كامل الشيرازي من الجزائر: يوقن المخرج المسرحي الجزائري الشاب quot;جمال قرميquot; إنّ ما سمي بـquot;ربيع الثوراتquot; هو مخطط مدروس استهدف المجتمع العربي، وتبعا لما جرى منذ كانون الثاني/يناير 2011، يرمي قرمي باللائمة على رجال سياسة وإعلام ودين.
وفي مقابلة خاصة بـــإيلاف، يؤكد قرمي على أنّ المسرح في بلاده سيكون للأصدق وليس للأسبق، وطالما أنه مبني على الصدق والأمان، فالبقاء للأقوى والأصلح.

bull;في مسرحيتكم الجديدة quot;القايدة حليمةquot;، قاربتم تجليات ما يسمى بـquot;الربيع العربيquot;، وانتصرتم لمؤدى هيمنة الغرب واستمرار افتقاد العرب لقيمتي الحرية والكرامة رغم كل ما حدث ويحدث من ثورات، لما كل هذه النظرة السوداوية؟
-لم أستطع منع نفسي من انتقاد بعض الأمور الحسّاسة التي تجري في الوطن العربي العزيز في خضم ثورات الحريّة، فعندما ترى مدينتك قد دُمِّرت والأسواق فيها قد هُدِّمت والناس هُجِّرت، وعندما تمشي في شوارع مدينتك الخالية تمامًا من الحياة ndash; إلّا أصوات الصواريخ والتفجيرات والرصاص ومشاهد القتل - .. لم يفهم عامة الناس معاني اللاعنف والسلميّة والجهاد أو الكفاح غير المسلَّح ..
وأنا لا ألومهم ولكنْ ألوم من كان باستطاعته من خلال مركزه الإعلاميّ أو السياسيّ أو الدينيّ أن يوعيهم وينشر فيهم أفكار الجهاد السلمي وأهمية فكر العصيان المدني والإضراب العام وفوائد كل ذلك الغير قليلة وسلبياته القليلة جدًا، ففي العصر الحديث الذي لا يعترف إلّا بالفكر والعلم، نشأتْ علومٌ كثيرةُ جديدة منها فن الخشبة الذي هو علم قائم بذاته.

bull;كثير من النقاد رأوا في quot;القايدة حليمةquot; ترويجا من طرفكم إلى أنّ ما يحدث في العالم العربي منذ كانون الثاني/يناير 2011، هو محض quot;فلكلورquot; وquot;لعبةquot; مدبّرة من أياد خارجية، ألا يعد هذا الحكم قاسيا ومتجاوزا، في ظلّ كل الدماء التي سالت ولا تزال في أكثر من قطر عربي؟ -رحم الله كل شهيد، أنا لست ضد الناس الأبرياء (أقول الأبرياء) الذين كانت أفعالهم عفوية ولكن ضد مخطط مدروس استهدف المجتمع العربي، فأنا ما زلت أعتقد أنّ السلاح والتسليح أسوأ بكثير من السلم والسلميّة ولو كانت السلميّة فقط من طرفنا، لأنّ السلميّة بكلّ بساطة لا تكلّف إلّا القليل جدًا من الخسائر في الأرواح والماديّات.

bull;كيف تقيمون راهن الكوميديا السوداء في الجزائر والعالم العربي؟
-الكوميديا السوداء هي كوميديا تحمل في طياتها الواقع المر والمظلم لشعوب لم يبق أمامها خيار للتعبير عن مآسيها وهمومها، إلاّ طريق السخرية، وهكذا جرى وضع الحقائق والوقائع تحت أقنعة الكوميديا.
بالتالي أصبح المسرح وفن التمثيل مرآة عاكسة لحياة بلد ومشاعر شعب، أما عن المستهدفين من هذه الكوميديا فهما صنفان: فئة راقدة في سبات عميق تحتاج إلى توعية؛ الفئة الثانية هم المسؤولون عن سبات الفئة الأولى.. وهي تمتاز بدورانها في فلك يعتبر عموماً من الأمور المحرمة، بحيث يتم التعاطي مع تلك المواضيع بشكل فكاهي أو ساخر مع الاحتفاظ بجانب الجدية في الموضوع.

مواضيع الكوميديا السوداء تتضمن الموت، الانتحار، الحرب، الإرهاب، التآمر السياسي، الجنون، العنف الأسري، المخدرات، الجريمة، والإيدز ووو..وذاك ينسحب على الجزائر التي تعيش واقعا مرا تطغى فيه اللاعدالة الاجتماعية وتغييب المعايير.
بات الوضع في الجزائر شبيها بعالم عبثي أصبح فيه الجلد المنفوخ (كرة القدم) مخدرا للعقول، ولم تخل هذه الكرة من مشاهد كوميدية سوداء، مثلما إنها لم تخلو أيضا من العديد من المفارقات، التي تؤدي إلى الحزن، وتدعو أيضا إلى السخرية على ما فيها من أزمات وكوارث.

bull;يثير واقع و آفاق quot;المسرح الحرquot; نقاشا بين العديد من المسرحيين الجزائريين على الرغم من مرور أكثر من عشرين سنة على هذه التجربة التي توجت بإنشاء ما يسمى بـquot;التعاونيات الحرةquot;، ما مدى قابلية تطوير هذه الممارسة؟

-كان لابد من ظهور فكرة المسرح المستقل Independent Theatre أو laquo;المسرح الجادraquo; كما اشتهر بالفرنسية laquo;Theatre Libreraquo; وذلك للخروج من دائرة العروض التقليدية إلى استكتاب الأدباء الشباب وإتاحة الفرص لمواهبهم بالظهور، فالاختلاف في المفاهيم والمقاييس مع المؤسسات العمومية أدى بالمبدعين إلى تكوين تعاونيات جديدة أطلق عليها مسمى laquo;المسرح الحرraquo; هدفه إيجاد إنتاج فني يساهم في إرساء تقاليد مسرح تجريبي خاضع لشروط فنية ومهنية وفكرية، وضمن سياق معرفي بعيدا ً عن النمط السائد الذي يرتكز على عنصر الهواية والمحاكاة السائدة، وكذا النظريات التي تحاول إزاحة مثيلتها أو غريمتها لتتسيد الساحة وتعلن أنها هي صاحبه الريادة والأولى بالبقاء والوجود، وكذا النظريات المسرحية منذ نشأتها كانت تتبلور وفق معطيات المحيط والبيئة وظروف نشأتها، حيث مثلّت جملة حقائق أفرزتها طبيعة المجتمع وأفكاره بعد تبنيها على مستويات أخرى.

bull;يحمّل متابعون ركود المسرح الجزائري إلى الوجوه القديمة المعششة في الإدارات المحلية، ما منظوركم كفنان تمثل الطليعة الشبابية الجديدة هناك؟
- المسرح للأصدق وليس للأسبق، يجب أن يُبنى بالصدق و الأمان والبقاء للأقوى والأصلح.

bull;في بلد يتميز باستيعابه لذاكرة تعبيرية جمالية خاصة، تبقى كثير من الألوان التراثية غائبة عن التوظيف مسرحيا، على غرار quot;إيرادquot;، quot;الهولquot;، quot;الإمزادquot;، quot;أشويقquot; وغيرها، كيف يمكن استيعاب هذه الطبوع ركحيا، وهل من مشاريع بهذا الشأن؟

-حقيقة ينبغي أن يراعي المسرح خصوصيات المجتمع الجزائري وروافد هويته الوطنية ولا ينساق وراء التقليد الأعمى للغرب، كما أنّ مواطنينا يحتاجون إلى قدر من الترفيه والإمتاع والتعريف بتراثهم، لذا يتعين على جمهور المخرجين إجراء دراسات سوسيولوجية لتركيبة المتلقين قبل تقديم أي عمل مسرحي.
لا شك أننا سنخلق كياننا المسرحي لكن شريطة الوثوق في إمكانياتنا نحن وليس في ما عند الآخر، علينا تطوير ما في أيدينا، فنحن خلافا لشعوب أوروبا المعروفة بسكونها، نحن شعب حركة نتكلم بالأفعال، بالإيماء هذه قوتنا فلم لا نطورها؟
المجتمع الجزائري مر بمراحل أقل ما يقال عنها أنها صعبة خصوصا في عشرية تسعينيات القرن الماضي التي عانى خلالها الشعب الجزائري كثيرا، هذه الظروف ـ بحسب رأي ـ يجب أن تراعى في الأعمال المسرحية وصبغها بصبغة الترفيه والإمتاع البعيد عن السذاجة، مع الاشتغال المكثف على التجريب.
في الوطن العربي بصفة عامة مضينا نبحث عن الهوية quot;من نحن؟quot; وليس ثورة على فلسفة ما كما حدث في أوروبا، نحن جزء من كل، نحن تكملة لثقافة الآخر، أخذنا المشعل من عند الآخر لذا كان علينا أن نستمر بهويتنا، وفي رأيي إنّ الهوية تعني التعامل مع ما هو لنا، واقعنا وتحليلنا للواقع الذي نعيشه وهنا يتشكل التجريب.
في مسرحية quot; القايدة حليمة، راعيت قواعد المسرح الساخر الذي يعتمد كثيرا على الحركة والكاريكاتير، أو ما يسمى بـquot;الكتابة الركحيةquot;، والطابع الكوميدي الشعبي الذي يحمل الهوية الجزائرية الخالصة كإدخال فرقة الزرنة والدف على الخشبة.