إعداد عبدالاله مجيد: عندما صدرت رواية quot;الحارس في حقل الشوفانquot; التي توفي مؤلفها جيروم ديفيد سالنجر في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير ضربت وترا حساسا لدى الشباب في انحاء العالم وليس في الولايات المتحدة وحدها بموضوعاتها في الاغتراب والبراءة والتمرد. وأسطع دليل مبيعات الرواية التي زادت على 60 مليون نسخة منذ نشرها في عام 1951.
ويقول الناقد ميتشيكو كاكوتاني في صحيفة نيويورك تايمز ان افتتان القراء بالرواية ناجم عن الصوت الذي منحه سالنجر لبطله هولدن كولفيلد، صوت مراهق في السادسة عشرة بافكاره وهواجسه واحباطاته، بنظرة ارتيابه المبرر الى العالم رافضا زيفه ورياءه ورتابته.
كانت مجسات سالنجر في استشعار هموم المراهقة وأَرَقها وسخطها وهشاشتها من الحساسية حتى ان quot;الحارسquot; بعد نحو ستين عاما على صدورها تبقى من أول الكتب التي يقع الشباب في حبها، كتاب يبوح بحميمية ما يعني ان يكون المرء شابا مرهفا يصارع دفقا من الأسئلة الوجودية، فاتحا بذلك عيون القارئ الشاب على امكانات الأدب اولا.
ابطال سالنجر عموما غرباء، هائمون، رمتهم سفينة الحياة مع حطامها على شاطئ عالم مادي مغرق في الابتذال، نواشز ما شبوا قط على الطوق بل ظلوا أسرى مشاعر الاغتراب في ذروة الإقبال على الحياة.
ابطال سالنجر يتماهون مع الأطفال ويتشبثون ببراءة الطفولة بضراوة تقرب من اليأس. هذا هولدن يريد ان يكون حارسا يبعد الأطفال عن السقوط من منحدر سحيق، وسيمور يتحادث مع فتاة على الشاطئ عن سمك الموز قبل ان يصعد الى غرفته في الفندق ويطلق رصاصة في رأسه (صدرت رواية سالنجر quot;يوم رائق لسمكة الموزquot; في 31 كانون الثاني/يناير 1948).
يلتاع ابطال سالنجر في بحثهم عن حقيقة روحية أعمق لكنهم لا يتخلصون من نظرة المراهق الى العالم نظرة حدِّ لا تهادن، وتصنيف الآخرين بثنائيات الصدق والكذب، اولئك الذين يفهمون quot;تيار الشعر الدافق عبر الأشياءquot; واولئك الأوغاد الفظين، المتخلفين الذين quot;لن يفقهوا ابداquot;. ويتضح ان هؤلاء الأخيرين فئة واسعة من الأدعياء والمتأدبين والشغوفين بالفخفخة الفارغة.
شخصيات سالنجر مثل فراني ـ في رواية quot;فراني وزوويquot; الصادرة عام 1961 ـ تشعر quot;ان كل ما يفعله أي احد هو ـ لا أدري ـ ليس خطأ أو حتى دنيئا أو حتى غبيا بالضرورة بل مجرد ضئيل وعبثي و.... مُحزنquot;.
بعض النقاد اتهموا سالنجر الانفعال والعاطفية لكن كاكوتاني يقول ان اعمالا مثل quot;الحارسquot; وquot;فراني وزوويquot; وقصص سالنجر القصيرة ستؤثر في اجيال متعاقبة من الكتاب مشيرا الى براعته في استخدام اللغة الاصطلاحية الدارجة وموهبته في النطق بلا كلمات وقدرته الرشيقة على ابداع قصص داخل قصص وأُذنه المرهفة لالتقاط ايقاعات اللغة العامية وموسيقيتها وعينه الثاقبة في اقتناص الحركات الكاشفة ـ اشعال السيجارة بطريقة تنم عن توتر صاحبها أو نظرة رجل تجرد المرأة من ملابسها أو سرقة قبلة على رصيف محطة.

ستبقى رواية quot;الحارس في حقل الشوفانquot; الأكثر تألقا بين اعمال سالنجر محتفظة ببريقها بعد نحو ستة عقود على نشرها لبراعة تصويره مرحلة المراهقة وبطلها. وأقبل عليها الشباب في انحاء العالم لا تماهيا مع بطلها الاميركي المراهق بل حبا لتمرده على الامتثال والقيم الاجتماعية المفتعلة. إذ كان تمرد هولدن كولفيلد تمردا على المجتمع برمته، على قواعد سلوكه المرائية.