة في الدراما المصرية، في أن يستفيد من العام 2008 في توقيع أول بطولاته السينمائية بالشخصية التي اشتهر بها (H دبور)، لينجح معها في أن يقدم نفسه للجمهور بشكل كوميدي خفيف، أدخله في قائمة أفضل الأفلام نجاحا من ناحية الإيرادات هذا العام، ولكن السؤال الصعب في الفيلم القادم الذي اتفق على تقديمه وهو (المخبر)، ليطل على الجمهور بدون باروكته المعهودة.

عادل امام وعمر الشريف من فيلم quot;حسن ومرقصquot;
بطولات جماعية
شهد العام 2008 أيضا العديد من الأفلام التي قدمت بعض الممثلين في بطولات جماعية، ما بين وجوه جديدة ونجوم تشاركوا في بطولة فيلم واحد، فيلما واحدا نجح من أفلام الوجوه الجديدة وهو (ورقة شفرة) للسيناريست الذي جرب حظه في التمثيل أحمد فهمي، ومعه شيكو والسيناريست أيضا هشام ماجد، ونجاحهم دفع السيناريست والمنتج محمد حفظي في تشجيعه على إنتاج فيلم جديد يحمل بطولته الشباب الثلاثة وهو (الرجل العناب) الذي يبدأ تصويره خلال الأيام القادمة، وعلى العكس فشلت عدة أفلام أخرى من بطولة الوجوه الجديدة، ومنها (شارع 18، كامب، بنات وموتوسيكلات، أيامنا الجاية، ماشيين بالعكس، كاريوكي)، وبالنسبة لأفلام البطولة الجماعية للنجوم فقد كان فيلم (كباريه) هو مفاجأة الموسم، فالفيلم الذي يحمل بطولة 16 ممثلا ونجما، ومن إنتاج السبكي وإخراج سامح عبد العزيز وتأليف أحمد عبد الله، نجح في أن يقدمهم جميعا بصورة مغايرة للصورة النمطية التي اعتدنا أن نشاهدها منهم، فالفيلم بشكل عام كان جيدا من عدة نواح، سواء السيناريو المحكم والإخراج الجيد والتمثيل الممتاز والإنتاج والدعاية المناسبة، مما جعله يحتل مكانة متميزة بين الأفلام هذا العام من الناحيتين التجارية والنقدية، وعلى العكس من ذلك كان فيلم (ليلة البيبي دول) صاحب الضجة الكبيرة والإنتاج السخي لشركة جودنيوز، وعمالقة التمثيل المشتركين به من محمود عبد العزيز ونور الشريف وليلى علوي وسلاف فواخرجي وجمال سليمان وعلا غانم وغادة عبد الرازق وغيرهم من النجوم دوي الأسماء الرنانة، جميعهم لم يقدموا فيلما يرقى إلى مستوى الفيلم المتوسط، وكان صاحب أكبر خيبة أمل هذا العام.

بطولات نسائية
ثمانية أفلام مقدمة هذا العام تحمل بطولتها امرأة، وهو كما أسماه البعض عام عودة المرأة للبطولة السينمائية، فمع بداية العام عرض فيلم تحمل بطولته أربع نساء وهو (لحظات أنوثة)، ولكن الفيلم كان مخيبا جدا وفشل سريعا وتسبب في العديد من المشكلات، ومعه أيضا فيلم (بنات وموتوسيكلات) الذي لحق به هو الآخر، وبعده عرض فيلم (احنا اتقابلنا قبل كده) والذي حملت بطولته نيللي كريم، ولكن الفيلم فشل أيضا من الناحية الجماهيرية، وفي عيد الفطر المبارك عرض فيلم (زي النهاردة) الذي قامت ببطولته quot;بسمةquot;، ونجح نجاحا نسبيا، وفي نفس الموسم عرض فيلم (آخر كلام) والذي حقق إيرادات جيدة، ولكنه كان بداية غير جيدة لبطلته المطربة اللبنانية (مادلين مطر)، وفي موسم عيد الأضحى عرضت ثلاثة أفلام دفعة واحدة تحمل بطولتها امرأة، نجح فيهم فيلم (الدادة دودي) أول البطولات التي تقدمها quot;ياسمين عبد العزيزquot;، وإن كان الفيلم نفسه يعتبر فيلما موجها للأطفال، والفيلم الثاني هو (حبيبي دائما) ثالث بطولات مي عز الدين، ولكنه لم ينجح مثل فيلمها السابق أيضا، وخاصة أنه مقتبس عن فيلم أجنبي لم ينجح في أمريكا نفسها، والثالث هو (بلطية العايمة) والذي يعتبر امتدادا لجميع أدوار عبلة كامل السابقة، ولم ينجح الفيلم أيضا من الناحية التجارية حتى الآن.

سيطرة الغناء
من أكثر الملاحظات التي تتضح كظاهرة مهمة من ظواهر العام 2008، كانت وجود أكثر من مطرب ومطربة يحملون بطولة الأفلام، ومنهم (خالد سليم ونيكول سابا / عمليات خاصة)، (رزان مغربي/ حسن طيارة)، (رولا سعد/ غرفة 707)، (حمادة هلال / حلم العمر)، (تامر حسني / كابتن هيما)، (هيفاء وهبي، وائل كافوري، كارول سماحة ورويدا المحروقي / بحر النجوم)، (مصطفى قمر/ مافيش فايدة)، (آخر كلام/ مادلين مطر)، (سيرين عبد النور/ رمضان مبروك أبو العلمين حمودة)، (روبي/ الوعد)، (دولي شاهين/ المشمهندس حسن)، أي أن أكثر من 11 فيلم كانت أبطالهم من المطربين، وقد يكون السبب وراء ذلك هو الخسائر المستمرة في سوق الكاسيت بسبب عمليات القرصنة على الألبومات، وهو الأمر الذي سيتكرر كثيرا خلال الأعوام القادمة.


أسوأ موسم
احتل موسم شهري مارس وأبريل المقدمة هذا العام في عرض أسوأ الأفلام المصرية هذا العام، وربما منذ أعوام سابقة، وهو الأمر الذي انعكس بالطبع على الإيرادات التي حصدتها هذه الأفلام، والمشاكل التي حدثت بعده، مثلما حدث لفيلم (لحظات أنوثة) الذي تبرأ كل صناعه منه، كذلك عرضت أفلام مثل (حسن طيارة، عمليات خاصة، شارع 18، غرفة 707، كامب، بنات وموتوسيكلات، أيامنا الجاية، ماشيين بالعكس، ألوان السما السبعة)، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل أن تجتمع كل هذه الأفلام في موسم واحد، ليكون الموسم الأسوأ على مدار تاريخ السينما الحديث.

غيابات النجوم
من أكثر الأشياء التي تميز هذا العام هي غياب نجمين من النجوم القوية والتي كان لهما دورا كبيرا في تطور السينما الشبابية في مصر، أولهم كريم عبد العزيز، الذي انسحب من الشركة التي اعتاد العمل معها وهي الشركة العربية، بعدما أشيع أنه كان غاضبا من الدعاية التي أقيمت لفيلمه الأخير (خارج عن القانون)، وهو السبب في عدم تحقيق الفيلم لإيرادات عالية، ولذلك اتجه لشركة أخرى هي الماسة، وهناك شائعة عن قيامه بدور البطولة أمام النجم أحمد السقا في فيلم يخرجه شريف عرفة، ولكن لم يعرف حتى الآن مدى جدية هذا المشروع، النجم الآخر الغائب هذا العام كان أحمد السقا، ويعود السبب في ذلك إلى تأخر السقا في عرض فيلم له هذا العام وخاصة بعد عرضه لفيلمين ناجحين العام الماضي، إلى تأخر تصوير فيلمه (الديلر) في التصوير، مما جعله يؤجل استكمال تصويره إلى ما بعد انتهائه من تصوير فيلم (إبراهيم الأبيض)، وهو ما يؤكد تعويض السقا لغيابه هذا العام بعرض فيلمين له العام المقبل على الأقل.

دور واحد للعرب
من أهم أحداث هذا العام الفنية كان القرار المفاجئ لنقيب السينمائيين أشرف زكي بتحديد أدوار العرب خلال العام، وذلك بعد أن فرض قرارا بتحديد دور واحد في فيلم أو مسلسل مصري لكل ممثل عربي، وهو القرار الذي أثار الجميع من مصريين وعرب ما بين مؤيد بشدة للقرار، ومعارض جدا للقرار، ولكن جاء قرار غرفة صناعة السينما المصرية برفض التعامل بهذا القرار كطعنة في ظهر نقابة الممثلين، حيث لم يتم العمل بهذا القرار إلى الآن، وخاصة بعد اعتراض كل شركات الإنتاج عليه.
[email protected]