يوم 30 حزيران في عيون مثقفي العراق
سقوط ورقة التوت من الجسم المعادي... أم نداء للتخوف؟

عبد الجبار العتابي من بغداد: ساعات قليلة... وتخلو المدن العراقية من صرير الاليات الاميركية، ومن زمجرة المزنجرات ومن اصوات التشويش، ومن الملابس (الخاكية) التي يرتفع على صدرها العلم ذو الخمسين نجمة، ساعات قليلة... وتغيب عن العيون الصور التي تتزاحم في الامكنة وهي تتبهرج بألوانها المخيفة، ستختفي.. هذه الكائنات المرعبة، التي تتحرك ببطء وتسد منافذ الطرقات، والوجوه ذات السحنات المختلفة، وسيغادر الجنود المقمطون بأطنان من الملابس، والمعتمرون خوذ الحرب والنظارات العريضة، الشاهرون اسلحتهم في وجوه الناس والبنايات والسيارات والاشجار والانهار والماء والسماء، ستذهب عبارة (ابتعد على الاقل 300م ) و (القوة مميتة) ولم يعد لها وجود على سطح الشارع، سيذهب كل هذا وتتحقق نيوءة (يمضون ونبقى)، سينحسر التوغل، فالقوات القتالية الأميركية ستنسحب من مراكز المدن والأقضية والنواحي يوم الثلاثين من حزيران / يونيو، على أن يتم انسحابها من البلاد تمامًا قبل عام 2012 بموجب الاتفاقية الأمنية التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة الأميركية.

اذًا.. ساعات قليلة وينتهي مظهر من مظاهر الحياة العراقية دام لأكثر من ست سنوات، فما هو رأي المثقفين العراقيين بهذا، هنا توقفنا عند عدد منهم.

الناقد والشاعر سهيل نجم ابتدأ كلامه بالقول: يمثل لي هذا اليوم مرحلة تاريخية مهمة ومفصلاً ينهي حقبة استطاع العراقيون تجاوزها الى مرحلة اتمنى ان تكون اكثر استقرارًا وامنًا.

واضاف: اعتقد ان العراقيين سيظلون يدفعون الكثير من فواتير التضحيات الغالية لكنهم في الوقت نفسه يتجاوزن الى مرحلة تحقيق الهوية الديمقراطية والحرة حتى وان كانت بدرجة اقل من المستويات التي في العالم المتقدم وشيئًا فشيئًا سينحسر مد العنف والارهاب الذي اثقل كاهلنا بما لم تشهده اي بلاد ربما في الماضي والحاضر.

اما الشاعر ابراهيم الخياط فقال: يوم 30 حزيران يعني اسقاط الحجة الواهية وقميص عثمان الذي يرفعه المغرضون، ويعني سقوط ورقة التوت من الجسم المعادي لشعبنا، كما يعني 30 حزيران فلاح الجهد الوطني حكومة واحزابًا واعلامًا ومواطنين في ازاحة الغربال عن رؤية الشمس العراقية العائدة الى زهوها الجمهوري الاول.

واضاف: الثلاثون من حزيران يعني كذلك ان ريحًا طيبة هبت قبل 89 عامًا في اليوم ذاته قد اعادت هبوبها عبر العقل والدبلوماسية والصبر دون الحاجة الى (مكوار) او (برنو)، فلكل آن سلاحه.

واختتم ابراهيم حديثه بالقول: صارت الامنية واقعًا.. يمضون ونبقى.

اما الدكتور جواد الزيدي الناقد والفنان فقال: على الرغم من نزوعنا لرؤية قوات امنية عراقية ترابط في الشارع المؤدي الى بيتنا ودائرتنا من دون قوات صديقة اجنبية او محررة كما يسميها بعضهم، إلا انني على غير ثقة بأهلية القوات العراقية المسترخية والسائبة والتي لا تمتلك سياقات عمل تتسق والمرحلة الراهنة، انني غير متحمس لذلك اليوم واني متخوف ايضا بسبب الاسباب السالفة.

واضاف: نعم.. ان بعض الاصوات العالية المنادية بالرحيل لكن بداخلها ذلك التخوف ذاته، نحلم بوطن يسوده الامن والطمأنينة والحريات الشخصية، هل تتوفر هذه بمغادرة القوات الاجنبية، وهل يعني يوم 30 حزيران يوم تحرر الارادة العراقية من تبعاتها للاخر عسكريًا او سياسيًا ؟، لا اعتقد هذا، لان النظام العالمي الجديد لا يدع كل هذا، وفي الخلاصة سنكون تابعين بشكل او بآخر.

ومضى الزيدي يتحدث: اتمنى ان ارى حزيران اخر يسعفني الشرطي المتخذ من نقطة التفتيش او الاشارة الضوئية للوصول الى مسكني او مساعدتي عندما احتاج لذلك، اتمنى ان يحترم ذلك الرجل الذي يحرص على تطبيق القانون هويتي ووجودي، عند ذاك فإن جوهر 30 حزيران سيكون بداخلي له ما يبرره ايجابيًا.

وقال الشاعر نصير فليح: يمثل هذا اليوم في رأيي نقطة تحول مهمة، فمن جهة ان كل الادعاءات التي عوّل عليها الكثيرون واستغلها الكثيرون واستخدموها سببا لمهاجمة العراقيين، هذه الادعاءات التي تقول ان قوات التحالف جاءت لتبقى تصبح الان لكل عقل سليم، ناقلة وكاذبة ولا معنى لها، وليس ادل على ذلك من تصعيد هجمات الارهابيين على المدنيين في موعد انسحاب القوات الاميركية !!، هذا الارهاب الذي طالما اعلن ان هدفه هو استهداف القوات الاجنبية قبل كل شيء.

واضاف: ان انسحاب القوات المبرمج هذا يلغي نقطة خلافية اخرى طالما استغلها وصعدها وروجها البعض وهي ضرورة وضع جدول زمني لسحب القوات الاميركية، وها هي تباشر انسحابها اليوم، فهل ثمة حجة اخرى لتعقيد الامور وتصعيدها يا ترى ؟

واختتم نصير كلامه بالقول: اعتقد ان من تحدثوا عن استهداف القوات الاجنبية استهدفوا قبل كل شيء الشعب العراقي، واحسب ان بعضهم سوف يستمر باستهداف هذا الشعب، ولا ارى الا انهم خائبون في النهاية.

اما الكاتب مهدي القريشي فقال: لم اكن اتوقع بعد ان حدث الزلزال المدمر لدولة العراق ودخول المستعمر الى ارض العراق، لم اكن اتوقع ان ارى شوارع العراق وقد تنظفت من هذه الكائنات غير المرغوب فيها، انه ليوم سعيد، يوم ولادة جديدة، رغم انها ولادة قيصرية كلفت العراق الكثير من الارواح والممتلكات والاخلاقيات وغيرها.

واضاف: يوم 30 حزيران يوم الانتصار على قوى الظلام والهمجية والتخلف وهو في نفس الوقت كشف لاوراقهم الصفراء واراءهم المزيفة وتطلعاتهم التي بنيت على تدمير البنى التحية للعراق، فهاهم الامريكان وقواتهم يرحلون، فما الذي يجعل منهم ومن مرتزقتهم اقامة هذه القيامة في بعض مناطق العراق وخاصة التي يسكنها الفقراء، الم تكن هي ضمن اجندات طائفية وقومية شوفينية متخلفة لزعزعة الالعملية السياسية واعطائها طابعا بأنها غير ناجحة او ان القائمين عليها هم غير مؤهلين لقيادة هذا البلد.

وقال المخرج المسرحي والشاعر كاظم النصار: 30 حزيران يعني اننا دخلنا مرحلة الاعتماد على الشراكة الوطنية، ويعني اننا ازاء اختبار لوطنيتنا واختبار لمؤسساتنا الحكومية والامنية ويعني اننا ازاء ترسيخ مفهوم جديد لما بعد الدولة الشمولية قبل التاسع من نيسان والدولة الديمقراطية الناشئة والمفترضة بعد التاسع من نيسان، واعتقد ان الاصوات الزاعقة التي قتلت الناس بأسم مقاومة الامريكان قد سحب منهم المبرر لضربهم ثانية وهي مرحلة (اي 30 حزيران) جديدة بكل المقاييس لترسيخ الدستور والبرلمان والحكومة الوطنية وترسيخ المشروع الوطني بكل مفاهيمه.

اما الشاعر والقاص والاعلامي فؤاد العبودي فقال: حقا.. اننا امام خيار صعب، حيث تكمن الصعوبة في الكيفية التي سيتم التعامل بها مع الشارع العراقي، وهنا ارجو ان لا يفهم مني ان القوات الاميركية كانت الاول والاخير في الاستقرار النسبي الذي تحقق، بل ان الذي اعنيه ان هناك صراع ارادات وتصفية حسابات لاصحاب الاجندات الخاصة الذين لا يروق لهم عراقا مستقرا ينعم بالامن والامان، وهذا الصراع سينعكس حتما على واقع التعامل اليومي مع كل الاستثناءات التي ستحدث (لاسمح الله).

واضاف: لذلك ينبغي ان يكون هناك حزم وارادة حديدية من قبل القائد العام للقوات المسلحة باتجاه تعزيز قدرات جيشنا وشرطتنا بتوفير اجهزة الرصد الامنية المتطورة وكذلك (سونار الكشف) وان يبتعد عناصر السيطرات عن المجاملات، فالوقت لا يتسع بعد هذا للـ (نكتة)، والكل يراهن على مدى جاهزية جيشنا وشرطتنا.

واختتم العبودي حديثه بالقول: الذي يمثله لي هذا اليوم هو السيادة التي بحثنا عنها طويلا، واستغلالية قرار التحرك العسكري، وهو يوم خالد في حياتنا وله معطيات ايجابية على نفسية المواطن العراقي.