صلاح سليمان من ميونيخ: اصيب المثقفون حول العالم بحالة من الذهول من جراء الانباء التي ترددت حول عزم الازهر مصادرة رواية quot;الايامquot; لطه حسين ومنع تدريسها لطلاب المرحلة الثانوية في مصر بحجة تطاولها علي مشايخ وعلماء الازهر.
بالفعل يبدو أن ذلك امرا غريبا، اذ كيف يجرؤ انسان علي مصادرة مثل هذه الرواية الادبية الرائعة التي هي في الاصل تصوير لسيرة طه حسين الذاتية واحوال مصر في بداية القرن العشرين، وفيها من الاسلوب والبلاغة الادبية ما يجعلها واحدة من احسن روايات العصر.
صور طه حسين في الايام قصة تحديه ووقوفه امام اعاقته في فقدانه البصر وهو طفل صغير، غارق مع اسرته في براثن الجهل الذي كان يطبق علي نواحي الحياة في مصر انذاك..يقول طه حسين عن فقدانه البصر في رائعته هل كنت لأكافح وأجاهد هذه الحياة وأرضي طموحي إذا فقدت بصري في يوم من الأيام؟ هل تظلم الحياة بذهاب نور البصر أم تنطفأ شمعتها بظلمة الإصرار والتحدي؟ ويجيب طه حسين عن تساؤلاته في سياق الرواية بشكل ادبي رئع مما يجعل قراء الرواية من طلاب المدارس والشباب بشكل عام مشحوزين بالهمة، راغبين في تحدي الاعاقة والكفاح من اجل حياة افضل وكما يقول في الرواية ايضا quot;انا اتمنى ان يجد الاصدقاء المكفوفون فى قراءة هذا الحديث تسليه لهم عن اثقال الحياه كما وجدت فى املاءه، و ان يجدوا فيه بعد ذللك تشجيعا لهم على ان يستقبلوا الحياه مبتسمين لها كما تبتسم لهم و لغيرهم من الناسquot;
لاشك ان طه حسين وجه انتقاده الي كثير من المشايخ والعاملين في الحقل الديني بشكل عام وهي جراءة منه لكنها صادقة وضعت طه حسين دائما موضع النقد والاتهام هكذا اثير اللغط حول كتابه الشعر الجاهلي.
ومن مواضيع انتقاده في الرواية للمشايخ كتب طه حسين quot;لما عاد الفتى الأزهري إلى القرية شاع أنه سيلقي خطبة الجمعة، وسمع الشيخ هذا الحديث ولم يقل شيئا. حتى إذا كان يوم الجمعة وامتلأ المسجد بالناس، وأقبل الفتى يريد أن يصعد المنبر، نهض الشيخ حتى انتهى إلى الإمام وقال في صوت سمعه الناس: إنّ هذا الشاب حديث السنّ وما ينبغي له أن يصعد المنبر ولا أن يخطب ولا أن يصلي بالناس.. فمن كان منكم حريصاً على الأّ تبطل صلاته فليتبعني. سمع الناس هذا فاضطربوا، وكادت تقع بينهم الفتنـة، لولا أن نهض الإمام فخطبهم وصلى بهم. فعل الشيخ هذا متأثراً بالحقد والموجدة على الشاب الأزهري. وغضب الوالد وراح يلعن هذا الرجل الذي أكل الحقد قلبه فحال بين ابنه وبين المنبر والصلاة. quot;
وهو واقع حي يصور حقد ومحارية المشايخ للنابغين والنابهين صغار السن في تلك المجتمعات، علي سبيل المثال انتقد طه حسين ايضا quot;سيدنا quot;الذي تعلم علي يديه حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية تقول: الرواية في هذا الشأن كان أكثر الناس مقتاً للشيخ وسخطاً عليه أم الصبيّ، لأن الزيارة كانت ثقيلة على هذه الأسرة، فقد كانت تستهلك القمح والسمن والعسل وما إلى ذلك.. ولكن كانت ام الصبي وأبوه يجدان لذة في أن يتحدثا إلى أبنائهما بأخبار الزيارة تفاخراً.

لكنه يعود في موضع آخر من الرواية ليتحدث عن الشيوخ اهل الطرق الذين يصل في بعض الاحيان احترامهم الي حد التقديس في القري المصرية عن ذلك كتب طه حسين:
quot;.. ومنهم هذا الشيخ الذي كان في أول امره حمّارا ثم أصبح تاجراً واقتصرت حمره على نقل تجارتهquot; quot;.. ومنهم هذا الشيخ الذي لم يكن يقرأ ولا يكتب ولا يحسن قراءة الفاتحة، ولكنه كان شاذلياً من أصحاب الطريق، وكان يجمع الناس إلى الذكر ويفتيهم في أمور دينهم. فلما سأله أحدهم عن تفسير قوله تعالى( وقد خلقكم أطوارا) قال الشيخ: خلقكم كالثيران لا تعقلون شيئاً. وفي تفسيره لقوله تعالى (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال: أي على دكة. وشيوخ الطريق كانوا كثيرين منبثين في أقطار الأرض وكانوا قد تقسموا الناس فيما بينهم فجعلوهم شيعاً، يتسلطون على الأسر، فإذا نُصب المجلس واجتمع الناس إلى حلقة الذكر.. ذكروا الله قاعدين ساكنين ثم تتحرك رؤوسهم وترتفع أصواتهم ثم تتحرك أنصافهم ثم تنبث في أجسادهم رعدة فإذا هم جميعاً وقوف قد دفعوا في الهواء ينشدون.
فهل هذا ما يغيظ البعض، ام ان هناك مالانعرفه من وجه نظر الذين يريدون منع الرواية.