تباينت الاراء والقاريء غائب
حسين نشوان
عبد الجبار العتابي من عمان:
في الدخول الى خيمة الشعر الاردني، تجد الشعراء يقفون على المنصات المنزوية تحت الظلال يقرؤون قصائدهم بأصوات مختلفة في نبراتها، ويصرخون في فضاءات الصحف، ولكن ليس هنالك من مستمعين الا فئة قليلة من النخبة التي ابتلت بأغواء الشعر او المهتمين به لظروف عملهم، هكذا تصورت الحال وانا اسمع الاراء ممن استطلعت اراءهم وممن اعرفهم حول واقع الشعر الاردني، وان كانت متباينة، ولم اجد في محادثاتي لمواطنين عاديين الا الجفاء عن الشعر بشكل ملفت، والاهتمام بالشعر النبطي الخليجي استماعا فقط، وكذلك الغناء اكثر، وليس هنالك من يعرف من الشعراء غير اسماء لا تعد على اصابع اليد الواحدة، وفوجئت بمن قال لي: (لا احد هنا يقرأ الشعر، لا احد هنا.. يقرأ!!)، وحاولت ان افهم السبب فلم احصل سوى على كلمات من ان هناك اشياء مارست الاستقطاب اكثر من الشعر، او لعدم وجود وسائل انتشار واسعة له كالتلفزيون مثلا، او.. (لم يعد للشعر.. لزوم)، بل انني صدمت حين سمعت من الشاعر الاردني حكمت النوايسة الذي يعد من خيرة الشعراء بتفكيره (نشر ثقافة تلغي الشعر) لعدم وجود قراء، ومع كل التصورات التي يعيشها واقع الشعر في الاردن فلا بد من تلمس الطريق نحو اجابات عنه.
لقاءنا الاول كان مع الشاعرة والنقادة الدكتورة مها العتوم، فقالت: الساحة الاردنية الشعرية غنية وتجد فيها مختلف التيارات الشعرية وان
مها العتوم
واعها، كما تجد فيها النوع بالاضافة الى الكم الكبير، هناك كتابات في كل مجال، هناك قصيدة النثر الجديد والتفعيلة وقصيدة العمودي ايضا، وجميعها تتجاور وتتقاطع قياسا الى الوضع العربي العام، ولكنها تجارب غنية والمستوى الفني الشعري لها عالي، واذا ما اردنا ان نشير الى الاسماء فهناك اسماء مجموعات من الشعراء الجدد اثبتت حضورها ومن كلا الجنسين، مثلا في قصيدة النثر لدينا نوال العلي، وفي قصيدة التفعيلة نبيلة الخطيب وكذلك من النثر الحديث لدينا جهاد هديب وسلام سمحان وعلاء ابو عواد.
واضافت: لكن الاقبال على كتابة قصيدة النثر واضح على الرغم من ان قصيدة التفعيلة لها دور ايضا كما ان هنالك شعراء شباب يكتبون الشعر العمودي، ولكن بصراحة دائما الجيد قليل، اي انه غير معدوم، وما دام الموجود في الساحة بخير، فأنا اضعه في مصاف الدول العربية التي يكتب شعراؤها شعرا جيدا.
وحول ما يعانيه الشعر الاردني قالت العتوم: الشعر الاردني يعاني ما يعاني منه الشعر العربي وهي مشكلة الانتشار او طريقة التركيز الاعلامي على بعض الوجوه واغفال الاخرى، ثم ان الكتاب لايلاقي حضورا كما في الماضي.
اما الشاعر محمود العتيلي فقال: هناك اجيال تشكل هذه المرحلة من الشعر الاردني وهناك حالة من النبوغ عند عدد من الشعراء، مع العلم انه يغلب على الحركة الشعرية بعض الضعف والوهن نتيجة لعدم الفهم الناضج لطبيعة الشعر الحديث والاتجاه هر
محمود العتيلي
وبا الى الشعر النثري بما يفقد هذا الانتاج الشعري مقوماته الحقيقية لكن في الوقت ذاته لايمكن ان نقول عن ابتعاد حركة الشعرية في الاردن عن الحركة الشعرية عموما، فهي في النهاية احد تشكيلاتها، سواء كان من خيث المضامين او من حيث الشكل الفني، ولذلك انا افضّل قراءة الحركة الشعرية في الاردن بأعتبارها بعضا من حركة الشعر العربية التي في النهاية لها ممثلوها المبدعون في اكثر من بلد عربي.
واضاف: اعتقد ان المشكلة التي يعاني منها الشعر الاردني هي التداخل ما بين مفهوم الشعر الحديث والنثري، وهذا ما يفقد الشعر الكثير من جوانبه الفنية، قد تكون هناك بعض الاعمال الشعرية الفنية تحمل بعض المضامين الجيدة ولكنها تطرح ضمن اشكال نثرية تقفدها جاذبيتها.
حكمت النوايسة
اما الشاعر حكمت النوايسة، الذي استذكرت معه قصيدته التي تحمل عنوان (اغنية ضد الحرب) وقرأت منها فيما بعد هذا المقطع (أزِفَ الرحيلُ،أشمُّ رائحةَ القَرنفلِ في يديكِ، أكادُ ألمحُ غابةَ تمشي، نيازكَ مقبلاتٍ صوبَ نبعِك / آن أن أجدَ السّحاب يقلّني / مطراً / وأخباراً / وآنَ / ألملمَ: الأشياءَ / أوراقي، وذكراك الحزينةَ، والقصائدَ، والظلالَ الواقفاتِ على النوافذ، آن أينيَ، سوفَ أدعو الذئبَ، أخطَفُ صوتَه، وألمّ أحلاماً أضعتُ / أحيلها غنماً ورائيَ تستبيحُ الأرضَ )، فقال: انا مسرور بالواقع الشعري في الاردن الان، ذلك ان لدينا من الاجيال ما يطمئن النفس، ولدينا من الاسماء المبدعة والاسماء الجديدة ما يبعث على الامل والتفاؤل، هناك اصوات مكرسة في الساحة العربية وهناك اسماء واصوات تشق طريقها بكل قوة وبكل جرأة، ومنها ماهو اشكالي ويرسم انموذجه الخاص.
واضاف النوايسة: لعل مشكلة النشر والتوزيع هي اهم المشاكلات التي نعاني منها، اما المشكلة العضال فهي غياب القاريء، وقد اشرت في غير حوار الى هذه المشكلة التي تجعلنا نفكر جديا بآليات جديدة لتقديم الشعر ونشر ثقافة تلغي الشعر.
اما لقاؤنا الاخير فكان مع الشاعر حسين نشوان مسؤول القسم الثقافي في جريدة الرأي فقال: على ما اظن ان الشعر العربي في الاردن يشكل ظاهرة استطاعت ان تضيف الى بحر الشعر العربي ماء جديدا، وقد تجلى ذلك في انفتاح التجربة الاردنية على عدد من الظواهر الشعرية الجديدة، ولعل قصيدة النثر التي اول ما استوطنت في الاردن كانت بمثابة المختبر الذي اعاد الى القصيدة الجديدة التي اسس لها في عدد من الحواضر العربية ومنها العراق ومصر، اعاد اليها دما جديدا وجكاليات جديدة ومنها الاشتغال على فكرة الصورة والمشهد والاختزال والتكثيف، وقد تجلى ذلك في عدد من الاصوات الشعرية ومنها على سبيل المثال طاهر رياض وزهير ابو شايب ويوسف عبد العزيز وحكمت النوايسة وحسين جلعاد وغازي الذيبة وزياد العناني.
واضاف نشوان: هذه التجارب جاءت مما يتسم به المشهد الشعري من انفتاح على التجارب العالمية والعربية غير انها استطاعت ان تصهر هذه التجارب في بوتقة واحدة ويقيد انتاجها بأصوات تعرب عن تعدد الصور.