إعداد عبدالاله مجيد: تُعرض على مسرح اوليفييه في لندن ولغاية 14 تشرين الأول/ اكتوبر مسرحية quot;موت دانتونquot;. وهذا هو الانتاج الثالث في تاريخ المسرح الوطني البريطاني لرائعة الكاتب الألماني كارل جورج بوكنر الذي كتبها عام 1835 حين كان شابا في الحادي والعشرين. وكان بوكنر بدأ كتابة عمله المسرحي الأول في اواخر 1834 وانجز المسودة الأولى من النص الكامل في غضون خمسة اسابيع خلال عام 1835.

تقتفي المسرحية حياة جورج دانتون خلال فترة الهدوء التي شهدتها الثورة الفرنسية قبل ان تعود الى شحذ المقصلة من جديد.

كان دانتون مؤسس محكمة الثورة لتكون يد الثورة الضاربة ولكنه في غضون اشهر ادرك ان استحداث مثل هذه الآلة الرهيبة كان خطأ فادحا وكافح من اجل تفكيكها. ولكن روبسبير منعه واستخدم المحكمة لتصفية دانتون وكل المعارضين وتوطيد سلطته. وفي النهاية لحق روبسير ضحيته الى المقصلة. وقال شهود ان دانتون مات بشجاعة امضى اللحظات الأخيرة من حياته في مواساة ابرياء آخرين أُعدموا معه وشد أزرهم في الطريق الى المقصلة.

عمل بوكنر يرسم صورة مجتمع في ثورة انطلاقا من فكرة مؤداها quot;ان الفرد مجرد زَبَد يطفو على الموجةquot;، وهو يربط فوضى الشوارع في زمن الهياج بالبطش السياسي الشامل ولا جدوى التطرف في نهاية المطاف. ويلاحظ الناقد الفني مايكل بيلنغتون ان نص بوكنر باستبعاده عامة الشعب يضعف النسيج الدرامي ويحول العمل الى دراسة في تشريح الشخصيات. وفيها يقف دانتون الحسي الذي يطارده الموت والسلبي على نحو غير مفهوم، في مواجهة روبسبير المكبوت، الخائف من الحياة والناشط بلا هوادة أو ضمير. وهذا عنصر حيوي في مسرحية بوكنر ولكن التركيز عليه حصرا يُسقط القضية الأكبر، وهي الاثنين كانا ايضا دمى يحركها التاريخ.

الانتاج الجديد يسلط الضوء بذكاء على جوانب نفسية في ابطال المسرحية، وابرز ما يحققه هذا التناول هو تصوير روبسبير على انه شخصية مأساوية، رجل يخفي اخفاقاته الشخصية تحت قناع من الحماسة الجماهيرية. وبدلا من المتعصب المعهود ذي العينين الفولاذيتين نرى رجلا يجفل تلقائيا كلما لامسه دانتون الذي يدرك تفرده ويقنع نفسه بأنه يصنع ثورة اخلاقية الى جانب تفجير ثورة اجتماعية. وعندما يصرخ quot;ان الرذيلة يجب ان تُعاقب والفضيلة ان تسود من خلال الارهابquot; تبدو صرخته ستارا يموه شعوره بانعدام الأمان.

ينجح الانتاج الجديد لمسرحية بوكنر في الكشف عن التناقض المركزي في شخصية دانتون بين محاولته ان يتحدى الموت واستسلامه له. فهو يحمل على محكمة الثورة تارة بسبب تجاوزاتها الدموية ويجادل تارة بأن الحياة عبء. كما يسلط الانتاج الجديد ضوء ساطعا على شعور دانتون بالذنب لدوره في مجزرة ايلول/سبتمبر عام 1792. ورغم تجسيد اللابطل في شخصية دانتون فان قامته تبقى عالية تعيد التذكير بوصف مؤرخ الثورة الفرنسية الاسكتلندي توماس كارلايل الذي سمى دانتون quot;عملاق الثورةquot;.

يقوم الممثل توبي ستيفينز بدور دانتون والممثل اليوت ليفي بدور روبسبير كما يجدر التنويه بأداء الممثل اليك نيومان في دور سان جوست الذي يبرز بوصفه رأس حربة الارهاب.