صلاح سليمان من ميونيخ: كتاب جديد صدر عن دار التحرير في مصر للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ quot;محمد العزبيquot; جمع فيه أهم المقالات التي كتبها في السنوات القليلة الماضية، الكتاب يشبه البستان الزاهر في محتواه المتنوع، فهو يحتوي علي الكثير من المقالات المختلفة التي طبعها الأستاذ العزبي بطابع إسلوبه الجميل، و ملامح شخصيته التي تفيض بالإنسانية والاحترام.
عنوان الكتاب quot;كناسة الصحفquot; يرجع في الأصل لأحد مقالات المؤلف التي كتبها وضمنها الكتاب، وفيها لخص مدي النفاق والزيف الذي يمكن أن تمرره بعض الصحف للناس، خاصة وأن الكاتب من أقدر الناس علي تصنيف الصحف والمقالات، فقد سبر اغوار صاحبة الجلالة علي مدار الستين سنة الماضية، عاصر فيها احداث مصر الحديثة كلها.
في تلك المقالة التي حملت عنوان الكتاب يقول الأستاذ..quot;لا تفهموني غلط من ذلك العنوان وتظنون أني أقصد الزبالة ذات الرائحة العفنة التي تصدر أحياناً من مقالات تنشرها صحف معطرة.. بعضها يستحق الحرق أو الفرم. ولكنني مع أهلي وعشيرتي ظالمين أو مظلومين وكيف انصرهم ظالمين؟.. بردهم عن الظلم.. أي عن الجهل والنفاق والفبركة! quot;.
هكذا يوجه الأستاذ العزبي في تلك المقالة النقد الحاد لما بات معروفاً بظاهرة النفاق الشديد التي تذخر بها مقالات المتحولين من الكتاب في الصحف المصرية حيث كانوا صنيعة النظام السابق والأن انقلبوا ضده.
ربما يجد البعض أن عنوان الكتاب ليس جديداً،فهناك كتاب quot;كناسة الدكان quot; للأديب الشهير يحي حقي الذي يقول عنه المؤلف أنه بالفعل قد اوحي له بذات العنوان ـ خاصة وأنه يري وفق ما كتب ان ـ quot;يحيي حقيquot; الذي قدم أعمالاً متميرة مثلquot;صح النومquot;. وquot;تراب الميري.وquot;أم العواجزquot; وquot;خليها علي اللهquot;. اشتهر منها أكثر ما تحول إلي فيلم سينمائي: quot;البوسطجيquot; وquot;قنديل أم هاشمquot;. هو أديب ليس له مثيل في واقعنا المعاصر غير أن لكتابه عن تاريخ حياته مذاقاً مختلفاً. وقد اسماه quot;كناسة الدكانquot; مستوحياً ما يتخلف عن يوم عمل طويل داخل دكان.
إذن علي هذا الدرب جاء كتاب quot;كناسة الصحف quot;، وهي quot;الكناسة quot; التي يغرق الأستاذ العزبي في قراءتها والتفتيش بين سطورهاعلي حد وصفه وفي نهاية الجولة يجمع quot; الكناسةquot; التي تتخلف عن اخبار كاذبة او شرح وتفسير للخبراء الإستراتيجين اللذين امتلأت بهم الصحف وشاشات التليفزيون علي حد وصفه، وهو يقول في هذا الصدد quot; ومن المحررين البرلمانيين إلي اللواءات المنتشرين علي شاشات التليفزيون بعضهم يشرح ويفسر باعتباره خبيراً استراتيجياً. وبعضهم يهاجم ويتحدي باعتباره علي هامش السلطة.. تحولوا إلي إعلاميين بالكاكي!quot;
منذ أن عرفت الأستاذ العزبي وعملت معه قبل 20 سنة في جريدة اquot;لإجيبشيان جازيت quot; أقدم الصحف المصرية التى تصدرها دار التحرير باللغة الإنجليزية حيث كان يتقلد رئاسة التحرير،وأنا أتابع كل كتاباته، وفور صدور اي كتاب جديد له تتلقفه يدي علي الفور، ذلك أنها كتب من طراز آخر تتجلي فيها عبقرية الكتابة وروعة الإسلوب وخبرة الأيام وثفافة الأجيال، بل ودعابة القلم وسخريته الراقية التي تضحكك دون إسفاف أو ابتذال.
في مقالات الأستاذ العزبي التي ضمنها الكتاب بعد الثورة وفي مقابلاته الصحفية يري أن الصحافة في مصر لم تتغير بعد الثورة،لأن القائمين بالعمل الصحفى قبل الثورة هم أنفسهم القائمون عليها بعدها، وأن حركة التغير لم تكن أبداً بالقدر المطلوب. وهو يري أنه لابد من مشاركة الأجيال الجديدة صنع القرار في مصر ما بعد الثورة، فقد كان جيله مختلفاً وقد تم تشكيله وفقا لقاعدة الرقيب الذاتى والذى ظل مسيطراً عليهم حتى فاجأتهم الثورة، ويعترف بأن جيله القديم والمتحكمين فى إصدار الصحف لم يكونوا يعرفون شيئا عن الأجيال الشابة، والصحافة لم تكن جزءا من التغيير. ولابد للأجيال الجديدة من أن تتولى زمام الصحف، ويكون صوتهم مسموعاً فى إدارة الصحف، كما يجب أن تكون الصحف رائداً ومعلماً للقراء وأن تلعب دوراً في تشكل الرأى العام الجديد، خاصة في تلك الأوقات التي يتخبط فيها الناس في ضبابية المواقف وغياب الشفافية.
في مقال آخر في الكتاب يقول الأستاذ العزبي عن صحافة زملن quot; عشت زمنا كان الإهتمام فيه بالصحفي حقيقيا. يتجلي عندما يفقد حياته ـإذ ينشر الخبر غالبا بصورة وفي مكان بارز وبكلمات صادقة وفي جميع الصحف. ولقد كانت جريدة quot;الجمهوريةquot; الأكثر حرصا علي وداع الصحفيين بكل اتجاهاتهم. احساسا منها في كل العصور بأنها جريدة الشعب والجيل الجديد خرج من كنفها منطلقا في بلاط صاحبة الجلالة.ويقول : وكانت quot;الأخبارquot; تمارس أبوة مصطفي أمين لكل العاملين في المهنة. حتي الذين لم يعملوا بالأخبار يوما. quot;الأهرامquot; الأشد حرصا لأن صفحات الوفيات تشكل مصدرا ماليا لها. فقد تغيرت مع تولي الأستاذ إبراهيم نافع أمرها ربما أيضا لأنه كان نقيبا للصحفيين. أما quot;روزا اليوسفquot; وquot;دار الهلالquot; فكانت طبيعة صدور مجلاتها أسبوعيا تجعل نشر أخبار وفاة الصحفيين محدودة. تقتصر علي اهتمام حماسي انتقائي وموضوعي من quot;روزاquot;. بينما كانت quot;الهلالquot; في واد آخر قبل أن تدب فيها الروح مؤخرا. كانت تلك هي مكافأة الصحفي بعد طول شقاء وتقدير زملائه له خصوصا بعد مماته هو كل ما يحصل عليه أهله وأصدقاؤه. فلم يكن يترك عادة من المال ما يستحق إصدار إعلام وراثة. امد الله في عمر استاذنا الكبير.
zwnj;[email protected]
- آخر تحديث :














التعليقات