يوسف يلدا ndash; سيدني: أن يكون مصير أحد أبرز رموز السينما العالمية ينتهي بإصابته في حادث دراجة نارية يقودها رجل شرطة، ومن ثم تؤدي هذه الإصابة الى موته، لهو أمرٌ يدعو الى السخرية من المصير القاسي الذي كان في إنتظاره.
فقد كان السينمائي اليوناني ثيو أنجيلوبولوس، الفائز بجائزة السعفة الذهبية عام 1998 عن فيلمه (الأبدية ويوم)، في مهرجان كان السينمائي، يعد أحد أبرز المخرجين العالميين، والأكثر إثارة للجدل، وقد وصفه النقاد بأحد أكبر الألغاز المستعصية على الحل في السينما.
وكان ثيودور أنجيلوبولوس قد توفي يوم الثلاثاء، 24 يناير الحالي، بعد ساعاتٍ معدودة من إصابته في حادثٍ مروري، أثناء عملية تصوير فيلمه الجديد في أثينا. وكان المخرج اليوناني برفقة طاقمه الفني في منطقة (درابيتسونا)، القريبة من بيراياس، عندما صدمته دراجة نارية مساء الثلاثاء. وقد وقع الحادث عندما كان أنجيلوبولوس، البالغ 76 عاماً، يحاول عبور أحد الشوارع المزدحمة. وتشير التحقيقات الأولية الى أن رجل شرطة كان يقود الدراجة النارية، وإن لم يتم تأكيد ذلك. وبعد نقله الى المستشفى، خضع للعلاج في وحدة الرعاية المركزة، ولكنه فارق الحياة متأثراً بجروحه الخطيرة، بعد ساعات قليلة.

وقد إكتشف المخرج اليوناني المولود في عام 1935، إنحيازه للسينما في أواخر عقد الستينات، بعد أن هجر مهنة المحاماة، ونال شهادة عالية للأدب في باريس. وإستطاع أن ينضم، في هذه المدينة، الى مدرسة للسينما، إلاّ أنه قرر العودة الى بلده اليونان، والتفرغ للصحافة. وكان يعمل كناقد سينمائي في الصحيفة اليومية (ديموكراتيكي آلاغي)، عندما وقع إنقلاباً عسكرياً في اليونان عام 1967، وتم إغلاق الصحيفة حينذاك. وكان ان إنتقل من الصحافة الى السينما.
في العام 2008، وخلال حفل العرض الأول للفيلم الوثائقي (مكان في السينما) لألبرتو مورايس في مدريد، عاد المخرج اليوناني بذاكرته الى الوراء قائلاً: quot;في صباي، كنت أتردد على الصالات، وعلى الحفلات أيضا، برفقة أصدقاء، وجيران. كانت تلك بمثابة أنشطة إجتماعية، تبنى خلالها علاقات صداقة وحب، ولقد عمل التلفاز على تدمير ذلك النسيج الإجتماعي، وأنا اليوم أجلس وحيداً أمام هذا الجهازquot;. ويشعر صاحب فيلم (تحديقة يوليسيس) بالحنين الى النجاح الذي كانت تحققه الأفلام الطويلة والتي تمتد لثلاث ساعات، حيث كانت تتميز أعماله السينمائية بطول مدتها: quot;كان ذلك يحدث فعلاً على مدى سنواتٍ طويلةquot;. و يصرّ على أهمية التعليم قائلاً: quot;في الحياة العامة، وكذلك في المدارس يجب مشاهدة الأفلام السينمائية، والحديث عن السينما، وتدريس كيفية مشاهدة السينماquot;. لكن السينما الشبيهة بالتي يقدمها ثيو أنجيلوبولوس. وقد كان فيلمه الروائي ( إعادة بناء) عام 1970، حقق إنتشاراً واسعاً ، الأمر الذي أطلق إسمه في عالم السينما، ودفعه لأن ينجز ثلاثية (أيام 36 ndash; 1972)، و(الممثلون الجوالون ndash; 1975)، و(الصيادون ndash; 1977)، التي تناولت تأريخ اليونان إبتداءاً من الثلاثينات وحتى السبعينات من القرن الماضي. وقد أكسبته شهرته العالمية كمخرج سينمائي مبدع، إسماً بارزاً في أوساط السينما الأوربية.
وإعتاد أنجيلوبولوس، في أغلب لقاءاته الصحفية، على القول: quot;أنا رجل متشائم، لأنني أعتقد أن الأجيال الجديدة من السينمائيين عاجزة عن المضي قدماً في أعمالها، لاسيما إذا إختاروا مثلي رؤية شخصية جداًquot;.
وقد أنجز السينمائي اليوناني في الثمانينات أشرطة فيلمية تخلو من السياسة، كما هو شأن (رحلة الى سيثيرا - 1984)، الذي حصل على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان، أو ( منظر في السديم ndash; 1988)، والذي فاز، هو الآخر، بالجائزة الكبرى في مهرجان فينيسيا السينمائي. وبعدها عاد ليصنع سينما جميلة من خلال (تحديقة يوليسيس ndash; 1995)، الحاصل على جائزة النقاد في كان، ولعب دور البطولة فيه الممثل هارفي كيتل، و(الأبدية ويوم - 1998). وبسبب من عدم قدرته تحمل نفقات إنتاج أعماله السينمائية، فقد كان عليه الأنتظار حتى العام 2004، لينطلق من جديد عبر ثلاثية بدأها بفيلم (إليني).
ويعود أنجيلوبولوس مرة أخرى، ولكن هذه المرة سياسياً اكثر من ذي قبل، ليتحدث عن الهجرة، ويحشر قصصه المفعمة بالعاطفة في اكثر اللحظات حرجاً في تأريخ اليونان. وبعد مرور أربع سنوات، عاد ليستمر في إنجازاته السينمائية من خلال فيلم (غبار الزمن)، الذي جسّد ويليام دافو فيه دور مخرج أمريكي يقوم بتصوير فيلم عن والديه، اليونانيين. وساهم في الفيلم، الى جانب دافو، آيرين جاكوب وميشيل بيكولي. وإشترك في كتابة السيناريو تونينو غيرا، مثال الحب العميق الذي كان يكنه السينمائي اليوناني لإيطاليا، حيث كان يتم إنتاج أغلب أفلامه بالإشتراك مع إذاعة وتلفزيون إيطاليا (راي).
ثيو أنجيلوبولوس، المتزوج والأب لثلاثة ابناء، لم يرحل تاركاً خلفه ثلاثيته غير المكتملة فقط، بل تركنا من دون أن يقدم تحليلاته الثاقبة، التي وعدنا بها، في (البحر الآخر)، فيلمه الذي كان سيدور حول الأزمة التي تعصف ببلده اليونان.