bull;تمثل الصحراء كونا وجدانيا للخليجي والوافدون العرب صوروها بشكل ضدي.
bull;quot;نجران تحت الصفرquot; وquot;براري الحمىquot; وquot;مسك الغزالquot; وquot;البلدة الأخرىquot; قدمت الصورة السلبية
bull;الكتابات التقليدية والقصائد العمودية حفلت بالصور الإيجابية خاصة التراثية والمقدسة

عبدالله السمطي من الرياض: لعل من أشهر الروايات التي تتحدث عن العلاقة بين العالم العربي والغرب رواية الطيب صالح:quot; موسم الهجرة إلى الشمالquot; حيث البطل المهاجر من الشرق الذي يواجه بعالم آخر مختلف ضد عاداته وتقاليده وقيمه، فينكسر حينا ويعلو حينا آخر لكنه يظل مترددا بين الموقفين.. في هذه المنطقة تقف الرواية التي سبقتها روايات كثيرة تتحدث عن هذا الوعي الجدلي بين الشرق والغرب من خلال أبطال الروايات أو أحداثها، مثل رواية:quot; عصفور من الشرق quot; لتوفيق الحكيم، أو:quot; قنديل أم هاشمquot; للمبدع يحيى حقي، أو تلتها روايات متعددة للطاهر وطار، ومحمد شكري، وإدوار الخراط، ورؤوف مسعد، وجميل عطية إبراهيم حتى علاء الأسواني وغيرهم.
هذه العلاقة الأدبية كانت تشكل نوعا من الهجرة الحقيقية أو المتخيلة لمؤلفي هذه الروايات إلى الغرب.. والهجرة هنا هجرة مشروعة قد تتعلق بالابتعاث أو الدراسة أو العمل، وتصورا العلاقة بين عالمين متناقضين، بين عالم شرقي محافظ وعالم غربي متقدم إلى أبعد مدى معرفيا وعلميا واجتماعيا وإنسانيا.. وهنا لابد من أن تحدث المفارقة التي لعب على أوتارها الروائيون الذين صوروا شكل هذه العلاقة.
هي هجرة معلومة ومشروعة، بيد أن العالم العربي شهد هجرة من نوع آخر.. هي الهجرة إلى داخل العالم العربي نفسه، من البلاد العريقة ثقافيا واجتماعيا كمصر وسورية والأردن وفلسطين المحتلة والسودان ودول المغرب العربي إلى البلاد الأكثر محافظة، والأكثر بكارة، إلى بلاد النفط والدولار 0 كما تشير أدبيات الكتاب ) أو بلاد الخليج.. هذه المجتمعات النامية حثيثا، والتي شهدت تطورا اقتصاديا جاذبا شمل جميع مجالات الحياة، بفعل العائدات الضخمة للنفط، وبفعل التوجه العام الذي يسعى لأن يشمل الإنسان في صيغته المعرفية أيضا انفتاحا وتواصلا مع العالم.
الهجرة الجديدة هي هجرة إلى نقيض الآخر، فإذا كان الآخر يمتلك العلم والتقنية والتقدم المعرفي والبشري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فإن الآخر ( العربي ndash; الخليجي) لا يمتلك هذه المقومات نفسها، بل يمتلك نقيض الآخر: المحافظة، الأصالة، براءة الأفكار وطفولتها.
ومن وجهة اقتصادية محض توجه بعض المبدعين والكتاب العرب للعمل في منطقة الخليج، وقد توجه أكثرهم إلى بعض البلدان الخليجية التي توصف بالانفتاح خاصة في الكويت والبحرين والإمارات وقطر، وبعضهم توجه للعمل في عمان والسعودية.. وبإضافة العامل الديني إلى العامل الاقتصادي حظيت السعودية بحضور كثيف من قبل الكتاب والمبدعين العرب للعمل بها في مجالات التعليم والتدريس، والمجالات الإدارية والفنية، وفي المكتبات، وفي الأكاديميات المختلفة.
وتشمل قائمة الأدباء العرب الذين عملوا بالخليج عددا كبيرا وأكثرهم من مصر: سعيد الكفراوي، إبراهيم عبدالمجيد، رجاء النقاش، محمد عبدالسلام العمري، محمد إبراهيم أبو سنة، عبدالقادر القط، لطفي عبدالبديع، أحمد كمال زكي، محمد عبدالمطلب، صلاح فضل، جابر عصفور، حسن طلب، حسن توفيق، علي منصور، محمد عيد إبراهيم، عبدالمنعم عواد يوسف، مختار عيسى، أشرف أبو اليزيد، محمد المنسي قنديل، أبو المعاطي أبو النجا، محمد المخزنجي، يوسف الشاروني، رمضان بسطاويسي، مجدي توفيق، حلمي القاعود، حامد أبو أحمد، عادل ضرغام، خالد الأنشاصي، كما تشمل: راشد عيسى، إبراهيم نصرالله، حنان الشيخ، ويحيى يخلف، ونذير العظمة، وحسين الواد، ومحمد القاضي، وإبراهيم إغلان، ومحمد صالح الشنطي، وحسين المناصرة وآخرون.
ويمكن رصد عشرات الأسماء الأدبية والنقدية الذين عملوا بالخليج، وقد كتب المبدعون منهم روايات وقصصا قصيرة وقصائد شعرية تعبر عن هذه الحياة الجديدة التي عاشوها، وعلى الرغم من استمتاعهم بهذه الحياة خاصة المادية منها، وتشكيل علاقات واتصالات إيجابية مع أدباء ومثقفي المنطقة، وإقامتهم بهذه البلاد فترات طويلة قد تتجاوز أحيانا العشرين عاما، إلا أن هذه الكتابات خاصة الإبداعية منها لم تكن بالصورة الإيجابية نفسها التي عاشوها على المستوى الشخصي، وإن شكلت الكتابات النقدية والصحفية صورة أخرى تناقض تماما الكتابات الإبداعية، من ناحية الكتابة عن مختلف الاتجاهات الأدبية في بلدان الخليج العربي على اعتبار أن المنتج الأدبي والثقافي في منطقة الخليج منتج بكر، لم يكن له إسهامات في تحولات الحياة الإبداعية العربية، وشكل عنصر جذب لكتابات نقدية عربية باعتباره أيضا يشكل نموذجا للأصداء والمدارس الفنية والجمالية التي نشأت في المراكز الثقافية العربية، كما أن الصحافة الأدبية الخليجية فتحت صفحاتها وملاحقها ومنابرها الأدبية لهؤلاء الوافدين من الكتاب والمثقفين العرب.

صورة الصحراء:
تشكل الصحراء جانبا مهما في حياة العربي الخليجي، وقد أبدع في توصيفها شعرا ونثرا، والنموذج السعودي هنا هو الطاغي في قراءة الصحراء، وفي الشعر السعودي عشرات القصائد والروايات التي تمتدح الصحراء، بل إن عناوين دواوين وكتب مهمة في الثقافة السعودية تحمل مفردة الصحراء، مثل: من وحي الصحراء، وثقافة الصحراء و عبير الصحراء، وقصائد من الصحراء... إلخ.
بيد أن هذه الصحراء ينظر إليها نظرة سلبية من جانب العربي الوافد كما يصور ذلك الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة في ديوانه:quot; رقصات نيليةquot; الذي يحفل بمفردات الصحراء والرمل والكثبان والمدن الرملية.
وهذه النظرة نجدها في ديوان الشاعر حسن طلب:quot; زمان الزبرجدquot; خاصة قصيدته الشهيرة:quot; زبرجدة الخازبازquot; التي لا ينتقد فيها الصحراء فحسب بل ينتقد فيها التاريخ العربي المأساوي كله:

لابد من شئ لهذا الكائن الرعوي
هل يتقمص الصحراء كي تسعى لواحته الجداية؟
أم يقلد رقصة اليعسوب؟
يصرخ كي يحس بأنه مازال حيا ً
أو تحس به الدواجن؟!
هل يصرح بالذي يخشاه من مأساته
أم يكتفي ببلاغة الإيعاز؟

ما لم يكن سيكون كان
فكيف يمكن أن يواجه ذلك الوضع المعاصر؟
يختفي عن كل عين خلف شوك القنفذ البري
أو درق السلاحف؟
يستعير من النعامة رأسها
ومن القرلي قلبه؟
أم يستقل جناح باز؟!

ومع هذه الصورة السلبية، فإن الكتابات التقليدية والقصيدة العمودية حملت صورا إيجابية تتعلق بتصوير المدن، أو باستلهام التراث، أو بالتعبير عن الأماكن المقدسة في مكة والمدينة.

روايات ناقدة:
من أبرز الروايات التي كتبت عن السعودية وكتبها عرب وافدون روايات:quot; نجران تحت الصفرquot; للفلسطيني يحيى يخلف، وquot; براري الحمىquot; للأردني ndash; الفلسطيني إبراهيم نصرالله، وquot; مسك الغزالquot; للبنانية حنان الشيخ، وquot; البلدة الأخرىquot; للمصري إبراهيم عبدالمجيد، وهي روايات ممنوعة من التداول سعوديا، على الرغم من أن قراءة المجتمعات روائيا تأتي في مجال التخييل والمجاز أحيانا، ويمكن استثمارها في إطار حواري أوسع للتعبير عن التحولات السسيوثقافية بالمجتمعات العربية.
ينتقد يحيى يخلف الذي أصدر روايته:quot;نجران تحت الصفر quot; في العام 1977 الحياة الرتيبة الغامضة الغاضبة المتحفظة جدا في نجران جنوب السعودية، وهو يكتب مشاهده الوصفية المتنوعة بادءا بمشهد مأساوي يتمثل في ذبح quot; الياميquot; في ميدان عام يشهده الجميع، ثم يعود لنقل رتابة الحياة مرة أخرى:
quot; العسس يذرعون الشارع ويتبخترون أمام عربات الباعة، محلات عديدة مغلقة وثمة عمال من البلدية يشعلون الفوانيس المعلقة عند المنعطفات.
أولاد الحصري أغلقوا مطعهم والمستر يشتري رز أبو بنادق من دكان الغامدي، والمطاوعة الذين خرجوا من صلاة العشاء يقضمون أطراف المساويك بأسنانهم
ورأفت العدني بائع الفلافل أطفأ البريموس وجلس أمام دكانه مطرقا بلا حراك
وثمة رائحة لمحروقات فضلات معسكر الحرس الوطني تختلط برائحة دخان الشيشة في مقهى أبو رمش..
زفر أبو شنان.. كان يشعر بثقل يجثم في صدرة ويتسرب مع جرعات الشاهي الأسود إلى عروقه، إتكأ على المقعد الذي يشبه الأريكة وتناول مبسم الشيشة وأخذ يقرقر..
يابو شنان لن يملأ رأسك سوى سطل.. سطل من عرق البصرة.
شهر كامل مر على ذبح اليامي وكل شئ يعود إلى طبيعته..
يتبادل الناس أماكنهم في مقهى أبو رمش ويظل إبن عناق يحمل صواني الشاهي المنعنع والنراجيل إلى الزبائن
وتأكل نسمات منتصف الليل العيون وينام الرجال إلى جانب نسائهم والعسس لا ينامون
ومن المذياع بدأ أبو بكر سالم بالفقيه يشدو بأغنية يادوب مرت علي.. أربع وعشرين ساعة.. ضاع الهوى ياخسارة ضاع quot;.
الأمر نفسه نجده في الروايات التالية: براري الحمى، ومسك الغزال، والبلدة الأخرى حيث تعتمد هذه الروايات بالأساس البنى الوصفية في التقاط مشاهدها عن طبيعة الحياة في بعض مناطق السعودية، وتتخذ شخصية الرقيب الديني:quot; المطوعquot; البعد السلبي الأكبر الذي يرمز إلى طبيعة هذه الحياة في المجتمع المحافظ.
كما أثارت قصة قصيرة للكاتب محمد عبدالسلام العمري بعنوان:quot; بعد صلاة الجمعةquot; تنتقد مواقف بعض المطوعين، أو الشرطة الدينية، جدلا كبيرا في المشهد الثقافي، وصل إلى حد انتقاد الشيخ محمد الغزالي لها بعد نشرها بصحيفة الأهرام في العام 1995.
لقد صدرت هذه الروايات السابقة خلال الفترة ما بين 1977-1995 وهذه الفترة شهدت أحداثا مهمة في السعودية مثل: الطفرة، والمد الصحوي، والصراع بين السلفية والحداثة، ولم تشهد نقلة كبرى على مستوى الحياة الاجتماعية إلا في بعدها المادي الاقتصادي، حتى جاءت لحظات تغير الوعي بشكل نسبي، هذا التغير الذي أبرزته حرب الخليج الثانية ( 1990-1991) وهي حرب أثرت بشكل ما في تغيير نمط الوعي الاجتماعي والثقافي وضرورة الانفتاح على العالم، والتفكير الإيجابي في القضايا العربية والدولية.. بيد أن هذا الانفتاح لم يؤت ثماره بشكل حقيقي إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والذي جاء بشكل غير مسبوق تظهر آثاره في الحرية الإعلامية، والاتجاه إلى مؤسسات المجتمع المدني والدخول إلى عصر الدولة المنفتحة ثقافيا ومعرفيا واقتصاديا وربما قريبا اجتماعيا.