كامل الشيرازي من الجزائر: يرى quot;أحمد ماضيquot; رئيس النقابة الجزائرية لناشري الكتب، المعرض الوطني الثامن للكتاب الذي سيُفتتح في الثاني عشر نيسان/إبريل الجاري، خطوة على درب التأسيس الفعلي لصناعة حقيقية للكتاب، ويركّز ماضي في مقابلة خاصة بــإيلاف على أهمية الاستثمار الثقافي كخيار إستراتيجي له أولويته جزائريا ومغاربيا.
bull;تنتظم خلال الفترة بين 12 و21 من نيسان/أبريل الجاري بالجزائر، فعاليات المعرض الوطني للكتاب، ما الجديد الذي سيحمله هذا الموعد وهل من إضافة تراهنون عليها لتسويق ثقافة القراءة بين مواطنيكم؟
-إنّ المعرض الوطني للكتاب في طبعته الثامنة، يأتي في ظروف متميزة كون الجزائر مقبلة على انتخابات تشريعية مهمة، وهي أيضا تستعد لاستقبال الذكرى الخمسين للاستقلال، ولهذا أردنا القول بأنّ التحولات السياسية والمواعيد التاريخية لأي بلد، يجب أن تواكبها الثقافة والمعرفة، وإلا كانت عواصف وكوارث على الأمة، زيادة على ذلك فإن رسالتنا تتمثل في كون الحاجة إلى الكتاب والمعرفة، لا يجب تجاهلها في مثل هذه المناسبات، كما أنه الضروري أن نعطي دفعا للكتاب وتوسيع حضوره في الساحتين الاجتماعية والثقافية.
من جهة ثانية فإن دور النشر الجزائرية بحاجة ماسة إلى المعرض الوطني، كونه المناسبة الوحيدة التي تلتقي فيها، فتقريبا انعدمت معارض الكتاب الحقيقية والجادة في الجزائر، فمن جهة المعرض فرصة للقارئ والنشر الجزائري الذي يسعى لتقديم آخر إصداراته إلى هذا القارئ، ومن جهة أخرى فهو مناسبة لالتقاء الناشرين، وفتح مجالات النقاش بينهم، فيما يتعلق بواقع ومستقبل حركة النشر الجزائرية، وبالذات في هذه الظروف بالتحديد.
كما أن المعرض سيكون فضاءا مهما للنشاطات الثقافية والفكرية، من محاضرات وندوات وحلقات نقاش مفتوحة، تشمل العديد من المواضيع التاريخية والمسرحية والإعلامية والقانونية والاقتصادية وغيرها، وسيكون ضيف المعرض الإعلامي الكبير quot;بول بالتاquot;، كما سيكون القارئ على موعد مع من خلال احتفائيات البيع بالتوقيع، أين يلتقي القارئ والمؤلف مباشرة، وهي مناسبات تفتح النقاش وتعرّف أكثر على المؤلف وتقرّبه من القارئ، زيادة على نشاطات موجهة للأطفال، لتأسيس ثقافة المطالعة والقراءة عند الأجيال الجديدة.
bull;بعد نشركم كتاب quot;الفتنة الصغرى .. الفتوى الفقهية في زمن الثورات العربيةquot;، هل تحضرون لسلسلة كتب أخرى تقارب ما يسمى بـquot;الربيع العربيquot;؟ وماذا عن جديد دار الحكمة التي تديرونها خلال الفترة القادمة؟
-إنّ دار الحكمة تجاوزت عقدها الثالث، وقد حققت الكثير من الانجازات وأهم ما تعتبره الدار انجازا مهما، تقديمها للمشهد الثقافي الجزائري جيلا جديدا من الكتاب والمثقفين الذين قدموا الكثير من الفكر والإبداع، وكانت الدار سببا في تزويد المشهد بهم، كما أنها تعتمد مقاييس الجودة والقيم الإنسانية والتفكير الحر والالتزام بالجمال والخير في النشر، دون اشتراطات إيديولوجية أو تجارية، فهي تعتبر نفسها بيت الكتّاب والمثقفين، وهي تتعامل مع كل الكتاب، فكما نشرت أعمال المرحوم الطاهر وطار ورشيد بوجدرة والحبيب السايح، طبعت لغيرهم من الشباب والقائمة طويلة.
أما بخصوص ما يسمى بالربيع العربي فإن كتاب quot; الفتنة الصغرى - الفتوى الفقهية في زمن الثورات العربيةquot;، هو أول دراسة جزائرية متخصصة تتناول القضية الدينية في الثورات العربية، ومحمد بغداد من الأسماء الواعدة، التي أثبتت جدارتها في الساحة من خلال دراسات مهمة مثل quot;الإعلام الدينيquot;، quot;حركة الإعلام الثقافيquot; وغيرها من الدراسات المهمة التي لها فضلها وإضافتها في المشهد الثقافي الجزائري، ودار الحكمة لها مشروع يواكب التطورات الحاصلة في الساحة، من خلال مرافقتها باستثمار أصحاب المبادرات من الإعلاميين والمثقفين من مختلف الأجيال، ومن كل التيارات.
كما ساهمت الدار في التعريف بالثقافة الجزائرية، وكان في مقدمتها الأدب الأمازيغي منها أعمال الشاعر الامازيغي الكبير quot;سي محند أومحندquot;وغيره، كما تراهن دار الحكمة على إبداعات الشباب في مختلف المجالات من الأدب إلى الدراسات إلى الشعر، لأن الأجيال الجديدة هي من ستواصل إبداعات الرواد الأوائل.
نراهن على الترجمة من أجل المساهمة في الحوار الحضاري وتداول المعرفة والتجارب الإنسانية، وفي هذا الإطار بين آخر ما ترجمته الدار، كتابquot;التعذيب من الجزائر إلى بغدادquot;، للكاتبة الجزائرية المقيمة بالولايات المتحدة quot;مغنية لزرقquot; زيادة على عشرات الترجمات الأخرى، ونستعد لترجمة الكثير من الأعمال المهمة في الأيام القادمة.
bull;رسم متعاملون ومراقبون صورة سوداوية لراهن منظومة النشر في الجزائر، ما المشكلات التي تعانيها حقيقة، وهل من خطط للارتفاع بالقطاع والخروج عن النمطي والسائد؟
-يعاني قطاع النشر في الجزائر مجموعة كبيرة من المشاكل، وفي مقدمتها غياب سياسة وطنية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار الرهان الثقافي والمعرفي ودوره في التنمية الوطنية، وإن كانت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عرفت انهيار مؤسسات الطباعة والنشر الكبرى، إلا أنّه في السنوات الأخيرة عرف قطاع النشر في الجزائر نهضة نوعية، بفضل تدخل الدولة وتمويلها للقطاع، وبالذات برامج دعم الكتاب والعديد من المناسبات الثقافية مثل عاصمة الثقافة العربية وعاصمة الثقافة الإسلامية والمهرجان الثقافي الإفريقي، وإطلاق مشروع مكتبة في كل بلدية.
إلاّ أنّ هذه المشاريع الضخمة تم إجهاضها من خلال التسيير العشوائي من طرف الإدارة التي لم تتمكن من الارتفاع إلى أهدافها السامية، وانتهى الأمر إلى فشل ذريع، وكأننا لم نفعل شيئا، بالرغم من آلاف الكتب التي تم طبعها وبقيت مكدسة، والتي عجزت الإدارة الوصية على إيصالها للقارئ الجزائري.
في المقابل ارتفع عدد دور النشر في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، إذ يتجاوز عددها اليوم أكثر من ثلاثمائة دار نشر جزائرية، وهي تسعى بكل ما لديها من إمكانيات إلى تأسيس حقيقي لحركة نشر جزائرية قوية، لأنّ الهدف الذي أسعى إليه منذ توليت رئاسة نقابة الناشرين، هو التأسيس الفعلي لصناعة حقيقية للكتاب، تساهم في بناء الجزائر معرفيا وثقافيا، سيما وأنّ سوق الكتاب في منطقة المغرب العربي تربو قيمتها عن الثلاثمائة مليون دولار، وعدد السكان لا يتجاوز التسعين مليون نسمة، وهناك فرق شاسع بين هذه الأرقام وبين ما يُنشر من كتب في المنطقة.
من هذا المنطلق نجتهد في حل أكبر مشكلة تواجه حركة النشر في الجزائر، والتي تكمن في انعدام وجود شركة للتوزيع، فالكتاب الجزائري لا يتحرك سوى في عشر ولايات، ولا يصل إلى مواطنينا في الولايات الداخلية، ولهذا نخطط لإيجاد مشروع توزيع ناجح يمكّن الكتاب من الوصول إلى كل مناطق الجزائر.
bull;يذهب باحثون إلى أنّ النشر الالكتروني يهدد جديا نظيره الكلاسيكي، ألا تخشون أن يؤدي تزايد رواج الكتب الرقمية إلى كساد الكتب الورقية، ما مدى تأثر الناشرين في الجزائر بهذا العامل؟
-إنّ هذا الموضوع لا يخيفنا، وإن وُجد فنحن نرحب به، لأننا كناشرين يهمنا توفير الكتاب للقارئ مهما كان شكله، المهم أن يتوفر الكتاب بمقاييس حديثة ومضامين إنسانية، حتى يساهم في الارتفاع بالمستوى الأدبي والمعرفي للإنسان.
من جهة ثانية، فإنّ حركة النشر الالكتروني ما تزال بعيدة في أوطاننا، كون المواطن ما يزال يألف القراءة ويودّ تلمّس الكتاب بيديه، لأن ثقافة المعرفة ما تزال قائمة على التلقي المباشر، إضافة إلى أنّ ثورة الإلكترون لا تزال في بدايتها في أوطاننا العربية، وتوفير خدماتها ما يزال بعيد المنال، فالمؤسسات الاقتصادية والصناعية وغيرها تعاني تخلفا كبيرا في هذا المجال، إضافة إلى أن تدفق الأنترنيت يبقى ضعيفا في مستوى التواصل العادي والخدماتي، فما بالكم بتوفرها في مجالات اقتصادية وثقافية.
مع هذا، فإنّ هدفنا في النقابة أن ندفع الناشرين إلى التفاعل مع الإمكانيات التكنولوجية والالكترونية، من أجل التعريف بالكتاب وتوفيره على الأقل في المجالات الإعلامية، والتواصل مع الناشرين خارج الحدود زيادة على تفاعل الكتّاب والمثقفين والمبدعين.
bull;تستعد الجزائر خلال ثلاثة أشهر للاحتفال باليوبيل الفضي لاستقلالها في الخامس تموز/يوليو 1962، ماذا تنوون تقديمه لقراء متعطشين للتعرف على أشواط لا تزال غير معروفة في ذاكرة بلادهم الجمعية؟
-إنّ الكتاب التاريخي شكّل من البداية مهمة تاريخية، وهنا أتحدث عن دار الحكمة التي تجاوزت عقد الثالث، والتي كانت من بدايتها تعمل على نشر الكتاب التاريخي وفي مختلف المجالات، بداية من المذكرات إلى الشهادات إلى الأعمال الأدبية، وأيضا الترجمة والتعريب.
أما بخصوص خمسينية الاستقلال، فقد أعدّت دار الحكمة وغيرها من دور النشر الجزائرية، برنامجا مكثفا شقه الأول يتفاعل مع برنامج الدولة الجزائرية، ويتضمن نشر عدد معتبر من الكتب وترجمة عدد آخر مهم من أمهات الكتب، والتي تتناول القضايا التاريخية وتوضيح التاريخ الجزائري في مختلف حقبه المتوالية، وهذا البرنامج يضاف إلى برامج سابقة دعّمت بها الدولة قطاع النشر والكتاب، ونتمنى أن يؤخذ بعين الاعتبار والأهمية إلى يأتي بها في عيد الثورة الجزائرية.
أما الجانب الآخر، فيشمل برامج دور النشر التي تسعى إلى نشر ما يمكنها من الكتب، مساهمة منها في التفاعل مع الذكرى، إننا نود أن تكون هذه المناسبة فرصة لانطلاق صناعة حقيقية للكتاب تكون بديلا عن الثروات النفطية، كون تأسيس صناعة الكتاب في الجزائر بإمكانها توفير مناصب العمل، وإنتاج الثروة، وقبل ذلك وبعده الإسهام في ترقية الإنسان الجزائري، ومساعدته على التأقلم مع عالم المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، حتى تكون صناعة الكتاب الدافع الأهم في دخول الجزائر إلى فضاء مجتمعات المعرفة.
bull;لكسر تراجع المقروئية في الجزائر إلى أدنى مستوياتها، أطلقت السلطات هناك توليفة القوافل الثقافية وكذا مهرجان القراءة في احتفال، ما مدى قدرة هكذا أسلوب على ترغيب الجزائريين في القراءة، وما الذي تتصورونه كمخرج؟
-أنا اختلف مع من يقول أن مستوى المقروئية متدهور، وأنّ الإنسان الجزائري لا يقرأ، والدليل بسيط ويمكن التوقف عنده كمؤشر، ويتمثل في الصحف اليومية فقد فاق سحبها اليومي المليون نسخة، وهي تتكاثر يوميا أين وصلت إلى أكثر من سبعين جريدة، وكلها تجد قرائها، وإن كان الأمر بشكل متباين، والسؤال المهم هل وفرنا الكتاب للجزائري، حتى نقول:quot;إنه لا يقرأ؟.
إنّ المكتبات تتناقص يوميا وتتحول إلى محلات الأكل السريع وغيرها من السلع، زيادة على أنّ مشاريع الدولة لدعم الكتاب لم تجد طريقها إلى التنفيذ واقعيا وميدانيا، والكتب التي طبعت ما تزال في المخازن، ولم نشاهد يوما تجاوب الحكومة مع ملف النشر والكتاب، فالكثير من القوانين تقف عقبة في طريق تطوير حركة النشر.
رفعنا في النقابة شعار quot;كتاب في كل يد ومكتبة في كل بيتquot;، كما طالبنا بتوفير الحكومة محلا من المحلات المخصصة للشباب في البلديات للمكتبة، تكون في كل حي من الأحياء الشعبية، زيادة على مشاريع أخرى تتعلق بالتوزيع وترغيب الشباب في تعلم فنون النشر وتقنياته.
نحن مقبلون على إستراتيجية جديدة نعمل فيها على إيصال الكتاب إلى كل مناطق الوطن، عنوان هذه الإستراتيجية quot;الكتاب يبحث عن القارئquot; وليس quot;القارئ من يبحث عن الكتابquot; ، لأننا في عصر المنافسة وأساليب التسويق الحديثة، زيادة على مبادرات شخصية أخرى متعلقة بكل دار نشر، وعلى سبيل المثل أطلقت دار الحكمة أول مكتبة متنقلة في الجزائر، تعمل على إيصال الكتاب إلى الأحياء الشعبية والمناطق المعزولة، وتدخل إلى الأسواق وغيرها من المناطق المحرومة من الكتاب.
bull;وجهتم رسالة إلى المترشحين للانتخابات البرلمانية الجزائرية تطالبون فيها باهتمام أكبر بالكتاب، ما هي أهدافكم من الخطوة؟
-إنّ هذه الرسالة التي أخذت عنوان quot;نداء الناشرين إلى نواب الأمةquot;، أردناها مبادرة أولى في تاريخ الانتخابات الجزائرية، نوجهها إلى أعضاء البرلمان القادم، والذين يُفترض فيهم أن يتولوا عملية التشريع، لنقول لهم أنّ العملية السياسية لا يجب أن تتجاهلها الأحزاب السياسية ولا الحكومات.
عانت الثقافة في الجزائر كثيرا من تجاهل الحكومات والمؤسسات السياسية وقد حان الوقت ليكون السياسي على دراية بالحاجات الإستراتيجية للأمة، فالكتاب مثل الماء والخبز والدواء، فهو في خانة الأمن القومي الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار، وهي محاولة من النقابة لدفع الساسة وصناع القرار في الجزائر، إلى إعادة الاعتبار للثقافة عموما، والكتاب على وجه الخصوص.
هذه المبادرة، نريدها أن تكون أرضية نقاش وجدل أثناء الحملة الانتخابية، وبعدها، لنبلغ رسالة مفادها أنّ الاستثمار الثقافي، أهم بكثير من العديد من المشاريع الاستثمارية، التي لم تتمكن الجزائر من جني ثمارها، وقد حان الوقت ليكون الناشر والمؤلف من الذين يسمع قولهم، ويؤخذ برأيهم في تقرير مصير الشعوب.












التعليقات