حاوره منير الشرقي

-لو استيقظتم يوما ووجدت نفسك وزيرا للثقافة، ما هو أول شيء ستقومون به؟

-إذا كان بالحقيبة مالٌ كثيرٌ فلا بأْس، وأوّل ما أسعى إليْه هو النّهوض بمشروع المجتمع الثّقافي، مجتمع المعلومات والمعرفة الّذي يعمل على تحصين الإنسان المغربيّ من اليأس والإحباط، ويفتح إنسانيّته على إمكاناتٍ مهمّة من الحلم والأمل بالغد. ولن يتمّ ذلك إلّا بتكريم مثقّفيه وأدبائه وشعرائه وفنّانيه لأنّهم الرأسمال الرمزي، ولسان الفضاء العمومي الغنيّ بالأسئلة والمواقف المتيقّظة بروح العصر، والرّاسخ بهويّته ذات الأضلاع البلّورية: الأمازيغيّة ـ العربيّة ـ الإسلاميّة بشكل غير قابل للفصل، خارج كلّ مناورة أو إيديولوجيا تعيق ضرورة هذا المشروع. وحتّى ذلك اليوم فإنّي أتّهِم.

-ما هي وظيفة الكتابة اليوم، في عالم مليء بالمفارقات. ووسائط أمست تزاحم حضور حميمية الكتاب؟

-في هذه الأوقات العصيبة من ثقافتنا يتأكّد الدّور الطبيعي والطليعي للكتابة، الكتابة بما هي الحركة المستمرّة، الحيويّة أكثر التي تحملنا على التّفكير والحلم، وعلى الانتباه لجوهرنا وعمقنا الإنساني، والاهتمام بما حولنا من اختلاطات الحياة العابرة. لهذا، فكلّ كتابةٍ حقيقيّة وضروريّة هي تلك الّتي تتوجّه إلى المستقبل، خارج الأوهام الّتي تروّج لها laquo;الموضاتraquo; وتُغري بها مرضى الاستسهال والتّسطيح. وفي ظلّ صعود وسائط الميديا وشاشاتها الافتراضيّة، وما تُمارسه من إغواء وجاذبيّة على الجيل النّاشئ من الكتّاب، فإنّه لا يزال للكتاب الورقيّ دوره وقيمته، بل يتقوّيان ويتسلّيان مع نظم التّكنولوجيا بالاستفادة من ثمارها. يدلّنا على ذلك العناوين المتزايدة الّتي تقذفها المطابع كل يوم،وما تلقاه من اهتمام جمهور القرّاء وثقتهم. وهذا يعني أن الكتاب الورقيّ والمطبوع لا يزال هو الشكل السائد والجدير بتقديم المعرفة الإنسانية. شخصيّاً، لا أستطيع أن أتذكر لحظة في حياتي لم أكن فيها شغوفاً بالكتب، وبأغلفتها وشكل كعوبها، وبالورق الذي طبعت عليه، وبرائحتها الفاغمة، وبإحساسي المثير بها وأنا أضمّها بين ذراعيّ.هل من حميميّة أجمل من هذا؟.

-ما هو طقسك الخاص في الكتابة؟

-ليس هناك من طقس معيّن في الكتابة. عليك أن تتوقع مجيء السطر الأول للقصيدة في أي لحظة، ومن ثم عليك أن تحميها من الاستسهال والسطحية بالجهد والموهبة. ولا أوهام للكتابة، أيضاً. ما أحرص عليه هو هدوء اللحظة الذي يحفزني علي تدبير ضوضائي الداخلية. أشد ما أكره أن يقتحم علي شخصٌ ما عزلتي إلا ابني ريان في ربيعه الأول. ربما في حضوره ترتيب النظر إلي مكان الوحي الخطأ.

- الوطن..أي صورة ترسمونها حوله، وهل ثمة تعريف للوطن اليوم؟

-الوطن هو اليوتوبيا الّتي نبحث عنها في دواخلنا وعلاقاتنا و وذكرياتنا وجراحاتنا، وما فتئنا، نحن المسحورين به، نُوجِد له أصابع نصافحه بها، وزيّاً نُلبسه إيّاه، وحدائقَ خضراء نتكلّم فيها إلى روحه حتى لا نضيع في الأفواه الّتي تلوكه كلّ يوم، وتسحقه باسمنا. لنقل، بعبارة أخرى، إنّ الوطن هو البلد الأم، والمنشأ، والانتماء، والهويّة، والثّقافة، والمكان الذي يوفّر لنا الأمان والحرية والرفاهية والعدالة، والأهم من هذا كلّه يتيح لنا الأمل في مستقبل أفضل. لا يتم ذلك إلا باقتسام عادل للثروات، وبالديموقراطية الّتي نحسّ بها كعلامات ترقيم بين جمل حياتنا.

-ما هو الكتاب الذي قرأته فأثر في مسار حياتك الأدبية؟

-قد يكون،على الأرجح، كتاب quot;الأعمال الكاملةquot; للشاعر نزار قباني.

-حلم مستعد أن تقايض حياتك به؟

-حياتي الأخرى الّتي أطمح إليها،هنا والآن.

-طلب منكم كتابة رسالة عاجلة، الى من توجهونها؟

-إلى أبي الطيب المتنبّي، أُخْبره فيها أنّنا افتقدناه كثيراً، وأنّ الحداثة في الشّعر لا تعني، بأيّ حال، التقدّم في الزمن،وأنّ كافور الإخشيدي يبيع أبياتك بالتقسيط على أبواب بغداد، وأنّ سماءك تُباع في المتحف.

-هل لازال للمثقف اليوم وظيفة ودور طليعي في واقعه؟

-نعم، لا يزال ودائماً.لا يمكن أن يعيش المجتمع الإنساني بدون هذه الفئة الّتي تمثّل الطليعة. لكنّنا،مع ذلك،نلاحظ أنّ كثيراً من مثقّفينا لم يفهموا من التحوّل الحاصل في واقعنا إلّا مسايرة العزف نفسه، في استخذاء مخيّب للآمال.إنّ النّقد،والتنوير،وتدبير الاختلاف،والقدرة على التحليل،وتحرير المعنى وسياساته الملتبسة، والمشاركة غير المهادنة للأفكار داخل الفضاء العمومي، والدّفاع عن الحريّات وحقوق الناس المهضومة في قوتها وكرامتها اليومية، والعمل على حماية العمق من الاستهلاكي والسطحي هي رأسمال كلّ مثقف حقيقي وضروري لنا إذا أعاد الثقة بنفسه، وراجع أدوات عمله في الرؤية إلى الأشياء التي تتجدد حولنا، باستمرار.

-هل أنتم مع حوار الحضارات أم حوار الثقافات؟

-هو الحوار نفسه، بشكل غير قابل للفصل. عندما نتحدث عن حوار الحضارات فنحن نعبّر بشكل أكبر عن حوار الثقافات، لأن مفهوم حوار الحضارات يقودنا، ذهنيّاً، إلى البحث في الثقافة. لقد صار لمثل هذه الأسئلة ملحاحيّتها إذا استحضرنا السياق الّذي أنتجها،على الأقل بعد سقوط جدار برلين.ولا أفهم لماذا أصرّ صموئيل هنتنغتون على إطلاق فكرته سيّئة الذكرquot;صدام الحضاراتquot;،الّتي رافقتْها موجة حقد وكراهية وتعصّب، بل كانت من وراء كوارث ومفارقات قبل أن تقع. إنّها سوداء،متشائمة بمستقبل الإنسانية،وقائمة على الصراع بدل إمكانات الحوار المتعدّدة. الحوار ضروريّ ومستعجل وندّيّ في المجالات الحيوية للإنسان من مثل الفلسفة والفكر والاقتصاد والتديّن واللغة والأدب والفنّ، بين الإسلام والغرب أساساً.لا يمكن أن نتقاسم هذا الكون والقيم الّتي رعاها العقل البشري منذ القديم في زخم الصور المخيفة، والتهديدات المستمرّة والأكاذيب المخلّة بالأعراف. لن يكون مثل هذا المناخ الرهيب والمقيت إلّا مرتع المتطرّفين وفرصتهم السانحة. لكن لحسن الحظ فإن الأغلبية في هذه الجهة أو تلك تميل إلى الاعتدال والحوار والتواصل الثقافي والتفاعل الحضاري فيما بينها،لإيمانهم بأنّ المستقبل هو لحوار الحضارات والثقافات وتفاعلها فيما بينها لا لصدامها وتناحرها مثلما آمن بذلك البرابرة والمغول، وصدّقهم توماس هوبز صاحب(الإنسان ذئب الإنسان).

-في أرشيف ذاكرتكم، ما هي أجمل ذكرى تحتفظون بها؟

- عندما وجدتُ، ذات صباح، بين يديّ صبيّاً صبوحاً من امرأة كريمة: ريان،ابني البكر.

-إذا قررتم السفر خلال هذا الصيف، ما هي الوجهة التي تفضلونها؟

-الجديدة، المدينة الّتي ترعاها أساطير البسطاء بعد شروق الشّمس.

-في النهاية، من أنتم؟

-عبداللّطيف الوراري شاعر له ثلاث مجاميع شعريّة، علاوة على اهتمامه بنقد الشّعر وترجمته، وانشغاله النّظري والجمالي بقضايا الشعرية العربية الحديثة.
أمّا من أنا، مرّة أخرى؟ فتلك مشكلة أخرى!