تستطلع إيلاف آراء كتّاب ومثقفين حول احتمال وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر، وتسأل عن سيناريوهات الحكم الأكثر تفاؤلاً وتلك الأكثر تشاؤمًا في حال تحقق ذلك.


القاهرة: شهدت مصر منذ انطلاق ثورة 25 يناير وحتى الآن مؤشرات كثيرة تكشف عن أن الإسلاميين، سواء الإخوان المسلمين أو السلفيين أو الجماعة الإسلامية أو غيرهم، قد يسيطرون على الحكم في مصر عبر انتخابات مجلسي الشعب والشورى وحتى تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس.

أبرز هذه المؤشرات عملهم في الشارع المصري عبر المؤتمرات والندوات التي تجوب المدن والقرى والنجوع وتحالفاتهم مع القوى السياسية، التي ترى فيهم قوة لا يستهان بها، ومع المجلس العسكري الحاكم الآن، على الرغم من نفيه ذلك، فضلاً عن تصريحاتهم وشعاراتهم، التي أثارت جدلاً واسعًا منذ انطلاق الثورة.

من هنا كان هذا الاستطلاع، الذي يأتي في حلقتين، وافترض وصولهم إلى الحكم، وطرح على الكتاب والمثقفين: ما هو التصور الذي يمكن أن تضع ملامحه لشكل حكمهم وتطبيقه على مصر وشعبها؟ ما سيناريو الحكم الأكثر تفاؤلاً والأكثر تشاؤمًا إذا جاز ذلك؟.

أشد فتكًا من زبانية الداخلية
يقول الشاعر أحمد الشهاوي: أولا لن يصل الإسلاميون إلى الحكم، فلن ترضى مصر quot;العسكرquot; ولا أميركا الداعم للعسكر ولا الغرب أن تكون مصر دولة يحكمها المتأسلمون من الإخوان المنتفعون، لكن الأخوان المسلمين سيحققون quot;صورة مشرفةquot; لهم في البرلمان، وكذا في النقابات، وهذا ما أخشاه.

فبعدد 88 عضوًا في البرلمان فعلوا الكثير تحت قبة البرلمان، وكانمعظم فعلهم شكليًا يستجلب الدعاية والشهرة، ويبحث عن الضجيج الإعلامي، مثل الاعتراض على ملابس راقصة، أو فيلم أو مسلسل أو ديوان شعر أو رواية، وتجربتي الشخصية معهم quot; الإخوان المسلمينquot;، تؤكد أنهم يتمتعون بجهل لا نظير له، لا يقرءون ولا يحبون الكتابة والإبداع، ولذا هم ضد الفن والثقافة، ولا تصدق أقوالهم الآن، فهي من قبيل الدعاية الانتخابية الكاذبة ومغازلة الغرب، وطمأنته إلى أنهم مستنيرون ومع حرية الإبداع والكتابة.

وأضاف الشهاوي: لقد تعاملت مع عدد من القيادات الإخوانية من قريب، ومنهم من هو مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، فقد كال لي أفظع السباب وأكثر الشتائم انحطاطًا، اعتراضًا على كتابي الوصايا في عشق النساء، أقول لك إنهم أشد فتكًا من زبانية الداخلية المصرية، الذين عذبوهم في السجون وأقسام الشرطة، ولو وصلوا إلى سدة الحكم فسيفعلون ما هو أنكى وأشد، هل يحق لي الآن أن أسأل كبيرهم، هل جماعة الإخوان المسلمين خرج من تنظيمها شاعر أو كاتب أو روائي أو موسيقار أو فنان تشكيلي أو أي مبدع خلاق؟ إنهم فقط مبدعون في الالتفاف والتقلب والتحايل والمناورة والشر.

وحول كون ذلك يمثل سجنًا كبيرًا لقمع الحريات، أكد الشهاوي: هم قامعون بالفطرة وتربوا على ذلك، ولهم جناح مدرب على فعل ما لا يتخيله المصريون الطيبون، لا يعرفون فضيلة الاختلاف في الرأي، ولا يعرفون الإسلام حق المعرفة، لكنهم دومًا يربحون بأساليب ضد الشرف والأخلاق وضد الدين، وأتوقع بعد احتلال عدد منهم أماكن في البرلمان المقبل أن تكون هناك رقابة مشددة على الإبداع في مصر، تكون أكثر شدة وتطرفًا مما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من يناير، وأن يعود مجمع البحوث الإسلامية بتقاريره المكفرة أكثر إرهابًا وهتكًا وضربًا لحرية الإبداع.

النموذجان التركي والباكستاني
أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس د.عصام عبد الله رأى أن زيارة رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا إلى مصر، والانقلاب المفاجئ على الرجل من الإسلاميين وحمى التصريحات المتناقضة التي صاحبت هذه الزيارة، حسمت معظم التكهنات والسيناريوهات التي أعدت سلفًا لسيطرة الإسلاميين على حكم مصر، ناهيك عن شكله ومضمونه وآلياته.

وقال: السيناريو الأكثر تفاؤلاً لمصر تمثل في استلهام quot;النموذج التركيquot; والإلحاح عليه كنموذج quot;للإسلام الحداثيquot;. أما السيناريو الأكثر تشاؤمًا فهو تطبيق النموذج الباكستاني quot;الإسلام الراديكاليquot; بعد صبغه بالصبغة المصرية quot;الإخوانيةquot;.

الدكتور محمد سعد الكتتاني أمين عام حزب الحرية والعدالة (الإخواني) أعلن صراحة، رفض الإخوان المسلمين تكرار تجربة quot;النموذج التركيquot; في مصر، التي تسمح للجيش quot;المجلس العسكري الحاكمquot; بالتدخل في شؤون السياسة.

وأضاف د.عصام quot;الصدمة التي صاحبت تصريحات أردوغان أثناء زيارته الأخيرة لمصر، عن ضرورة مضاهاة دستور تركيا quot;العلمانيquot; الذي لا يتعارض مع الإسلام، كشفت عن عمق الأزمة ومدي تغلغل الفهم الرجعي والبدائي جدًا للإسلام في قطاعات كبيرة جدًا من الشعب المصري.

وكالة quot;رويترزquot; ذكرت بالحرف الواحد quot;أن الأخوان المسلمين في مصر بعدما لقبوا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بـquot;خليفة المسلمينquot;، وهتفوا: quot;أردوغان أردوغان.. تحية كبيرة من الإخوانquot; انقلبوا عليه، وأوردت على لسان الدكتور عصام العريان تحذيرًا شديد اللهجة: quot;الأخوان المسلمون يحذرون تركيا من السعي إلى الهيمنة على المنطقةquot;.

وتساءل ما الفرق إذًا بين النموذجين quot;التركيquot; وquot;الباكستانيquot;؟. وقال quot;في النموذج الأول تحمي المؤسسة العسكرية quot;علمانية الدولةquot;، التي تتسع فيها المواطنة للجميع على أسس فكرة المساواة في الحقوق والواجبات، وبالتالي فهي لا تمنع حزبًا إسلاميًا من حكم البلاد، إذا جاء عن طريق الديمقراطية وصناديق الانتخاب.

بينما في النموذج الباكستاني يتبادل كل من الإسلاميين والعسكر quot;حكم الدولةquot; أو قل نظام الحكم الإسلامي، كنوع من توزيع الأدوار والمصالح، وكأن المؤسسة العسكرية هي التي تحمي quot;الحكم الإسلاميquot;، وتمنع في الوقت نفسه أن تصبح الدولة quot;علمانية !quot;.

وأوضح quot;لا بد أن نأخذ في اعتبارنا أن ديمقراطية النموذجين quot;التركي والباكستانيquot; ليست هي الديمقراطية المستقرة والمعروفة في العالم الغربي، التي تستند إلى منظومة كاملة من الحريات العامة وحقوق الإنسان، وتقوم علي التعددية والمواطنة والمساواة أمام القانون، وليس فقط quot;صناديق الانتخابquot; أو الديمقراطية الشكلية الفارغة من مضمونها، التي جاءت بـquot;هتلرquot; وquot;موسلينيquot; إلى الحكم من قبل، ثم قضيا علي الديمقراطية بسلاح الديمقراطية في كل من ألمانيا وإيطاليا.

الخطر في الأمر أن الولايات المتحدة اليوم: تدعم هذا quot;النموذج الباكستانيquot;، وليس quot;النموذج التركيquot; على الإطلاق، باعتباره النموذج الأمثل للحكم في مصر بعد سقوط نظام مبارك، وهو ما تؤيده أيضًا دول الخليج (لأسباب خاصة) وجماعة الإخوان المسلمين.. التي أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية بأن الحوار بين حكومتها والأخوان المسلمين لم ينقطع يومًاquot;.

الاستبداد الأصلي
الكاتب الروائي حمدي عبد الجليل أكد أنه لا يستطيع تصور أو تخيل ماذا سيصنع الإسلاميون في مصر، في حال وصولهم إلى الحكم، وقال: لكنني حقيقة أتمنى وصولهم إلى الحكم، لأننا لن نرتاح من جهلهم، ولن يعرفهم الناس إلا عبر الوصول إلى الحكم للأسف، وعلينا أن نخوض هذه التجربة على مرارتها، لأننا لن نخلص منهم، إلا لو عرفهم الناس الذين ينتخبونهم حكامًا، وأنا أتوقع، بل متأكد، أنهم في حال وصولهم إلى الحكم لن يستمروا فيه أبدًا.
وأضاف quot;سيرفضهم الناس، لأنهم لا يملكون سوى شعار quot;الإسلام هو الحلquot;، وهو طبعاً لن يحلّ مشاكل الصحة والتعليم والبطالة وغيرها، ثم إنهم فشلوا في السودان والصومال وفلسطين، ثم إن الشعب ثار أساسًا ضد الاستبداد، وبما أنهم يقدمون الاستبداد الأصلي، فسيثور عليهم بمجرد تمكنهم، إنهم يمثلون ويشرعون للاستبداد الأصلي quot;أي القائم على أسس فقهيةquot;، والذي يعتبر مجرد الاعتراض على الحاكم جريمة تستوجب العقاب والجلد والقتل.

ولا يرى أن حكم الإسلاميين لمصر يمكن أن يحولها إلى دولة كالسعودية، وquot;مصر ليست السعودية ولا إيران، ومن هنا فإن فشلهم مؤكدquot;.

أسطورة الفزع من الإخوان
يتحدى الشاعر علي عطا مفضلاً حكم الإخوان على حكم العسكر ومبارك، وأوضح: ليصل الإخوان الى الحكم، ليكن منهم رئيس الجمهورية، لتكن الحكومة حكومتهم. على أن يتم ذلك على أرضية دستور توافقي وانتخابات حرة، سيكون ذلك أفضل من حكم مبارك بلا شك، وسيكون أفضل من حكم عسكري قد يمتد لستين عامًا أخرى، كما حدث منذ انقلاب 23 يوليو 1952.

وكرر إذا جاء الإخوان الى الحكم بإرادة شعبية فأهلاً وسهلاً، إرادة يحميها الدستور وتعبّر عن نفسها بانتخابات تتيح تداول السلطة، وعلى أية حال فإن ثورة 25 يناير هيأت البلاد لمستقبل هو بالتأكيد أفضل من ماضيها ما دامت روح الثورة على الظلم والفساد والقمع باقية.

وقال: quot;آن الأوان لأن ننهي أسطورة الفزع من الإخوان وكأنهم كائنات أسطورية، لا تبقي ولا تذر، لسنوات طويلة استخدم نظام 23 يوليو 1952 كفزاعة ليبقى جاثمًا على البلاد والعباد لأطول وقت ممكن، لا أقول فلنجرّب، أقول فلنحتكم إلى الديموقراطية، التي أكدت ثورة 25 يناير أنه لا غنى عنها ما دمنا نطلب الحرية والعدالة الاجتماعية. أتمنى ألا يكون سؤالكم مطروحًا في سياق التخويف من خطر افتراضي يمثله الإخوان، ومن ثم تسويغ انقلاب عسكري نكوى بناره نحن وأولادنا وأحفادنا أيضًا.

لكن علي عطا يتوقع تضييقًا على حرية النشر وتمييزًا ضد الأقباط مثلاً، وأضاف quot;التضييق على أية حال موجود من قبل أن يصل الإسلاميون إلى الحكم، وهم يلعبون دورًا في هذا الأمر، عبر تغلغلهم في مختلف المؤسسات الثقافية. هنا للأمانة الكلام ينطبق على السلفيين عمومًا، وليس الإخوان وحدهم.

وهذا يستحق المقاومة اليوم وغدًا. وقال إن التمييز ضد الأقباط موجود أيضًا من قبل أن يصل الإخوان الى الحكم، وأتوقع أن يعملوا على البقاء أبدًا في الحكم وهم موجودون بصورة أو بأخرى في دوائر القرار أو عبر تحالفات مع دوائر الحكم حتى ولو بدا ما على السطح مخالفًا لذلك.

يا صديقي الاخوان يحكمون. وثورة 25 يناير ليست ثورة اخوانية، لكن الجماعة اعتلت منصتها تمامًا كما فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة. أعود وأقول فزاعة الإخوان مبالغ فيها، ومن يروّجون لها متحالفون أصلاً مع تلك الجماعة. وحتى لو الأكثرية أتت بالإخوان إلى الحكم بشكل صريح، فإن مقاومة ذلك واجبة عبر الديموقراطية. وينبغي أن لا ننسى أن مفجرّي ثورة 25 يناير هم ثلة من الشباب المستنير ودائمًا التغيير نحو الأفضل تقوده أقلية من الناس.

من الاستفتاء إلى جمعة الهوية
وحلل الفنان التشكيلي مجاهد عزب ما يراه نذر شر في حال وصول جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم: دعنا نؤكد أولاً على حقيقة أن ذلك لن يحدث ــ في مصر على الأقل ــ لشواهد وحسابات أرقام حقيقية لا شبهة فيها، بل إنها أكثر الدلائل قوة من حيث الوقائع والمؤثرات والنتائج.

أعود بك قليلاً إلى استفتاء التعديلات الدستورية quot;مارس 2011quot; والحشد الهائل المرعب والضغط فى اتجاه قول quot;نعمquot; تحت عنوان أساسي quot;كن مع اللهquot;، والذي روّجته كل القوى واحدة الصف والتحامق وقتها. لقد حضر إلى quot;موقعة الصناديقquot; بحسب تعبير أحد رجالاتهم ما يقارب من الثمانية عشر مليونًا، قال منهم أربعة عشر مليونا quot;نعمquot;، وقال أربعة ملايين quot;لاquot;، هذا أقصى ما عندهم وقتها، فإذا ما حسبنا النسبة سنجدها: إن من قال (نعم) هم حوالي\ى 77%.

لكن هذا رقم خاطئ واقعيًا، فعدد من لهم حق الانتخاب 45 مليونًا، لذلك تكون نسبتهم الحقيقية رغم الحشد والتأييد 31% على أقصى تقدير. كلهم مجتمعون ومعهم الطيبون من الناس، فما بالك بما يحدث وهم فرقاء على اختلافهم متصارعون لنيل نصيب أكبر من الكعكة، إضافة إلى أحوال الدائرة الانتخابية وعصبة العائلات وذي القربى؟!.

ثم واقعة أخرى يوم جمعة quot; الهويةquot; أو حسبما أسموها هم لا أعرف، وسيارات نقل وباصات ووجبات واستنهاض وأعلام وبيارق مدعومة ومعها الزعمنفسهquot;كن مع اللهquot;، ماذا حصل منهم وكم كان عددهم كتلة واحدة؟!، لا شيء.

وأضاف عزب: هم يدركون ذلك تمامًا، بل إنهم يدركون الأكثر منه، ويحسبون حسابه بدقة وانتهازية صرف. إن وصولهم لن يجعل البلد هادئًا مستقرًا وستتحطم أغراضهم وطموحاتهم مع أول هبة جديدة، ولن يحققوا مراد الشعب الهائج فى ظل كل هذا الركام من أخطاء الماضي، وأظنهم عاجزين عن تقديم بدائل حقيقية، ولنا تجارب معهم حينما كانوا مشاركين ــ باتفاق ــ في برلمان سابق بعدد لا بأس به من المقاعد quot;88 مقعداquot; لم تفلح في تشكيل جبهة معارضة حتى ولم يقدموا شيئًا يذكر.

هم يريدونها جاهزة، ولن يورطوا أنفسهم فيها الآن على الأقل، وكل محاولاتهم لترسيخ واثبات الوجود كقوة فاعلة على الأرض والاستفادة القصوى مما هو متاح مع الاحتفاظ بالمسافة قدر الإمكان وعدم إعادة تجربة 1954، ذلك لا يستبعد بالطبع حماقاتهم القديمة المعتادة، لذلك سوف أذهب معك إلى أقصى حد متخيل، وأنهم لأمر ما أو لمؤامرة ما ــ قل ما شئت، فوجودهم فوق سدة الحكم هو مطلب أساسي لكل القوى المحيطة بما فيها أميركا وإسرائيل.

إضافة إلى البعض العربي الأكثر انغلاقًا واستبدادًا يريدهم كذلك، ولا أحد سواهم، وأزيدك القول إن النظام البائد كله بأتباعه ومريديه الذين يراهنون على الفوضى يرغبون قيادة حمقاء أكثر إثارة للجدل والخلاف واختلاق الكوارث وإشعال الحرائق بين أطياف المجتمع لتنشغل بمشكلاتك وداخلك بعيدًا عن قضاياك الكبرى وطموحاتك فى الارتقاء نحو الحداثة والتطور ــ وصلوا الى الحكم، وكان بصورته المعروفة في أدبياتهم وأطروحاتهم حول دولة الخلافة... الخ، فهنا يكمن السؤال: من يتحمل فاتورة تكلفة منهجهم ودوافعهم وما يريدون تحقيقه، العالم الخارجي أم مواطن الداخل؟.

دولة الخلافة
ورأى مجاهد عزب: أن العالم الخارجي لا يهتم ولن يتحمل أوزارنا، وعلينا أن ندرك أولاً تلك الأسباب التي وافقت هوى كل هؤلاء من الشرق إلى الغرب، ودفعتهم إلى التوحد صفًا خلف ما يسمّى بالجماعة الإسلامية أيًا كانت، تلك الأسباب العديدة التي خبروها من المتابعة والدراسة وقراءة التاريخ وتناسب أهدافهم أجمعين.

أولها: أن هذا التيار يفتقد التحرك خارجيًا ولا يجيد التعامل مع المستجدات وقضايانا الأساسية الإقليمية والدولية، ولا يهمه مكانة مصر كدولة، ولا المصري مواطنًا ــ راجع تصريحات المرشد السابق والحالي وأمراء الجماعات بعد خروجهم من السجون مع عدم إغفال أن سبب سجنهم الذي كانوا فيه أنهم قتلة مروّعون في الأساس ــ وكل ما يهمه هو استعادة دولة الخلافة مع العجز عن تحقيق وفهم ماهية الدولة وكيف تكون، وضحالة متابعتهم حركة التاريخ والتطور الثقافي الحادث واستحالة التطبيق.

وآخرها: الابتعاد عن تعظيم دور مصر الإقليمي والتراخي واللين تحت حكم الفرد الواحد المطلق يده باسم الإله وأهل الثقات المختارين وتماهي الدولة المصرية في ما يسمونه دولة الإسلام الكبرى من أندونيسيا إلى المحيط الأطلنطي، هذا بفرض أنهم ــ جميعهم ــ طيبون أصحاب دعوة وفلاح.

وما بين أول وآخر يكمن العديد من المشكلات والفخاخ، منها: المواطنة، وهو مصطلع غربي لا يعرفه العربي، ولا يدركه الإسلام بمعناه الكامل، فالمفهوم يقوم أساسًا على المساواة في الحقوق والواجبات وأمام القانون، ولا مساواة تحت حكم الإسلام بناء على أبسط القواعد الفكرية والأيديولوجية والتفرقة بين المسلم والذمي وما يتبع ذلك من انتقاص للمواطنة، ناهيك عن التعريف الفضفاض للمؤمن أو المسلم ذاته، وكيف يكون، وعلى من يكون القياس أو النموذج.

فالسعودية مثلاً حكمت بأربعين جلدة على طبيب مصري لأنه لم يحضر صلاة الجماعة، وترفض قيادة المرأة للسيارات... الخ، إضافة إلى قانون الحسبة ومحاكمة الأفكار والنوايا وقضايا التفريق وملاحقة الفكر المخالف المسلم داخل الإسلام عينه، ومصادرة الكتب والأفكار والحدّ من الإبداع وإعمال العقل مع أبسط القضايا المجتمعية، وعدم المساواة بين الأفراد تحت دعاوى الجائز والممنوع والمكروه والمحرم.. الخ ــ راجع تضارب أقوالهم المعلنة ــ وكلها أحكام تخضع لتأويلات الفرد وقدرته على الفهم والتحكم في نوازعه وما يتبعه من هوى. ولا يقدر عليها إلا نبي مرسل.

طمس ونقاب وجزية
وأكد الشاعر حمدي عابدين أنه لا مجال هنا للتصورات، فهناك كثير من المؤشرات تتجلى الآن نتاج التصريحات التي تخرج من وقت إلى آخر من بعض تابعي الإسلاميين وشيوخهم ورموز جماعاتهم المختلفة، وكثير منها نتاج تاريخ طويل من الغياب والتهميش القسري وما تعرضوا له من عنف وتنكيل وإلغاء وظلم، والنتيجة للأسف مرضية، أقصد هنا أنهم باتوا محملين بكثير من الأمراض نفسها.

أضف إلى ذلك الكثير من المراوغة والمكر والرغبة في القفز على كرسي الحكم لتعويض ما فات الكثير من فصائلهم أياً كانت التكاليف والخسائر والتنازلات التي يقدمونها على أعتاب المجلس العسكري، وهي في كثير تنقص من رصيد كان المصريون يدخرونه لهم إبان العصر الفاسد المباركي وغيره من عصور مرت.

وأضاف quot;المهم أن هؤلاء الناس بما يحملونه من طموحات باتوا مكشوفين أكثر لدى الرأي العام في مصر، لكن هذا لن يعوق كثيرًا من إمكانيات وصولهم حال إتمام باقي الخطوات التي وعد بها العسكر، وأنا أشك في ذلك، لأن الناس في مصر مؤهلون للهرولة وراء أي فكر انتهازي يسعى إلى حكم البلاد، حتى لو كان ذلك ضد مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

لكن لننظر إلى النماذج المتاحة أمامنا للحكومات الإسلامية، والتي استطاع فيها من هم على شاكلة الإخوان والسلفيين، الوصول إلى الحكم، هناك مثلاً النموذج التركي، وهو أكثر النماذج توافقًا مع الديموقراطية، وقد نال الكثير من النقد والهجوم من الإسلاميين عندما صرّح خلال زيارته القاهرة أنه حاكم مسلم لدولة علمانية، هذا الرجل بتصريحه هذا وما تلاه من هجوم لاذع كشف عما يمكن أن يأخذنا إليه هؤلاء الناس.

كما إن هناك تصريحات أخرى، مثل طمس وجوه التماثيل الفرعونية، وإجبار المسلمات على لبس النقاب، والمسيحيات على لبس الحجاب، فضلاً عن فرض الجزية على أبناء مصر، منهم أصحاب الدين المسيحي، اتأخذنا إلى ما هو أبعد من ذلك حال قبض هؤلاء على زمام الحكم، وهو أبعد ما يكون عن شكل الحكم التعددية الديموقراطية، الذي يحترم حقوق أطياف أخرى في المجتمع موجودة وفاعلة، وهي حقوق لابد أن تحترم، ويدافع عنها من كل القوى الأخرى، بما فيها الإسلامية.

لكن واقع التصريحات التي خرجت عن الإسلاميين تكشف غير ذلك، وتصل إلى أن أعمال نفي وتنكيل سوف يتعرض لها كل من يخالف تصورات هؤلاء عن الحكم وشكل الدولة، تجلت واضحة في تصريح فاقع أفصح عنه أحدهم في نوبة عصبيته ووضوحه، حين قالquot; اللي مش عاجبه يسيب البلد، ويمشيquot;، هذا كلام على حجم خطورته وفجاجته يكشف أن ما سيحدث حال وصول الإسلاميين إلى السيطرة على حكم مصر سوف يكون تدميريًا لبنية الدولة وعناصرها.

إذ إن هؤلاء يرون أن وجودهم يكفي لبناء مصر المسلمة، وهناك سعي تكشف عنه التصريحات التي تدل على أن هناك نيات تفعل فعلها في واقع الأمر لتحقيق حلم الوصول إلى الحكم ونفي الغير، وليس مهمًا بعد ذلك ما يمكن أن يحدث من بعثرة وإهدار لطاقات فصائل أخرى لديها الكثير من الطاقات يمكن أن تساعد كثيرًا في بناء مصر ووضعها في مكانتها الطبيعية بين الأمم.

خطورة على تركيبة المجتمع
ورأى عابدين أن هؤلاء الناس بوعيهم هذا بشكل الدولة سوف يشكلون خطورة كبيرة أولاً على تركيبة المجتمع المصري، ربما تؤدي إلي تفتيته، وتهجير الكثير من طاقاته الخلاقة، كما إنهم بتصوراتهم السطحية، خاصة في الجانب الاقتصادي منها، سوف تؤدي ربما إلى ما هو أسوأ مما كانت عليه مصر إبان حكم المخلوع، لأنهم سوف يلبسون صفة شرعية للاقتصاد، قشرية وسطحية، فيها الكثير من الانتهازية، ولا علاقة لها بما هو شرعي، لأن الإسلام لم يتدخل يومًا في ما يخص أمور الدنيا.

والحديث عن الاقتصاد الإسلامي محض أكذوبة، ولعل تجربة الكثير من البنوك التي تدعي الإسلامية تكشف في واقعها أنها لا إسلامية ولا يحزنون، بل تطبق بما لا يدع مجالا للشك كل ما تعتمده البنوك الأخرى من سياسات في الإقراض وخلافه، ولا أريد هنا أن أدخل في تفصيلات.

المهم أن الفصائل الإسلامية سوف تعيد مصر إلى مربع تسلط سوف يستفيد منه هؤلاء فقط، فضلاً عن الانتهازيين ممن سوف يسيرون في الركب رغبة في تحقيق مصالح رأسمالية، مرتبطة في جوهرها بالمعسكر الرأسمالي العالمي، من دون النظر إلى مصلحة المجتمع، وما فيه من طبقات فقيرة، سوف تكون هناك نظرة بالطبع لهم، لكن من باب الإحسان والصدقة، وليس من باب أن لهم حقوقًا يجب علىي الدولة أن تلبّيها بوصفهم مواطنين لهم حقوق في التعلم والعلاج والعيش بكرامة.

يجب أن لا ننسى أن هؤلاء الحكام المفترضين سوف يأتون علي أي تصورات للديموقرطية وحرية التعبير والإبداع، وهو ما سوف يؤثر على الإنتاج الفكري الذي ما استيقظ يومًا في بلادنا إلا وواجه سيف التكفير والإرهاب ومحاكم التفتيش من أتباعهم.

أولئك الفازعون المفزوعون
رأي الباحث التاريخي عمرو مصطفى شلبي يختلف كثيرًا مع الآراء السابقة، مما يؤشر إلى أن الأمر له زوايا متعددة، حيث قال: لدى الكثيرين من أبناء جيلي من الشباب والمثقفين والنخب مخاوفهم التي نسجت خلال الفترات الماضية عن الإسلاميين والحكم الإسلامي، مستندين إلى ما روّجته الأنظمة الحاكمة عن هؤلاء، والحقيقة هي أننا لا نعرف هؤلاء، ولم تترك لنا الفرصة على الأقل خلال الفترة الماضية قبل 25 يناير لمعرفة هؤلاء، فلم نعرفهم إلا من خلال المسلسلات والأفلام والأحداث المؤسفة، وأخبار القبض عليهم، التي حدثت في الماضي، ورسمنا عليها صورة المستقبل.
وأضاف: كمواطن مصري لم يكن له اي انتماء سياسي في السابق، لم أر أو المس تلك الصورة أو المخاوف الكبيرة التي يراها ويروّجها الكثير عن مخاطر وصول الإسلاميين بكل أطيافهم الايدولوجية إلى مراكز الحكم في مصر، وربما تكون هناك مخاوف، ولكن ليست بتلك الحجم الذي يصوّر له البعض.

فعلى الأقل لو نظرنا إلى العصابة الحاكمة المسجونة الآن، فلن نجد بينهم إسلاميًا واحدًا أو إخوانيًا واحدًا او سلفيا واحدًا، ولا نسمع حتى عن إسلامي واحد مقبوض عليه في قضايا سرقة أو بيع أراضي الدولة او الحصول على امتيازات من الدولة أو الحصول على أي شيء من دون وجه حق، لا داعي للخوف فلندع التجربة تثبت لنا من على صواب ومن على خطأ، فهكذا تبنى الشعوب العريقة، والتي لا تقوم علي السجون والمعتقلات أو فرض الرأي، لقد استطاع النظام المصري خلال الفترات الماضية أن يستخدم الإسلاميين كفزاعة للشعب من خلال ترويج الأكاذيب عنهم.

رؤية عمرو لا تنفي أن يكون هناك بعض التصرفات غير اللائقة التي تصدر من بعض الإسلاميين، وإن كانت قد خفت حدتها الآن بعد سقوط النظام وبناء الدولة الجديدة، فهذه التصرفات كانت هي محصلة عقود طويلة من انتهاك قيم حقوق الإنسان في حقهم.

وكما يقول الباحثون، فالحركات الجهادية ليست انعكاساً سلبياً للحرية والديموقراطية، كما يروّج البعض، وإنما هي خريجة مدرسة السجون وأقبية المعتقلات السرية، وأضاف quot;إن أولئك الفازعين المفزوعين الذين يرتدون ملابس غريبة، ويبدون في مظهر أكثر غرابة، يطاردون النساء في الطرقات ويهرولون وقت الصلاة دافعين بالناس إلى المساجد عنوة، ويضيقوا على المسيحيين في الشوارع والحارات، ويجرون بالسيف الهندي البتار عبر النواصي والطرقات، آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، ثبت بكل يقين أن الإسلاميين ليسوا كذلك بحال من الاحوال او الفئة الكبيرة منهم على الأقل، وان هذه الصورة لا توجد الا في الأفلام والمسلسلات فقط.

في العهد الماضي تم إقصاء كل التيارات الإسلامية من وظائف النخبة، وخاصة وظائف الشرطة والكليات العسكرية والقضاء والمناصب العليا والتمثيل الدبلوماسي وقصرت وظائفهم بقدر كبير على السجون والمعتقلات.

جهلاء الحركات الإسلامية
وقال عمرو مصطفى شلبي quot;لا أريد أن أخوض في الحديث عن الأكاذيب التي روّجها النظام الحاكم وبعض جهلاء الحركات الإسلامية، سواء إخوان أو سلفيين او أيًا ما تكون انتماءاتهم خلال الفترة الماضية، من انهم سيحرمون التليفزيون والسينما والبنوك وما إلى ذلك من المبالغات، فنحن لسنا أفغانستان، نحن شعب متحضر متمدن.

بعد 25 يناير عرفنا الإسلاميين بانتماءاتهم السياسية المختلفة، حيث ظهروا في الساحة بشكل واضح، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل أين كانوا هم طوال هذه الفترة، واستنكر الكثير ظهورهم، عرفناهم، ونحاول ان نفهمهم، وتعاملنا معهم، ونرى الآن السلفي والإخواني والليبرالي على شاشة التليفزيون، لقد اختلف الأمر، فطوال الفترة الماضية، والتي هي على الاقل الفترة التي ولدت فيها فترة حكم مبارك، لم يعرف الاخواني او السلفي او الليبرالي او الوطني او الوفدي بعضهم على الوجه الأكمل، ولم يحدث الحوار الذي يحدث الآن.

إن الصعود المحتمل للإسلاميين، لن يقود بالضرورة إلى الانتكاسة، التي يتصورها البعض بقدر ما قد يمثل فرصة للحركات الإسلامية لممارسة العمل السياسي في العلن أمام الناس، مما يتيح لنا ولهم المراقبة والمحاسبة والتجربة والخطأ، مما يساهم بشكل كبير في إدماجهم في المجتمع ومعاملتهم كأي فيصل سياسي يمكن ان ينجح ويمكن ان يفشل.

وطالما انه يوجد دستور او عقد اجتماعي متفق عليه بين جميع أطياف الشعب، فلا خوف إذًا على الدولة من الإسلاميين او غير الإسلاميين، طالما انه سيحكم وفق الدستور الذي ارتضاه الشعب، وإذا حدث وخرج عمّا منصوص عليه فالميادين موجودة وحق التظاهر مكفول، واي محاولة للرجوع إلى الوراء لن تكون مقبولة من الشعب، لقد ولى هذا العصر وذهب، لذا فلا خوف على الشعب من حكم الإسلاميين او غيرهم، طالما أنهم سيحكمون في ظل الدولة المدنية، فالدستور quot;يقرّquot; بمدنية الدولة، وهو ما ينفي التخوف من أي فصيل سياسي قد يصل إلى الحكم في مصر أو يسيطر على مجلس الشعب في الانتخابات التشريعية المقبلة.