يوسف يلدا ndash; سيدني: صدر مؤخراً كتاب يتناول فيه المؤلف أندريه مينوز حياة المخرج السينمائي الإيطالي فديريكو فيلليني السياسية المشوبة بالغموض وعدم الإستقامة. ومن المعروف أن علاقة متينة كانت تربط بينه وبين جوليو أندريوتي المولع بشكسبير.
قال السينمائي الإيطالي الكبير إيتوري سكولا quot;أن فديريكو فيلليني، الذي لم يكن يبدو عليه، كان من أكثر المخرجين إيغالاً في السياسةquot;. وبالفعل، لم تصنف الأفلام التي أنجزها فيلليني على أنها سياسية أبداً، ولم يصرح مخرج quot;الحياة الحلوة ndash; 1960quot; بصورة علنية عن أيديولوجيته، أو علاقاته مع كبار رجال السياسة. ومع ذلك، أن كتاباً صدر مؤخراً في إيطاليا يثبت عكس ذلك، ويكشف عن العلاقة المميّزة، وغير المعروفة حتى الآن، التي كانت تربط المخرج السينمائي بجوليو أندريوتي لسنوات عديدة.
ويؤكد أندريه مينوز، أستاذ تاريخ السينما في جامعة quot;لا سابينزا دي روماquot;، ومؤلف كتاب quot;رحلة الى نهاية إيطاليا. فيلليني سياسيquot;، على أن quot;فلليني كان من أكثر المخرجين الإيطاليين إيغالاً في السياسة، لأنه كان يعمل على تحويل الخطاب السياسي الى عالم الحلم، والخيال، دون أن يتحدث مباشرة عن السياسة. وخير مثالٍ على ذلك، فيلم quot;الحياة الحلوةquot;، الذي أضحى اليوم رمزاً للجمال، والموضة، ولكنه إعتُبر حينها من الأفلام السياسية quot;لأنه كان بمثابة التنديد ضد التحديث، وفرحة معجزة الإقتصاد الإيطاليquot;، وكان الفيلم أثار ضجة كبيرة في وقتها.
وطبقاً للمئات من الكتب التي بحثت في سيرته الذاتية، وعلى مدى أعوام طويلة، فأن فيلليني كان يقف الى جانب الجمهوريين والإشتراكيين على السواء. ولكنه لم يصوّت إطلاقاً للحزب الشيوعي، رغم وقوفه في الصف الأول، أثناء تشييع إنريكو بيرلينغي، السكرتير العام للحزب الشيوعي الإيطالي، وفي العام 1976، أقرّ بتصويته لصالح الحزب الديمقراطي المسيحي.
يشير مينوز في كتابه الى أن quot;فيلليني لم يكن يساير السياسيين بسبب من قناعاته السياسية، بل من أجل مصالحه الخاصة، ولإبعاد أفلامه عن أعين الرقابةquot;.
ولعلّ رغبته في الحفاظ على أفلامه، كانت السبب في أن يفكر فيلليني في التقرّب من جوليو أندريوتي. ففي عام 1978 يقدم المخرج فيلمه quot;أوركسترا ريهيرسلquot;. أثار الفيلم جدالاً حاداً، وقوبل بنقدٍ لاذعٍ من قبل اليسار. فما كان من أندريوتي، الذي كان رئيساً للوزراء في ذلك الوقت، إلاً أن يكتب مقالة يدافع فيها عن الفيلم، ويوجه، ويوجه في ذات الوقت، المديح إلى فيلليني. وكتب هذا الأخير بدوره لأندريوتي، كلمات تنمّ عن الشكر لكل ما قاله عنه. ومنذ ذلك الحين ترسخت علاقة متينة بينهما إمتدت لأكثر من 15 عاماً.
وبمناسبة منحه السعفة الذهبية، خلال مهرجان البندقية، يكتب فيلليني الى أندريوتي قائلاً أنه سوف لن يذهب لإستلام الجائزة إن لم يحضر هو بنفسه، ليسلّمها له شخصياً، الأمر الذي إستجاب له أندريوتي. ولكن، ما الذي كان يراه المخرج السينمائي الكبير في جوليو أدريوتي، ليكنّ له كل ذلك الإعجاب؟
بالنسبة لفيلليني، لم يكن أندريوتي مجرد شخصية سياسية، كما يؤكد مينوز، بل quot;شخصية شكسبيرية خرجت من محكمة عطيل. كان مفتوناً بالغموض، والسلطة، وهالة اللاوضوح التي كانت تحيط به، وكان يقول أن له عينين صغيرتين، يبدو وكأنه آتٍ من كوكب آخرquot;.
في حين كان أندريوتي يرى في فيلليني خير منتجٍ للتصدير. إذ أن الصورة التي كان المخرج السينمائي يعكسها للخارج، لم يكن لها علاقة بإيطاليا الفقيرة، أو الفاسدة التي كانت تقدمها الواقعية الجديدة، والسينما السياسية، في ذلك الحين. ويقول مؤلف الكتاب أيضاً quot;أن أندريوتي كان قد أدرك بأن فيلليني إستطاع أن يقول الكثير عن الأيديولوجية الإيطالية، دون الحديث عن السياسة بصورة مباشرة. كان يمتلك لغة مموهة، هي اللغة ذاتها التي كان يملكها أندريوتي: يعرف جيداً كيف يتحدث عن الأشياء بدقة، دون أن يتكلم عنها بصورة واضحة. وفي هذا كانا متشابهان جداًquot;.
وقد إستمرت العلاقة بين أندريوتي وفيلليني، حتى وفاة الأخير عام 1993. ويمكن أن نقرا بين ثنايا الرسائل كيف كانا يتبادلان الإعجاب فيما بينهما. وقبل رحيله بقليل، قام فيلليني بإهداء صورة كاريكاتيرية لأندريوتي مرتدياً زي البابا، وكتب له quot;على الرغم من أن هذا المنصب ليس شاغراً، يحدوني الأمل في أن عاجلاً أم آجلاً، تتمكن من تحقيق حلمكquot;.
- آخر تحديث :












التعليقات