الكلمة، أجنحة الروح الطليقة
د. توفيق آلتونجي من السويد: تتجدد هذه التظاهرة الثقافية كل عام كلما حل الخريف وتلونت أوراق الشجر بالألوان القوس قزح في الطرف الشمالي من كوكبنا الأرضي. تلك الألوان البديعة التي تتجمع مكونة لوحة طبيعية بديعة تتناظر صفحات الكتب لتعكس كل تلك المكونات اللونية البديعة التي تشمل اللوحة الإبداعية للفكر الإنساني والتي وصلتنا كموروث ثقافي عبر القرون. بوتقة بثقافة شعوب الأرض بتكوينها ألتعددي العام كملك للإنسانية جمعاء.
يجتمع هؤلاء المبدعين للمرة 24 في هذه التظاهرة الثقافية في مدينة يوتابوري السويدية وهي ثاني مدينة سويدية من حيث السكان ويعيش في أحضانها جالية سكانية مهاجرة كبيرة.
أحاول بدوري ان انقل لقارئ العربية على موقع إيلاف الالكتروني بعض انطباعاتي من خلال زيارتي لهذا المعرض التي تكرر كل عام ولقائي بنوابغ المبدعين من كتاب وسياسيين وناشرين ودور طباعة ونشر. هذه الانطباعات السريعة اكتبها سنويا مكملا لكتابات العيد من زملائي الآخرين من الباحثين والكتاب. تقتصر كتابتي هذه على اليوم الثاني للمعرض والنشاطات الأدبية خلال يوم الجمعة.
الاتجاه العام لمعرض هذه السنة ينطلق من معاير العيش المشترك للجنس البشري وثقافة التسامح والحوار الحضاري. هذا الاتجاه ينعكس في الكثير من الحوارات الثقافية التي دارت على هامش المعرض والجدير بالذكر ان المشاركة العربية في مستوى متواضع جدا وعلى كافة المستويات خاصة الشعر العربي.
فهذا جناح البحث العلمي، وما يسمى ب سوق البحث، يقدم لنا أستاذا شابا من أصول مهاجرة الأستاذ محمد فضل هاشمي وهو أستاذ في تاريخ الفكر في جامعة اوميو في شمال السويد ليقدم وجه نظرة في محاضرة تحت عنوان: إسلام من؟ وهو عنوان كتابه كذلك.
تحدث فيها عن دور ثقافة شعوب الشرق القديمة وانعكاساتها في الأديان والمدارس الفكرية الحديثة بين المنطقية منها والعقلية وكيف يتعايش المؤمن اليوم مع الحقيقة. هل ياترى ان المجتمع الإسلامي وحدة متكاملة؟ ان نظرة الى المجتمع السويدي اليوم تبين ان نصف مليون مسلم يعيشون اليوم في السويد (إجمالي سكان السويد تسع ملايين) ولكننا نرى ان التزامهم بمبادئ الدين وإجراء طقوس العبادة متباينة حيث يصل المتدينين منهم الى ربع عدد المهاجرين من المسلمين. نتيجة لأسباب القدوم واللجوء المختلفة للمهاجرين. ناهيك عن وجود اختلاف في الانتماءات الطائفية لهم. يتوصل الباحث في نهاية محاضرته رأيا مفاده: انه لا يوجد تكامل وخطوط واضحة للاتجاهات الدينية بين المهاجرين.
بينما يرى الباحث ان الاعتماد الكلي للدين الإسلامي يأتي من إتباع النص القرآني وتفسيره.
الموضوع ذاته كان نصا لكتاب تحت عنوان من أنت؟ ألفه قس سويديquot;ميكائيل مورغانquot; وشاب مسلم اسمه محمد التقوا معا وتبادلوا الرسائل الالكترونية الحوارية حول امور الدين. لا يزال يحتفظ الشابين بدينهم وبعبادتهم بعد ذلك الجدال الفكري العميق. كان المسرح الالكبير قد خصص هذا العام للكنيسة الرسمية السويدية. كما كانت هناك مشاركة متواضعة من ايران جلها منظمات من المعارضين للنظام.
كما نرى ان جمهورية ليتوانيا أخذت مكانة متميزة في المعرض وجاءت بأكبر عدد من الكتاب والمثقفين والشعراء والفنانين وكان رئيس الحكومة الليتونية قد شارك في افتتاح المعرض يوم أمس الخميس. شارك اكثر من 800 محاضر من ثلاثين دولة في 435 ندوة. وقد شارك مئات من الكتاب والمهتمين بالشان الثقافي في لقائات مع القراء على مسارح صغيرة انتشرت في اجنحة المعرض. وكانت هناك مسارح اخرى للنقاشات والندوات. كما شارك كتاب من الهند وشعراء من رومانيا. من الملاحظ كثرة العارضين هذا العام مما جعل مواصلة زيارة جميع الأجنحة غير ممكنة بينما شاركت العديد من المؤسسات التعليمية والشبه الحكومية والنقابات في أجنحة خاصة بهم.
الغياب العربي كان واضحا وبينما كنت أغادر المعرض متوجها الى مدينة إقامتي كانت هدى بركات تلتقي بمستمعيها على المسرح العالمي. وعند الظهيرة كان زوار المعرض على موعد مع محاضرة هدى بركات والياس الخوري عن الحبيبة لبنان quot;لبنان في بؤبؤه العينquot;.
يبقى نجم المعرض ودون منازع الدكتور علاء الاسواني الذي التقته الصحفية سيسيليا اودلين على مسرح إحدى قاعات المعرض quot;كي 3quot; الذي امتلئ بالزوار ولم يتمكن العديدون من الاستماع الى الكاتب حيث بقى الزوار يتدافعون وهم ينتظرون دورهم لدخول القاعة. ولكون هذا اللقاء مهم للقارئ الكريم سأقدم عرضا تفصيليا للقاء الذي تم باللغة الانكليزية.
بعد ان رحبت مضيفة الندوة بالكاتب والمصرية والانكليزية مقدما اياه كاحد اكبر كتاب العرب الأكثر مبيعا للكتب التفت إليها الكاتب قائلا وبتواضع: quot;انا سعيد بوجودي في السويد وهي الزيارة الأولى لبلدكم اما كتابي فهو الأول من كتبي التي تصدر بالسويديةquot;.
يقول الكاتب ردا على سؤال حول دور المرأة في رواية الكاتب quot;عمارة يعقوبيانquot; والتي تاخذ فيها مجالا واضحا ان المرأة لم تحصل على مكانها الاحق في المجتمعات الغربية والشرقية. ويجب معاملتها كإنسانة. بعض شخوص الرواية ك بثينة تستغل جنسيا من قبل رب العمل في المكان الذي تعمل فيها وهناك إشارة الى تعدد الزوجات في الرواية.
- ان المجتمعات الغير ديمقراطية تعكس سياساتها في كافة جوانب الحياة ولا ريب ان السيدة جزء من ذلك المجتمع ويقع عليها الظلم. لذا تجدين شخصيات من كافة الطبقات الاجتماعية في الرواية. كل تلك الشخصيات تطلبت مني جهد وعمل عشرة سنيين كتبت فيها قصص قصيرة حاولت من خلالها ان اجد أسلوبي الخاص وكنت دوما اركز على الشخصيات الحقيقية داخل المجتمع بكل التفاصيل من عادات وتقاليد ومن مأكل ومشرب وملابس وحتى الاكسسوارت وزينة المرأة. عندما اجد تلك الحقيقة في شخصياتي ابدا بالكتابة واني ساترك الكتابة اذا لم أتوصل الى تلك الحقيقة. تلك الشخصيات تتحول بمرور الوقت الى شخصيات حقيقية لها كيانها وحياتها الخاصة المستقلة والحرة. تصوري حب العجوز للصبية وكيف يعاني حين يزج به السجن ويعامل معاملته قاسية وحال خروجه يردد يجب نسيان ما حصل والا سنموت..
فترد الصبية هذا هو حظها التعيس هكذا كانت طول حياتها....
عندما وصلت الى هنا كنت انا بدوري حزينا فتركت الكتابة لأخلد الى النوم والراحة وفي الصباح حين بدات الكتابة في جهاز الكومبيوتر كنت قد قررت زواجهم. انا عاشق شخصياتي.
الأدب عزيزتي ليس للإصدار الأحكام على الناس بل لفهم الناس بصورة أفضل.
- أتراك زرت كل تلك الأماكن التي تدور فيها أحداث الرواية؟
- بالتاكيد! يجب معرفة خلفيات الشخصيات. قبض علي الشرطة في احدى الحانات وذكرت لهم مدى أهمية البيئة في الكتابة عن شخصياتي في الرواية فردوا قائلين:
ان بمقدورك الذهاب الى البارات في الفنادق الدرجة الأولى وشرب الجعة فما بالك تتردد الى هذه الحانات الوضيعة.
تصوري كلما كانوا يجدوني هناك كانوا يحيوني بتحية المساء quot;مساء الخير دكتورquot;
- انك لا زلت تواصل عملك كطبيب أسنان حدثنا عن ذلك؟
ان مكان عملي ومهنتي تساعدني على التعرف على الناس ومعرفة سلوكياتهم ونوازعهم. الكثير هم بحاجة الى مجرد الحديث وكسر حاجز العزلة. إني أتعلم منهم، نعم اني أتعلم من المراجعين لعيادتي.
اني لا أؤمن بصراع الحضارات فالتحضر يعني التسامح وحوار الحضاري. هناك دوما امل ولا حياة مع اليأس. للكاتب مهمة ومسؤولية امام الناس والمجتمع فعليه المشاركة في بناء المجتمعات الإنسانية الديمقراطية. لم يتم ابدا تقديم محاسن الحضارة الشرقية ولم يتم عرضها بصورة صحيحة للغرب ونحن نجهل الكثير حول الغرب كذلك. ولم يتم ترجمة العديد من روائعنا في الأدب الى لغاتكم.
وقد تحدث كاتبنا الكبير في العديد من المسائل الاخرى في عملية تقريب وجهات النظر وتعديل العديد من المفاهيم المغلوطة حول المجتمعات الشرقية فشكرنا نحن بدورنا الدكتور الاديب علاء الاسواني على امل اللقاء معه مرة اخرى على صفحات إيلاف.
كانت ساعة الإفطار تقترب وخطوط حمراء بدأت جلية في سماء هذه المدينة والحافة التي تقلنا تعدو مسرعة صوب الشرق تاركة البحر والبحارة والكلمات تترقص في السواحل ورائه.