رسول محمد رسول: في لندن، وفي خضم نشوة لقاء سارة بحبيبها رئيف، لم يفت الناصَّة توجيه النقد لخطاب المؤسسة الدِّينية المتمثلة بـ quot;هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرquot; وأداتها التنفيذية quot;الشُّرطة الدِّينيةquot;؛ فالنِّساء في نظر المرجعيات الفقهية لهذا الخطاب هن quot;مغويات جنسياً، كما أنهن المدبرات لخطيئة الرجالquot; (ص 15). هذا من جهة، ومن جهة أخرى نلاحظ على هذا الخطاب أنه ينعت quot;العاشق بالفاسق، أما العاشقة فهي بلا شك مومس تستحق الرَّجمquot; (ص 18).
في وقت كانت فيه سارة بلندن حيث أجواء اللقاء الغرامي العبق بالحب وتحقيق الحلم الحر والكبير، كانت مفاعيل خطاب التفسيق والتمويس تحضر بقوة في ذاتي البطلين، لكنها لدى سارة كانت أكثر لأن هذه العذراء السُّعودية عاشت ثلاثة عقود من حياتها في الرياض تحت سطوة هذا الخطاب الفقهي المتسلِّط بالنسبة لها. وعندما عادت إلى الرياض من لندن، ومضت فترة طويلة حتى جاء رئيف إلى الرياض فاجتاحها الشوق للقائه، لكنه رمى بالمسؤولية عليها خوفاً من الشُّرطة الدِّينية، وضربا موعداً في مطعم quot;واتر ليمونquot;، وهو مطعم عائلي. وبالفعل، ذهبا إلى هناك على أمل ألاّ quot;ينال منهما الأوباشquot; (ص 38)، وتقصد الناصَّة بالأوباش شرطة الرياض الدِّينية.
مثلما في لندن، كذلك في مطعم quot;واتر ليمونquot; خرقت سارة المحذور، وراحت تتحدّى الممنوع والمحرَّم من خلال جملة من الأفعال كما ترد في النَّصوص/ المقاطع الآتية:
1. تقول سارة: quot;ما أن جلستُ على الكرسي حتى رفعتُ الغطاء عن وجهي فحدَّق بي ونسي أن النادل يمدّ له يده بقائمة الطعام..quot; (ص 40).
2. وتقول أيضاً: quot;ما أنْ وصل الطعام، والأبخرة ترتفع من الحرارة، حتى غرستُ سكيني وشوكتي والتفت بحركة سريعة يمنة ويسرة: افتح فمك بسرعة. طلبتُ هذا منه على عجل قبل أن تلتقطنا عينا النادل... سمعتُ الأصوات تتعالى في المطعم، وفتيات صغيرات يصرخن: quot;الهيئة..quot;...quot; (ص 41 ـ 42).
يتضح من هذين النَّصين أن سارة هي التي تحدَّت المحذور الدِّيني وهي تعلم أنه محذور، وذلك عندما رفعت غطاء وجهها، وعندما أشهرت تناول الطعام مع رئيف أو بالأحرى عندما وضعت لقمة من الطعام في فم رئيف في اللحظة التي ما كان جواسيس quot;الشُّرطة الدِّينيةquot; بعيدين عن هذا الخرق فوقع الفأس بالرأس لتبدأ رحلة إلقاء القبض على العاشقين وهما متلبِّسان بالجُرم المشهود، وليشرع أفراد تلك الشُّرطة في ممارسة شتائمها وأهانتها للذات الأُنثوية من خلال قذف سارة بأوصاف تفسيقية مثل: quot;يالداشرةquot; (ص 42)، وquot;يا منحلَّةquot; (ص 44)، وquot;يا حريم السوءquot; (ص 44)، وما نصَّت عليه سارة عندما قالت quot;كلاماً بذيئاً كالذي سمعته من ذلك المحقِّق الذي يجلس إلى جانبه شيخ يعتبر في عرف القانون الشَّرعي في بلادي بديل المحرم، عبارات أصعب من الحياة المرّة نفسها؛ كان يصف لي العملية الجنسية بألفاظ بذيئة، ويتكلَّم موجِّهاً حديثه إلى عضوي التناسليquot; (ص 54)، والأهم من ذلك مسخ جسدها الأُنثوي والتعرُّض له تعذيباً بوصفه جسداً شيطانياً كما يرد ذلك في النَّصوص/ المقاطع الآتية.
1. quot;ارتفع صوت رجل الهيئة، وبدأ بالصراخ، فيما انقض على رئيف أربعة من الملتحين، وخامسهم جندي ببزة عسكرية، فكتَّفوه، وسحبوه، وأنا أبكي فإذا بسادس يجرُّني من عباءتيquot; (ص 42).
2. quot;فزعتُ من هذا المشهد، وصرختُ لعل الناس تنجدنا، فهوى بيده على وجهي حتى شعرتُ بأني فقدتُ البصر!quot; (ص 43).
3. quot;ثم إنهم سحبوني في اتجاه سيارة ليموزين... جلستُ أنا على الأرض في مقاومة مني لقوَّتهم؛ فراح الرجل يجرُّني على الإسفلت حتى رأيتُ دمي يجري عليهquot; (ص 43)
4. في السيارة quot;صار الرجل يضربني طوال الطريق على جسدي في كل اتجاه، ونال رأسي النَّصيب الأكبر من الضرب حتى فقدت الوعي. صحوت بعد أن وقعت على الأرض أثناء سحبي من سيارة الليموزين التي توقَّفت في فناء منزل كبير تبين لي أنه مركز الهيئة.. أخذتُ أتلفت بحثاً عن رئيف فإذا بأحدهم يلف عباءتي على جسدي حتى عصرني بها عصراً وجرَّنيquot; (ص 44).
5. وصارت quot;قدمه الغليظة تنشب في بطني، وهكذا انهالت عليَّ الضربات واحدة تلو الأخرى في المكان نفسه..quot; (ص 45).
6. كان رجال الشُّرطة الدِّينية ورجال الهيئة.. قد طلبوا من سارة التوقيع على جرمها لكنها أبت: quot;وما أن أعلنتُ رفضي حتى شعرتُ بصفعة قوية لا أدري في أي جهة من رأسي استقرَّت!quot; (ص 46).
7. دخل وهو quot;يحمل بيده العدَّة، عصا خشبية عريضة الرأس دقيقة الساق، ملفوف عليها لاصق أسود، قامت العصا بتحيتي على أكمل وجه، والرأس بالرأس، فأسقط ضربات تلو أخرى برأسها على رأسي، وأراد أن يستمتع بيده فتارة يضربُ بالعصا وتارة أخرى بيده حتى غطَّت الدماء وجهي ولم أعد أعي ما يحصلquot; (ص 47).

على نحو إشهاري، صار أفراد quot;الشُّرطة الدِّينيةquot; ورفاقهم من الهيئة من ذوي اللحى الطويلة يكيلون لجسد سارة الأُنثوي شتى أنواع الأذى الجسدي، بل والتعذيب مع سبق الإصرار. ولو أردنا أن نقرأ هذه النُّصوص بتتابع مسار الأذى كما يظهر في النُّصوص المختارة وفي الوحدات القرائية المجدولة، لوجدنا أنه كان عشوائياً لكنه طال كل مواضع الجسد؛ الوجه، والرأس، والبطن، والأذرع، والرجلين حتى وصل الأمر إلى إراقة دماء وربما كانت الدِّماء التي تسيل عن بعض مواضع الوجه تمثِّل قسوة نافرة، وكانت عملية نشب أصابع الرجل في بطن سارة لتمثل صورة مقيتة من صور التعذيب الجسدي، في حين كانت عملية السحل والجر صورة حية لإشهار العقاب أمام الملأ.
لقد خلقت أفعال التعذيب والمسخ التي تعرَّضت لها سارة علامات جسديَّة مُهانة هي علامات التعذيب حتى صارت أرجل هذه العاشقة المغامرة مطبوعة بخدوش السحل، وصارت بطنها مركولة بأقدام خشنة، وبات وجهها نازفاً بدماء، بينما كان رأسها متورِّماً بسبب ضربات الخيزران أو العصا الشُّرطية، أما بقية مواضع الجسد فنالت من ضربات الخيزران نصيبها تورماً حتى صرنا بإزاء جسديَّة مغايرة، جسديَّة مُهانة ومعذبة ومقهورة وممسوخة.

الهوامش
ـــــ
(1) فصل من كتابنا: (الأنوثة الساردة/ قراءات في الرواية الخليجية)....
(2) سمر المقرن: نساء المنكر، رواية، دار الساقي، ط 3، بيروت، 2008.


وحدات المسخ
فعل المسخ الذكوري
علامات المسخ
يجرُّني من عباءتي
الجر، السحل
الجسد الأُنثوي المسحول
فهوى بيده على وجهي
الضرب باليد
جسديَّة وجه مصفوعا
صار الرجل يضربني طوال الطريق على جسدي في كل اتجاه، ونال رأسي النَّصيب الأكبر من الضرب
الضرب باليد
جسديَّة مركولة ومضروبة بالكامل
فإذا بأحدهم يلفُّ عباءتي على جسدي حتى عصرني بها عصراً وجرني
تطويق الجسد بالعباءة كحزام والجر باليد
جسد معصور بالعباءة ومجرور كالشاة
قدمه الغليظة تنشب في بطني
يدوس البطن بالرجل
الركل في البطن بالقدم
انهالت عليَّ الضربات واحدة تلو الأخرى
الضرب باليد
الجسد المضروب والمركول
بصفعة قوية لا أدري في أي جهة من رأسي استقرت
صفع الوجه بالكف
وجه مصفوع ورأس مصفوع
قامت العصا بتحيتي على أكمل وجه
الضرب بالعصا/ الخيزران
جسد مضروب بعصا
فتارة يضربُ بالعصا وتارة بيده حتى غطَّت الدماء وجهي
الضرب باليد والعصا
الوجه الدامي
جدول رقم (2) وحدات وأفعال وعلامات المسخ الجسدي