بقلم خيري منصور

هل ثمة متسع في هذا الضجيج والتسابق الماراثوني على أشلاء بلاد وعباد، للحظة عناق مع صديق اختبر حتى الآن مرتين على الأقل في وجدانه القومي وضميره الابداعي.. ففاز بامتياز دونه الجوائز كلها؟؟
في صباه كان منفاه بخلافنا جميعاً، منْفى طوعياً، ولم يكن يبحث عن العودة الى مسقط رأس، بل عن مسقط وعي وروح، والآن أتخيله مسجى في غرفة مجاورة لغرفة زوجته في أحد مستشفيات لندن، حيث لا أهل إلا هِنْد ومن أنجبت، صبي وصبية وسنبلة مضفورة من حزن الجنوب اللبناني النبيل، وأشواق أردنية مفرقية. منذ أعوام وأنا اتابع انشغال الصديق الشاعر الروائي الشارد أمجد ناصر بزوجته التي قاومت المرض ببسالة حتى انتصرت، وكان أمجد توأم هذا الانتصار عندما فتح خاصرته بأصابعه التي كتبت وشهدت وصافحت وصفعت، كي يقدم إحدى كليتيه لخاصرة الزوجة التي عانت أعواماً من فشل كلوي، بينما ينعم الآخرون بنجاح كلوي وفشل أخلاقي، ولو لم يكن أمجد ناصر صديقاً منذ أن لثغنا معاً بهذه الأبجدية المستباحة لقلت ما هو أكثر وأبعد.. فهو لم يهرب أو يتهرب من تلك اللحظة التي كان عليه فيها أن يمتحن الوفاء والايثار، في زمن ينتظر فيه أرباب البيوت من الرقيق الذكوري زوجاتهم كي يغادرن العالم، ليرمموا نرجسيات جريحة في أقاصي الخنوثة السياسية والحيض الثقافي.

كنت في القاهرة على اتصال بأمجد، وهو يبحث عن مخرج طبي لتلك الأزمة، واتصلت مع عدد من الأصدقاء المشتركين بمستشفيات ومنها مركز المنصورة الشهير، لكن ما عجزت عنه لندن قد يكون من الصعب أن ينجح في مستشفيات العرب، لهذا لم يبق أمام أمجد الا ان يكشف عن خاصرته للطبيب ويقدم احدى كليتيه بدلاً من وردة حمراء في عيد فالنتين ذي الورود عديمة الرائحة والمصبوغة بحبر آخر.
هل تجاسرت على هذا الضجيج والزحام الأعمى والسباق الماراثوني على ما تبقى من أشلاء من أجل لحظة عناق هي جملة اعتراضية خضراء في كتاب الرماد؟
لقد تبرع آخرون يستحقون الانحناء بأعضاء لآبائهم أو أبنائهم، لكن نادراً ما فعلوا ذلك من أجل زوجاتهم فهن مجرد أسيرات في بيوت الدمى كما قال إبسن انها واحدة من قصائد أمجد ناصر التي لا يتسع لها كتاب أو جريدة، ولا يجرؤ ناقد على الاقتراب منها، كتبها هذه المرة بجسده وبدمه لسيدة كانت منذ عدة عقود توأم الترحال والاقامة، فأمجد ليس أردنياً فقط، وكذلك هند، فهي ليست لبنانية فقط، انهما عربيان وانسانان كابدا معاً وتنقلا عبر عدة منافي معاً، شأن كل من تمردوا على ان يكونوا ضحايا الجغرافيا ليصبحوا من سادة التاريخ.

أتخيلهما في غرفتين متجاورتين في مستشفى بعيد، حيث لا مُعين لهما غير من أنجبا وما اندلع من ذكريات، وكأنهما يزفان مرة أخرى، وبخلاف كل الأعراس التقليدية فإن هذا الزفاف يحف به صبي وصبية من صلب العروسين.

أيحق لي أن أبارك لهما بالزفاف الثاني؟ أم أن الحب ممنوع في زمن الكراهية والنميمة والتحاسد والاستعداء؟

ان أزواجاً أقل ضرورة منك يا أمجد يتهربون مما أقدمت عليه، وعلى من لم يصدق حتى عبارة واحدة في روايتك أو أشعارك وكل ما كتبت ان يصدق الآن بأن من كان وفياً لوطنه وتاريخه وأنبل القضايا في تاريخ أمته سيكون حتماً وفياً لزوجته.
فمبارك يا صديقي زفافكما الثاني رغم غياب الأهل والمدعوين!

الدستور الاردنية