اعداد عبدالاله مجيد: توفي الكاتب والناقد والصحفي البريطاني كريستوفر هيتشينز عن 62 عاما بعد صراع مع سرطان المريء. وأُعلنت وفاته إثر اصابته بالتهاب رئوي كان من مضاعفات السرطان في مستشفى بولاية تكساس. وإذ كان هيتشينز سجاليا مثيرا للجدل في حياته فانه تمكن من توحيد العالم في مماته باتفاق الأصدقاء والأعداء على الاحتفاء بفكره الجريء وسرعة خاطره ونثره المتألق.
وكتب شقيقه بيتر معترفا بشجاعة هيتشينز الذي دام خصامه معه عشر سنوات منذ 2001 قائلا ان هيتشينز ظل يتحلى بالشجاعة حتى النهاية quot;وإذا كنتُ في احيان كثيرة اختلف مع الأغراض التي كان يوظف هذه الشجاعة من أجلها فاني لم أشك ذات يوم بشجاعته أو توقفت عن الاعجاب بهاquot;.
ونعاه الكاتب سلمان رشدي بالقول ان صوتا عظيما صمت وقلبا كبيرا توقف. واعتبره ريتشارد دوكنز quot;مناضلا عنيدا ضد كل الطغاة بمن فيهم الطغاة الخارقون للطبيعة، الوهميونquot;. وقال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي هزمه هيتشينز في مناظرة عامة حول الدين أواخر العام الماضي انه كان quot;لا يعرف الخوف في بحثه عن الحقيقةquot;. واشاد غرايدون كارتر رئيس تحرير مجلة فانتي فير به قائلا انه حاد الذكاء مثابرته على الكتابة لا تقل عن نشاطه في الحانة في اشارة الى افراط هيتشينز في تعاطي الكحول.

quot;الفناءquot; الجزء الأخير من مذكرات كريستوفر هيتشينز سيصدر قريبا

ومنذ تشخيص اصابة هيتشينز بسرطان المريء في حزيران/يونيو عام 2010 جاءت ردود افعال خصومه الفكريين ، من الشماتة السافرة الى الدعاء له بالشفاء ، مؤكدة مكانته مدافعا كبيرا عن العلمانية منذ صدور كتابه السجالي مع الدين quot;الله ليس أكبرquot; في عام 2007. وبعدما أمضى هيتشينز حياته quot;حارقا الشمعة من طرفيهاquot; قال عن مرضه انه quot;متوقع ومبتذل حتى انه يصيبني أنا نفسي بالمللquot;، وهي شهادة على حس النكتة اللاذع لديه وصفاء تفكيره في أحلك الأوقات.
ولد هيتشينز عام 1949 وأُرسل الى مدرسة داخلية بريطانية في الثامنة من العمر بعدما قررت والدته أن يكون ابنها quot;من ابناء الطبقة الراقية إن وجدت في هذا البلدquot;. ولاحقه قرار والدته الى جامعة اوكسفورد حيث اعترف بالعيش حياة مزدوجة كحليف للطبقة العاملة وضيف في حفلات الكوكتيل التي كان يلتقي فيها علية الطبقة البورجوازية كند لهم.
بعد تخرجه في عام 1970 استقبلته الصحافة البريطانية بالأحضان. انضم إلى تيارquot;الاشتراكيةالأمميةquot; (الجناح التروتسكي المنشق عن الأممية الرابعة)،وانضم الى صديقه جيمس فينتون في مجلة نيو ستيتسمان. وبدأ صداقة دامت عمرا مع مارتن ايمس وسرعان ما ذاع صيته بوصفه معلقا يساريا سليط اللسان من اهداف نقده المفضلة الكنيسة الكاثوليكية والحرب الفيتنامية وهنري كيسنغر الذين مسح بهم الأرض في مقالات وتقارير وتعليقات لمَّاحة.
قاده قراره أن يمضي بعض الوقت مرة على الأقل سنويا في بلد quot;لم يكن محظوظاquot; كبلده، الى ان يكون شاهدا على ثورة البرتغال وبولندا وثورات مضادة ايضا كما في الاجنتين. وبعد انتحار أمه في اثينا كتب عن سقوط الطغمة العسكرية الحاكمة في اليونان عام 1973.
أعقبت ذلك رحلات الى رومانيا ونيكاراغوا وماليزيا وزار العراق عام 2007 واوغندا عام 2007 وفنزويلا عام 2008.
انتقل هيتشينز الى نيويورك التي وجد فيها مهربا من تناقضات النظام الطبقي البريطاني حين تلقى عرضا تلقفه على الفور من صحيفة quot;ذي نيشنquot; الاميركية اليسارية في عام 1981. ثم عمل كاتب عمود في مجلة فانتي فير وموقع سليت دوت كوم. ونال الجنسية الاميركية عام 2007.
كان تأييد حرب العراق من مواقف هيتشينز التي لم تلق ارتياحا في اوساط اليسار، وأدت الى فتور في علاقته مع غور فيدال. ولكن مناهضة هيتشينز لما سماه quot;فاشية بوجه اسلاميquot; بدأت قبل فترة طويلة على اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر ، مع الفتوى التي أصدرها آية الله الخميني بهدر دم صديقه سلمان رشدي متهما مرشد الثورة الاسلامية الايرانية باستخدام الدين quot;للقتل مقابل أجرquot; بعد نشر رواية الآيات الشيطانية.
وأسهمت معركة هيتشينز مع الدين في صعود نجمه وخاصة في وطنه الثاني الولايات المتحدة بعد نشر quot;الله ليس أكبرquot; الذي زادت مبيعاته على 500 الف نسخة. وفيه جادل هيتشينز بأن الدين النظامي quot;عنيف، لاعقلاني، لا متسامح، متحالف مع العنصرية والقبلية والتعصب، راسخ في الجهالة ومعاد لحرية البحث، يزدري المرأة ويمارس الاكراه مع الطفلquot;، وذهب الى ان الدين طائفي ايضا وبالتالي فان ضمير الدين ينبغي ان يكون مثقلا بالآثام. ويسند هيتشينز موقفه من الدين بخليط من الحكايات الشخصية والأقوال التاريخية الموثقة والتحليل النقدي للنصوص المقدسة. ويركز هيتشينز سهام نقده على الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى ولكنه لا يوفر الديانات الأخرى مثل الهندوسية والبوذية.

وسخر هيتشينز من الرأي الذي عدَّه quot;مهيناquot; بأن مرض السرطان قد يقنعه بتغيير موقفه. ودعا الذين تبرعوا للصلاة من أجله وطلب المغفرة له quot;ألا يزعجوا السماء الطرشاء بصرخاتهم العقيمةquot;.
كتب هيتشينز في مذكراته التي نشرها عام 2010 نابذا طروحاته quot;التبسيطيةquot; ايام شبابه لصالح الرأي القائل بأن quot;اليقين الوحيد المطلق هو عدم وجود يقينياتquot;. وتابع انه لا يريد ان يعيش حياته من جديد لأسباب منها ان المرء لا يمكن ان يولد وهو يعرف اشياء كهذه بل عليه ان يكتشفها حتى وإن بدت بديهية.