عدنان حسين أحمد من روتردام: إنطلقت فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام في العاشر من يونيو (حزيران) 2009 وسوف تستمر لغاية الرابع عشر منه. وقد حضر في حفل الإفتتاح الممثل الجزائري حكيم طرايدية في مشهد كوميدي خلال الإفتتاحجمهور غفير من المواطنين العرب والهولنديين لمتابعة وقائع حفل الإفتتاح، خصوصاً وأن عمدة مدينة روتردام الأستاذ أحمد أبو طالب قد لبّى الدعوة وقدّم كلمته الترحيبية بضيوف المهرجان وجمهوره العريض الذي دأب على مر السنوات التسع على متابعة أفلام المهرجان وندواته وأنشطته الفنية والثقافية. كما قدّم د. خالد شوكات، رئيس المهرجان، كلمة ترحيبية أخرى بالضيوف والحاضرين، وشكر عمدة مدينة روتردام على تلبية الدعوة التي تنطوي على دعم المهرجان وتعزيزه. ثم جاء دور الأستاذ إنتشال التميمي، المدير الفني للمهرجان، حيث عرّف بأعضاء اللجنتين التحكيميتينلمسابقتي الأفلام الروائية والوثائقية.

فيلم الإفتتاح
وقد وقع إختيار اللجنة المنظمة للمهرجان هذا العام على إختيار فيلم (ثلاثون) للمخرج التونسي فاضل الجزيري لأن يكون فيلم الإفتتاح علّه يعوّض تونس عن المشاركة في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة. يروي الفيلم قصة صراعلقطة من الإفتتاح ثلاثون ثلاثة أصدقاء شباب يتحولون في نظر المجتمع التونسي الى أسطورة حقيقية، وهؤلاء الثلاثة هم محمد علي الحامي، مؤسس أول منحة عمل أهلية، وإبن أخته طاهر حداد، وهو مقاتل عنيد في قضية حقوق الإنسان وحرياته، ومناضل رائد في مدونة الأحوال الشخصية حيث دعا العالم الإسلامي من أجل إصلاح وضع المرأة في المجتمع. أما الشخص الثالث المثير للجدل هو أبو القاسم الشابي الذي جدد في الشعر العربي وضخّ فيها دماءً جديدة. وقد قوبلت هذه الصراعات المتواصلة بأهمال كبير ويعود السبب في ذلك الى المجتمع المتمسك بعاداته وتقاليده التي تقف ضد كل أنواع الإصلاحات التي يحتاجها المجتمع التونسي. تميز الفيلم بنهايتة المفتوحة على آفاق جديدة توحي بأن المستقبل مرهون بعزيمة أبنائه وإصرارهم على إحداث التغيير من أجل بناء تونس خضراء متحضرة.

فعاليات اليوم الثاني للمهرجان
شهد اليوم الثاني للمهرجان عرض العديد من الأفلام الروائية والوثائقية. ومن أبرز الأفلام الوثائقية هو فيلم (80/82) للمخرج حميد حداد، سيناريو محمد أمين وحميد حداد. الفيلم يتناول عمليات التسفير التي تمّت على أيدي النظام الدكتاتوري السابق بين الأعوام 1980- 1982 لشريحة واسعة من العراقيين تقدر بنحو نصف مليون عراقي بحجة تبعيتهم لأصول إيرانية. الفيلم يرصد عدداً من هؤلاء الشخصيات الإنسان لقطة من فيلم 80-82التي أثارت شجن المتلقين عراقيين وعرباً وهولنديين. فما الذي إرتكبه هؤلاء الناس الأبرياء لكي يعاملوا بقسوة ووحشية من قبل أركان النظام السابق وأعوانه. كما أن الفيلم يكشف بجرأة أن العديد من النساء والفتيات قد تعرضن للإغتصاب قبل دخولهم الى الأراضي الإيرانية بعد رحلة طويلة إستغرقت نحو أسبوع مشياً على الأقدام قبل أن يصلوا الى المخافر الإيرانية. وقد ظلت هذه الشريحة الواسعة من العراقيين هامشية وطارئة على المجتمع الإيراني. فلا هم قادرون على الإندماج مع المجتمع الجديد، ولا هم قادرون على العودة الى العراق. وقد صوردت أموالهم غير المنقولة كلها وإنتقلت الى ملكية الدولة التي وهبتها بدورها الى أناس آخرين غالباً ما يكونوا من أعوان النظام السابق الذي ألحق الضرر بالعديد من شرائح المجتمع العراقي، متعدد الأطياف. وحينما عادت هذه العوائل المهجرة قسراً لم تستطع أن تستعيد ممتلكاتها وتسترد حقوقها المنتهكة، علماً بأن النظام الديمقراطي الجديد لم يفعل كل ما بوسعه من أجل إنصاف هؤلاء الناس العراقيين المتضررين من ظلم النظام السابق وسياساته الرعناء تجاه أبناء جلدته. وقد بذل المخرج حميد حداد جهوداً جهيدة في تصوير الفيلم في أماكن مختلفة من إيران والعراق. وقد كان الشاعر محمد أمين عوناً له في هذا الفيلم الذي يرتقي فعلاً الى مستوى الوثيقة. كما أنه لامس عقول المشاهدين وهزّ ضمائرهم. جدير ذكره أن حميد حداد هو شاعر وكاتب سيناريو عراقي سبق له أن أخرج فيلمين قصيرين الأول بعنوان (ليلة بيضاء) 2005، والثاني (بورتريه الغائب) 2006، وهذا الفيلم الأخير يندرج في قائمة الأفلام الوثائقية الثقافية التي رصدت الموت المفجع والمبكر للفنان التشكيلي العراقي زياد حيدر. أما الفيلم الوثائقي الثاني فكان بعنوان (الى أبي) للمخرج الفلسطيني عبد السلام شحاذة. يعتمد هذا الفيلم على فكرة جوهرية مفادها quot; أن البنات كنَّ أجمل، وأن عيونهن كانت تحمل أحلى الألوان. أما الآن فكلهن متشابهات. ولا يدري إن كان السبب في الآلة أم في العيون ذاتها؟ يوحي هذا الفيلم للمشاهد وكأنه فيلم مكرس عن فكرة التصوير الفوتوغرافي التي خصص لها زمناً طويلاً، ولكنه إنتقل فجأة من التصوير الى موضوعات أخرى منها متابعة تطورات الإنتفاضات الفلسطينية حيث نقل الفيلم برمته الى ثيمة أخرى. لم يتوقف المخرج عند فكرة التصوير ذاتها وإنما إمتدت مساحة الفيلم لتشمل التحقيق الصحفي وأصوات المصورين إضافة الى موضوع الصورة نفسها والتي تمثل من وجهة نظره إستحضار للتاريخ الحي للشعب الفلسطيني الذي يعاني من أوضاع مأساوية.في تمام الساعة الرابعة مساء تم عرض ثمانية أفلام روائية قصيرة من بينها على العراقي، و أس أم اس وكيك بالكريمة وباب وإسمي محمد وشروق وغروب.

بصرة والجدل العراقي
في المساء تم عرض فيلم (الحب في زمن الكلة) للمخرج المصري إبراهيم عبلة، وهو فيلم خفيف الظل حيث يقع البطل في حب quot;عروسةquot; ليست له، وإنما تعود لشخص آخر حيث يسرقها بقوة السلاح ويمارس معها الحب في سيارته الصغيرة التي تتنقل بين الأحياء الشعبية، ولا يُرجعها الى صاحبها الحقيقي إلا بعد أن يستجيب هذا الأخير لطلباته. أما الفيلم الرئيس فكان بعنوان (بصرة) للمخرج المصري أحمد رشوان وبطولة كل من باسم سمرة ويارا جبران حيث يرصد يوميات مصور فوتوغرافي مصري متمرد يتمتع بعلاقات عاطفية واسعة مع العديد من الفتيات. يقترن زمن الفيلم بالحرب الأمريكية على العراق حيثلقطة من فيلم بصرةتتطور أحداث الفيلم الى الدرجة التي يقول فيها quot;إنني لا أحب صدام حسين، ولا أتفق مع سياسته تجاه شعبه، ولكنه إحتلال للعراق، وإهانة لمشاعر العرب) وعلى الرغم من أن البطل سيغير رأيه في نهاية الفيلم ويلقي بأوراق الكوتشينة الى النهر حيث تطفو على السطح صور رموز النظام الشمولي السابق، إلا أن شريحة من العراقيين كانت ترى أن البطل في هذا الفيلم قد إصطف الى جانب الدكتاتورية، وكان عليه من وجهة نظرهم أن يقف الى جانب الشعب العراقي ويسلط الضوء على ضحايا المقابر الجماعية والتهجير القسري وما الى ذلك من مظالم معروفة بات يعرفها القاصي والداني على حد سواء. (إيلاف) ستتوقف عند هذا الفيلم في قراءة نقدية خاصة لما ينطوي عليه من أهمية فنية وفكرية وجمالية. سبق لأحمد رشوان أن أخرج العديد من الأفلام الروائية القصيرة والوثائقية نذكر منها (عيد ميلاد حبيبة، المسافر خانة، زمزم، أحلام فرح، مفترق طرق، يوم مثل كل الأيام والصباح التالي). أما الفيلم الأخير فكان (دخان بلا نار) للمخرج اللبناني سمير سمير حبشي الذي تابع حياة خالد، وهو مصور سينمائي يعيش في بيروت في أثناء مرحلة إعادة الإعمار بعد سنوات الحرب الطويلة التي تركت بصماتها على شرائح واسعة من المجتمع اللبناني. تتمحور فكرة الفيلم عن إصرار خالد على إخراج فيلم سينمائي يرصد القمع في العالم العربي وطربقة الإستجواب الوحشية التي يتعرض لها بعض المواطنين الضحايا. سبق لسمير حبشي أن أخرج عدداً من الأفلام نذكر منها (الإعصار) و (سيدة القصر) والجدير ذكره أن الفيلمين الروائيين الطويلين، آنفي الذكر، هما من أفلام المسابقة التي تتنافس في الحصول على جوائز الصقر الذهبي والفضي للمهرجان.