إيلاف ndash; بيروت: روايتان تتناولان موضوع الهجرة إلى أوروبا، بمعالجتَين مختلفتَين، صدرتا لدى quot;دار الغاوونquot;: الأولى quot;بيت النخيلquot; للروائي السوداني طارق الطيب، والثانية quot;لم أرَ الشلالات من أعلىquot; للروائي المغربي محمد ميلود غرافي.

بيت النخيل
من سودان محطم بفعل الحروب والفتن يخرج بطل رواية طارق الطيب (مواليد 1959) إلى مصر، ومنها إلى فيينا، ليتبنّى قطة مشرّدة مثله، وذاكرة أليمة ترسم له خطواته وحياته المقبلة هناك. وفي الوقت الذي يروي فيه حكايته لصديقته النمساوية الجديدة، يروي حكاية السودان من خلال حكاية قرية ود النار التي ليس لها مكان على أي خريطة.
من أجواء الرواية:
quot;أردنا أن نُفهِم هؤلاء المُبشِّرين أن لنا أدياناً ومعتقدات أقدم نؤمن بها؛ فاستخفّوا بمعتقداتنا. قالوا إنه ليس هناك إلاّ الدين الحق والانتماء الأزلي ليسوع المسيح. علّقوا صلبانهم في كلّ مكان وحفّظوا أطفالنا أغانيهم الكنسيّة بلغاتهم الأوروبية. جرّوا الناس إلى دين آخر جديد. أغروهم بالمنح والهدايا والملابس والعلاج والجنة الموعودة وكرَّهونا في أصحاب الأديان الأخرى. كان كلّ همّهم أن يعلّمونا طقوس الصلوات الجديدة واللبس الجديد. الآن يحضرون لنا مع الأناجيل فانلات عليها إعلانات ودعاية لشركات لا نعرفها. صرنا نمشي على الأرض كإعلانات رخيصة متحرّكة. أحضروا لنا البنطلونات اﻟﭽينز والبرانيط والقبّعات. وصرنا كما ترى، نلبس اﻟﭽﻴﻨز ونصفنا الأعلى عارٍ أو نلبس أحذية أوروبية غريبة على ملابس وجلود من صنعنا. ثم بنوا لنا أربعاً وعشرين كنيسة في السنوات الثلاثين الماضية. لم يبنوا لنا داراً واحدة للعبادة كما نريد نحن. يأتي البعض منهم كلّ عام مع مصوّرين وتلفزيونات ويوزّعون بعض الملابس والحلوى وكميّة خُرافية من الصلبان. يجمعون حولهم الأطفال ويبتسمون للكاميرات ولا نعرف ماذا يفعلون بالضبط. يعتقدون بأنّهم يعرفون الدنيا أفضل منّا، ويعرفون أرضنا وتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا، ويعتقدون اعتقاداً جازماً بأنّهم يفهمون الدين أفضل منّا. يتوهّمون أن بنا نقصاً وأن علينا أن نقلّد حياتهم هم. ونحن لا نرى أهلهم إلا عابسين قانطين كارهين الدنيا شاعرين دائماً بقلّة ما يملكون وخائفين على حياتهم ومن مماتهم. وأتانا المخبولون المتعصّبون من أهل الشمال راغبين في أن ندخل في دينهم. أردنا من جديد أن نُفهمهم أنّ لنا أدياناً ومعتقدات وآلهة أقدم نؤمن بها. استخفّوا بمعتقداتنا واعتبروها ضرباً من الجاهلية والتخلّف، واعتبروا أن ما نعبد من الطبيعة وثن. قالوا ليس هناك إلا الدين الحقّ والانتماء الأزلي إلى مُحمَّد والإسلام. جرّوا الناس إلى دين آخر جديد، أغروهم بالمناصب والجنّة الموعودة وكرّهونا في أصحاب الأديان الأخرى. ما زال هؤلاء يحاولون أسلمة الجنوب والآخرون يحاولون مَسحَنة الجنوب؛ فغيّر بعض الناس عندنا ملابسهم وجلودهم ومعتقداتهم. اختلف الناس باختلاف العقائد وتصارعوا على الوصول الأسرع إلى الجنّة. أسلمت أخت هنا وتنصّرت أختها ودخلتا في نزاع روحي وعائلي لم ننل منه إلا التمزّق. هذا يريد أن يراها سافرة وذاك يريد أن يراها محجّبة. هذا يتمنى أن يرى في يدها الإنجيل وفي عنقها الصليب وذاك يريد أن يرى في يدها المصحف ويسمع من لسانها الآيات. وكل ما أتمنّاه يا ولدي ألاّ يظهر النفط عندنا يوماً ما؛ فمعه ستكون حتماً نهايتنا!quot;.
وجدير بالذكر أن quot;دار الغاوونquot; كانت قد أصدرت لطارق الطيب ديوان quot;بعنا الأرض وفرحنا بالغبارquot; في العام الفائت.

لم أرَ الشلالات من أعلى
هي الرواية الأولى للمغربي محمد ميلود غرافي (مواليد 1966). ورغم أن غرافي هو شاعر في الأصل حيث كان قد أصدر ديوانَين: quot;حرائق العشقquot; (2002) وquot;أمضغُها علكاً أسودَquot; (2009)، إلا أن ذلك لم يُؤثر على بنية السرد، بل على العكس تماماً، فنحن نجد أنفسنا أمام رواية متماسكة محترفة، خالية من البلاغة والإطناب الشعريين اللذين غالباً ما يصبغان روايات الشعراء، ومنحازة إلى واقعية السرد وزمنه... عبر لعبة مرايا بارعة بين زمنَين وبلدين (فرنسا والمغرب) تبادل مواطنوهما الأدوار ما بين مستعمرين ومهاجرين.
من أجواء الرواية:
quot;عمّي الناجم يقول لي: احذر من هذا الهبش! والحقيقة أنني كنت لا ألقى من الجميع سوى الاحترام والود. بينهم محند أمقران. جزائري في الستين من عمره. جاء من القبائل العليا كما يحلو له دائماً أن يقول ولم يضع قدمَيه في البلد منذ أزيد من عشرين سنة. لا يعرف إلا بعض الكلمات بالعربية. طلب مني أن أمدَّه بالزيت في المطبخ: عندي الضعيف. يقصد الضيف. قلت له لا تُجهد نفسك يا أمقران. تحدَّثْ معي بالأمازيغية. فابتهج وصار يأخذ مني وقتاً كثيراً وهو يعيد عليَّ بالأمازيغية دائماً الكلام نفسه عن الجزائر والحرب وفرنسا... يدخل مطبخنا المشترَك بقنينات البيرة. يشربها صامتاً ووحيداً ويخرج منه إلى البار ليلاً. في أحد أيام رمضان خرج علينا بفوقية بيضاء. قال إنه قد تاب. طوال شهر رمضان كله وهو يعبر الجناح جيئة وذهاباً ويسأل كل من صادفه عن مواقيت الصلاة. غضب عمّي الناجم بسبب تكراره السؤال نفسه وقال له إن ثوابه إثمٌ لأن فيه إزعاجاً لجميع الساكنة. نصحتُه أن ينظر إلى الساعة الحائطية الكبيرة في زاوية المطبخ ليعرف مواقيت الصلاة. قال إنه لا يعرف كيف تمشي عقارب الساعة. أدهشني ذلك وقصصته على عمّي. قال: أنت الذي لا تعرف. اختلطت على أمقران عقارب الساعة وأوقات الصلاة فعاد إلى البار. جاءنا من غرفته صوتُ امرأة تتأوّه طويلاً وبشدّة. نظر إليّ عمّي الناجم وقال مستنكراً: هذا ما يعرفش للساعة؟!quot;.

لزيارة موقع دار الغاوون
http://alghawoon.com/mag/books.php