quot;جه م بي جقال نابيتquot; (لا يخلو وادي من ضبع/ مثل كورد)

في يوم من أيام الربيع المزهو بتفتق براعم الأشجار التي تزين ساحات المدينة وشوارعها الرئيسية، وتهب أنسام شذى الأزهار البرية من وديان الجبال نهض الملا من حافة حوض ماء وسط حوش البيت بعد أن توضأ بإبريق الماء، ثم مشى بخطوات هادئة بطيئة إلى غرفة تعبده، وهو المعروف بزهده وتقواه وعبادة الله، وعندما وطأ أرضية الغرفة فرشها بسجادة الصلاة الحمراء المزركشة بورود صفراء والتي تنهي حافتها الأمامية والخلفية بخيوط متناسقة غليظة سوداء، وقد اعتمر عمامته البيضاء ثم لف خصره بحزام قماش أبيض على خصره، داعب لحيته البيضاء المتدلية على صدره، وابتدأ الصلاة، وانتهى بدعاء خير للمؤمنين وهو يسبح بمسبحته الطويلة السوداء ذات الحبات الصغير، وعلى حين غرة ظهر حفيده الصبي على باب عتبة باب الغرفة، وهو يقول بصوت وديع:
ـ جدي أنا ذاهب إلى رأس الزقاق لأحجز عربة.
لم يلتفت إليه جده، بل رفع يده موافقا، وهو يسبح بمسبحته، ويقرأ الدعاء، فهب الصبي راكضا فرحا إلى نهاية الزقاق كي يحجز عربة لأنه سيرافق جده في رحلة وهذا ما يجلب له البهجة، ففي كل رحلة يكتشف الصبي أسرار وألغاز العالم القديم، مما يجذبه ذلك إلى أشياء لم تكن موجودة في عالم طفولته لكن اليوم عرف مبكرا في الصباح أن جده ينوى الذهاب لزيارة قبر الولي مردي، وهذه عادته أن يزور بين فترة وأخرى قبور الأولياء الصالحين، يقرأ الفاتحة على أرواهم الطاهرة، وكلما يزور قبرا لم يذهب إلى دكانه، فيبقى مغلقا، وهذا ما يعرفه الناس أن الملا أحمد في زيارة قبر ولي.
وقف الصبي في الشارع الكبير نافد الصبر، يؤشر بيده لكل عربة تمر، وكم عربة مرت دون أن تتوقف ! فيبدو أنها كانت تقل ركاب لأن العربة هي الوحيدة في التنقل داخل المدينة. ما لبث الصبي أن هرع ليستقبل عربة قادمة بعد أن تعرف على الحوذي، لكن للأسف، فقد كانت العربة محجوزة، فتحدث معه الصبي وهو يتوقف بعربته:
ـ جدي يريد أن يزور قبر الولي.
فقال الحوذي، سأعود بعد قليل.
ثم صفر، وهز سوطه فوق ظهري الحصانين اللذي يجران العربة، وهو يردد:
ـ دي... دي....
لم يمض وقت طويل فعاد الحوذي بعربته، فهرع الصبي البيت، وهو يقول لاهثا:
ـ العربة جدي...
سارا سوية، وصعدا إلى العربة بعد تبادل السلام مع الحوذي، فسأل الحوذي:
ـ إلى أين وجهتكم يا ملا أحمد.
فقال الملا بصوت وقور:
ـ أريد أن أزور قبر الولي مردي.
تحركت العربة، واهتز سوط الحوذي في الهواء، وتأرجح الجد والحفيد في داخلها، ثم أخذت تبتعد متوجه إلى أطراف المدينة، فتوجهت عينا الحفيد إلى جده، ثم انسل من فمه سؤال عفوي:
ـ جدي.... نحن نذهب إلى قبر الولي دائما، هل كنت تعرفه ؟!
صمت الجد لحظات، وهو يقلب أفكاره، ثم قال بترو بعد أن اجتازت العربة الجسر الحجري الذي يربط طرفي المدينة:
ـ طبعا... فكما تعرف ان محلي في الصوب الكبير قرب بيتنا وكنت اتردد على محل صديقي مردي في سوق قورية.
سحب الجد أنفاسا عميقة، وأردف قائلا:
كانت قبل اعوام احدى القرى الملحقة بمدينة النار والنور ارباخا. بدأت تتطور خلال العقد الاخير خاصة سوقها المعروف بسوق قورية وتقع كما ترى يا بني على الجهة الجنوبية من المدينة ايام كانت هناك في هذه الجهة من المدينة فقط بعض البساتين تمتد الى اطراف المدينة في منطقة تسن تمتلكها احدى السيدات. لكن المنطقة يا بني تطورت حين بنى العثمانيون القشلة الجيش وبعض البنايات الرسمية.
في هذا السوق الكبير بدأ تنافس خاصة في الصوب الكبير حيث محل والدي عند اقطاف القلعة حيث نهر ادهم الفاصل بين الصوبين. حكاية مردي ابو غايب الذي كان في البدء احد صغار التجار يمتلك احد المتاجر في ذلك السوق يبيع المواد الغذائية والمؤن، إذ عرفه العامة ببخله الشديد ولكن الناس كانوا يتقاطرون عليه للشراء، وذلك لرخص أسعاره ولم يكن احد يستطيع منافسته، فكان اهالي المدينة والقرى القريبة من الارياف يقصدونه، فيبتاعون حاجياتهم المنزلية الاساسية ثم يعودون بأدراجهم الى قراهم. شهرته هذه ونجاحه كتاجر جلب عليه الكثير من المصائب، وتكالب عليه السيئ من الناس من حاسدي النعم والحاقدين.
وراح الشيخ الجليل يسرد الاخبار والحكايات التي سمعها حول مردي وقد انتابت الدهشة الصبي، فصار منبهرا يصغي باهتمام الى صوت جده المبحوح اثر تدخينه النرجيلة. فيما كان الحوذي يستمع بتمعن الى الحكاية التي يرويها الملا وهو يطلق صيحة بين الحين والآخر كي يسرع الحصانان في جريهما.
استمر الملا في حديثة قائلا:
كانت هناك احد محلات بيع القماش quot;بزازquot; يجاور محل العبراني مردي، ومردي يا بني ليس باسمه الحقيقي بل كان الناس قد اعتادوا على هذا الاسم، واسمة الحقيقي مردخاي. وقد عرف بائع الاقمشة هذا باسم quot;دندنquot;. كنت ترى في محله أقمشة من الحرير الصيني والكتان وأقمشة قطنية رتبت بإمعان في صفوف جميلة وبألوان زاهية.
كان الرجال يجتمعون عند البزاز دندن ليجلسوا امام المحل، ويحتسوا الشاي ليثرثروا ويتحدثوا بأمور الدين والدنيا ولا يفوتهم اخبار التاجر العبراني مردخاي الذي يحسده الجميع ويكرهونه على بخله الشديد. كان مردخاي قد جاء الى المدينة من الريف ولديه علاقات وثيقة بأبناء الريف حيث بدأ حياته كتاجر يتجول من قرية الى اخرى حاملا مواد على ظهر بغله ليبيعها عن طريق المقايضة بمواد الى اهالي القراى في منطقة كرميان الممتدة من حدود ايران بموازاة تلال حمرين حيث تنتشر العديد من القرى التي ستملكها مجموعة من اغوات الكورد وقسموها بين ابنائهم وأحفادهم. كان هذا اليهودي بارعا في امور التجارة، فجمع مالا وفيرا واشترى محلا في المدينة، وسكن احد دورها القريبة من المحل عند منطقة تعليم تبة على أطراف المدينة.
قال القصاب ممد الاصلع:
ـ مردخاي هذا لم أر مثل بخله أبدا.
فرد عليه عباس الصواف:
ـ أعتقد انه لم يغير ملابسه منذ عشر أعوام اسود في اسود
فابتسم البزار مستخفا:
ـ انت يا عباس تحسده في نعمته لأنه منك استحوذ على جميع مشتريك.
ثم أشار عباس الى حذائه الاحمر اليمني قائلا:
ـ لا بل ان حتى الحذاء الذي ينتعله استخدمه منذ ولادته مثل حذاء ابو القاسم الطنبوري الشهير.
مردخاي هذا وكما ذكرت لك يا بني كان تاجرا عبرانيا أي يدين بدين نبينا موسى عليه الصلاة والسلام يتصف بالبخل على ما اعتاد العامة بوصفه. عندما عرفته كان في العقد الخامس من عمره ذو بشرة سمراء وانف معقوف شعره الاسود يسترسل نازلا على كتفه على شكل جديلتين حاكها حائك ماهر ربما حاكتهما زوجته التي كانت ترافقه ليل نهار وتجلس بجانبه في المحل. كان اللون الاسود اللون الطاغي على ملابسهما وكانا يتعممان وأحيانا يخال الى الناظر اليهما انهما اخوات من ابن وأم واحد. لم يرزقهما الله اولادا فقد كانت زوجته عاقرة لا تلد وكنت ترى حزنا مرفقا بالكثير من العطف في نظراتهم وهم يخاطبون الصغار. كان مردخاي يضع الكحل الاسود على عينيه فترى سوادا على الجفنين ويتعطر بعطر سحري يطغي على رائحة المواد الغذائية في محله ويبقى طويلا في جو المحل.
كان مردخاي يغيب من المدينة مرتين في العام حيث يخرج محملا عدد من البغال بمواد غذائية وأواني نحاسية وبعض الادوات البسيطة كالمناجل والسكاكين ومن ثم يتوجه بالقافلة الى قرى وأرياف كرميان حيث يقايض تلك المواد بمنتجات الفلاحين من قمح وأمور اخرى.
كان وهو ينتقل بين القرى يزور كبار الشيوخ ويلتقي مع اخوانه في الدين ناقلا لهم اخبار المدينة وإخبار القادمة من استانة وإخبار معارفهم وأحبائهم الآخرين. يسكن عندهم ردحا ثم ينتقل الى قرية مجاورة الى ان يصل حدود ايران حيث قرية قرة توو فيبيت ليلة هناك ليعود بادراجه صوب مدينة آرباخا حيث تصيبه رجفة عند بلوغه التلال المحيطة صوب الشمال وهو ينزل من على تل قرة هنجير حيث يشاهد نيران باباكركر الخالدة.
كان مرخاي يتحدث بطلاقة لغات أهل القرى حيث يتكلم الكوردية والتوركمانية والعربية وكان ضمن القلة الذين يستطيعون الكتابة وقد اكتشف القرويون ذلك فباتوا ينتظرون قدومه كي يكتبوا مظالمهم الى الدولة العلية العثمانية ويرسلون عرائضهم عن طريقه الى الحاكم العسكري العثماني في كركوك.
يهرع القرويون اليه حيث يعرفون بأنه لا يرد طلب احد. لكن شاءت الاقدار ان لا يخلف من زوجته سارة التي احبته وبقيت الى جانبه طوال حياته فحسدها الكثيرون خاصة خاور خاتون التي كانت قد ورثت العديد من محلات السوق بعد توفى زوجها الشيخ، فباتت امرأة قوية ظالمة عبوسة تقذف بالناس وتسب مردخاي كلما مرت من امام محله وتقول:
ـ أيها البخيل الأحمق.....
كان لخاور خاتون هذه حكاية مع مردخاي يعرفه بعض الناس في السوق يتهامسون بها ولكنهم يجارونها خوف من بطشها وقد تطردهم من محلاتهم التي يؤجرونها منها. ولكن مخبول الحي يتصايح ويبوح بأسرار الناس فتكيل الخاتون عليه السباب وتضربه وتطرده طرد الكلاب قائلا:
ـ روح منا يا مخبل لو كان عندك عقل جنت تلبس لباس وتتحشم.

فيرفع المجنون حافة دشاشته ويسرع مبتعدا من المكان خوفا من ضرب الصغار له ورميه بالحجارة.
يقول الغارون ان مردخاي قد رفض الزواج بها لسوء لسانها فهرعت الى العجوز الغني نوري غنام المرابي صاحب البيوت والعقارات فتزوجها عرفا.
كان مرخاي في سفراته الى قرى كرميان فيبدأ رحلته من حمزلي، بشير ثم يعرج الى تازه خورماتو وداقوق ولا ينسى ان يزور امام الريح ثم الى طوز خوماتو وقرى افتخار وسليمان بك وانجانه وليلان، ويعرج الى قزل ربات وخانقين وقرها ثم يصل الى قه ره تو ليعود نازلا من كلار الى قه ره هنجير. كانت في سفراته تلك قد تعرف على الكثيرين وله صداقات قوية معهم يؤهله المبيت عندهم او عند اولاده بالتبني يبات حيث اعتاد ومنذ سنين كان قد تبنى احد الصبيان او البنات حين يكتشف بوجود احد اليتامى في القرية. وبقى كاتما على هذا السر لم يبحه لأحد لان دينه كان يأمره بذلك فالخير يفقد بركته اذا تحدث صاحبه عنه. فبقى هذا السر في الكتمان. كان عندما يلتقي بابناءه وبناته بالتبني يغدق عليهم بالخير الكثير ويؤمن حياتهم وعيشتهم. لهذا ربح قلوب القرويين وكأنه ليس ذلك الانسان الذي يصفه اهل كركوك بالبخيل. هؤلاء الصبية كبروا وبدا العديد منهم بفتح محلات في القرى التي يعيشون فيها ويحزمون امرهم بين الحين والآخر قادمين الى آرباخا للتسوق عند ابيهم مردي.
في يوم شتائي بارد جاء الخبر الحزين فقد توفى مردي وجاءه الاجل المحتوم وهو جالس في محله وحيدا بعد ان المت بزوجته وكعة صحية الزمتها البقاء في البيت. انتشر الخبر بسرعة في السوق وتوجه الناس الى محله. جاء الخبر سعيدا على خاور خاتون التي لم تسيطر على نفسها فغردت بهلاهيل وطلبت من احد الصبيان الذين يعملون في المحل توزيع الحامض حلو على المارة والأطفال الذين تجمعوا. ثم توجهت الى محل مردي مع بعض الرجال ودخلت المحل فشاهدت مردي مرميا على وجه على أرضية المحل فرفست الجثة ثم خطبت بالناس قاذفة المتوفى بأغلظ الألفاظ وطلبت منهم حمل الجثة ورميها خارج المدينة في مكان ترمي العامة فيه الاوساخ.
بدأت عينا الصبي تمتلئان بالدموع وهو يستمع الى مصير هذا الرجل الجليل. ولم يتمكن من الحديث وبقى صامتا بينما استرسل الملا في حديثة قائلا:
ـ الله يا ظالم.....
كانت هذه السيدة تصيح بكل صوتها وتصرح بهستيرية قائلة:
لا يوجد مكان لهذا البخيل بيننا ارموا جثته بين جيفة الاوساخ.
كان الرجال الذين قدموا معها اصحاب المحلات التي يؤجرونها منها وبعض الصبية وآخرون من الفضوليين فاخرج الهياج الناس من حلمهم فتحولوا الى وحوش كاسرة تريد الانتقام.
بقيت زوجته الطيبة سارة تبكي مردخاي ليل نهار وأغلقت المحل وتركت كل شئ ورائها.
سأل الحفيد جده:
كيف عاشت هذه السيدة ومن اعالها.
فرد الشيخ:
صبرا يا بني سآتي الى نهاية الحكاية وستعرف كل شيء، الصبر جميل
يقال يا ولدي ان خاور خاتون التي قادت الرعاع الى فعلتهم تلك لم تنم ليلتها فقد كانت تحلم كابوسا بعد اخر وكان الحلم نفسه في كل مرة
كان يأتيها شيخا جليلا بملابس بيضاء ويهزها هزا عنيفا قائلا
ما جئتي إلا بالسوء....إنك ظلمتي رجلا صالحا ووليا من اولياء الرحمن.
ثم يضربها بكفة وتختفي هي من الوجود لتصحا ولتجد ان كل جسدها يرجف والعرق يتصبب منها. فتستغفر الله وتقرأ المعوذتين وتحاول النوم مرة اخرى. لكن الكابوس يعود مرة اخرى، ومرة اخرى فتصحا وتتوضأ وتصلي ركعتين ثم تحاول المنام مرة اخرى لكن الكابوس يعود اقوى واقوى.
في الصباح الباكر تتوجه خاور خاتون الى ساحة السوق وتأخذ معها بعض الرجال ممن يقفون كل صباح في السوق في انتظار من يعطيهم عملا كعمال اجرة كي يتمكنوا من كسب قوت اليوم لهم ولعوائلهم ولأطفالهم.
تصل المكان أي مزابل المدينة وتبحث بين القاذورات لتجد الجثة التي رمتاها بنفسها يوم البارحة وقد حماه الرحمن من أي أذى فتجرده من ذلك المكان وتذهب به الى بيتها وتطلب من الرجال غسله وتكفينه بالحرير وتطيبه ثم تتوجه بالنعش الى بيت مردي.
كانت زوجته المفجوعة تجلس وسط الحوش دون حول ولا قوة وتنحب مرددة:
مرادي انت بدنياي
وفي الاخرة لا ابغي سواك
بت يتما سواك
ينهش الوحوش روحي
يرمونك بالسباب
كنت رحيما
عطوفا
نبيلا لست كسواك
بارك الرحمن فيك
حتى يوم الميعاد
ابكيك اليوم دما
رمد العين وقصر اليد
للظالمين ميعاد
الموت حق كالحياة
كانت سارة خاتون تبكي بحرقة على وفاة زوجها وبما حل به بيد الغوغاء من الناس حين رأت بطرف عينها خاور خاتون وهي تدخل الحوش غضت الطرف عنها طالبة منها بإشارة من يدها مغادرة المكان فورا. لكن الخاتون هوت على يدها لتقبلها طالبة السماح والعفو لما اقترفت يداها.
كم انا نادمه على ما فعلت...استمر كلاهن بالبكاء والنحيب ثم قامت خاور خاتون وطلبت من العمال البدء بالعمل.
حفر الرجال لحدا في وسط الحوش وجلبوا الاحجار لبناء مرقدا حول القبر. امرت الخاتون بمجئ رجل دين لإتمام مراسيم الدفن وفي المساء سجي مردي الثراء. خارج البيت تجمع الناس في السرادق وبدأت بعض النسوة بطهي الطعام في قدور نحاسية كبيرة.
قال الشيخ وهو يتأفف:
يا سبحان مغير القلوب فهؤلاء الذين ارادوا به شرا هم واقفون آسفين على موته... يا سبحان الله. سبحانك يا رب. كلهم لم يناموا ليلتهم تلك، وشاهدوا عين الحلم الكابوس التي شاهدته الخاتون في منامها.
في هذا الأثناء وصل جمع غفير من الرجال والنساء الى بيت مردي يبكون ويتصايحون وتجمعوا حول القبر في دهشة الحاضرين. يندبون فراق والدهم ويبكون ويلطمون خدودهم يقبلون ايادي سارة خاتون وينعتوها بأمهم العزيزة.
هؤلاء يا حفيدي الحبيب كانوا اولاد وبنات مردي بالتبني فقد علموا بوفاة والدهم وقدموا والى المدينة للتعازي وأداء الواجب.
quot;quot;quot;quot;quot;
وقفت العربة امام احدى الدور فطلب الملا من الحوذي انتظارهم لبعض الوقت ثم ترجل نازلا من العربة يمسك بيد الصبي ثم دخل الى بيت كان بابه مشرعا ينفتح مباشرة الى فناء كبير يتوسطها قبر كبير يعلوه في أحد اطرافه عمامة سوداء بينما كان هناك فتحة في احدى جهاتها فيها بعض الشموع. كان المكان رطبا وتفوح منه رائحة التراب. كان القبر موشحا بغطاء أخضر وفي جدار القبر ثقوب فيها باقات من البخور.
جلس الشيخ القرفصاء عند مقدمة القبر وبدأ بقراءة آيات من الذكر الكريم ثم رفع يده عاليا وبدأ بتلاوة دعاء ذكر فيه مناقب الولي وطلب المغفرة للجميع ثم رفع راحيه ماسحا وجهه وشكر الله وخرج من الفناء متوجها الى العربة التي كانت تنتظره في الخارج بينما كان الصبي يلمم بعض الحصى من أرضية الغرفة فرحا.

استدراك:
هذا البيت موجود لحد يومنا هذا في مدينة كركوك و لا يزال مزاره يزوره أبناء المدينة. المزار هو القبر هو الوحيد الذي يقع في حوش احد الدور وليس في المقابر وقد اعتاد اليهود حفر قبورهم في بيوتهم.