بقليل من البكاء لن يلاحظ أحدٌ الفرق. نعم، بقليل من البكاء والتجسيد المبالغ فيه ستجعلون من الجمهور قنابل لا شعورية.
الناس لا يشاهدون الألم في الشوارع والزوايا المظلمة.

1
مخرجو العالم يهدهم الغرور. لو سألني أحدهم لأخبرته أنني كتبتُ عن حاكم يحتقر العقل. وفي نهاية عرضه المسرحي سيضع الحاكم العسكريين في المقدمة ثم التجار ثم أصحاب الحرف ثم الفراغ..

2
يقول أخي إن لقيطة طيبة حدثته عن أظافر حبيبها المنزوعة، وعن موت جثمانها كل مرّة بالحسرة.

3
من عادة النازحين من قرى القحط أن يجيئوا بأغنامهم ومواشيهم.
وغريبٌ، منذ أن نزل قريتنا وهو مريض.
لم يكن عجوزاً، لكن الحياة القاسية هدته.

4
جميع الحكايات تدور حول إنسان بحث عن الحقيقة في مكان بعيدٍ جدّا. لم يدرك ضياعه إلا في ليلة ميلاده الأولى.
يولد كل شيء كفوهةِ بندقية، عفوي ولكنه قاتل.. أن تتركِ عقلك جانباً وأن تأتي بجسدك فقط. إنه أمر لم يقوَ على فعله الآخرون.

5
الانسياق وراء المصوّبين فوهات بنادقهم بعبث إلى الحقيقة. هذا ما يحدث تماماً قبل بدء الضياع الأول، أو الضياع البدائي حين يكتشفُ أحدهم أنه هو الوحيد الذي نجا من حادثة سقوط بناية لم يرها في حياته.

6
أنا أيضاً تخليتُ عن طريقة الفلاسفة في التفكير، تخليتُ عن الدهشة، وبالتالي عن السؤال!. إن عدم ثقتي في وجود الإجابات جعلني أخاف ولوج بوابة السؤال، هذا هو سر الحدث الجديد الذي أعاق جسدي؛ أن تلقيه في مصير جماعي مع أجساد أخرى، ثم تُفاجأ بانسحابه وحيداً.
حياة بطرق كثيرة، ليس من بينها سوى طريقة واحدة يعرفها قاطنو مدينتنا هذه، ولا يعترفون بسواها، الفناء الآن هو الفكرة البدائية كما يعرفها هذا الشخص. حين نحب حياتنا نشعر بوطأة وجود الشتائم على الأرض، في هيئة حصار أو إدانة. الشتائم تحمينا. نحاول التصالح مع وهمٍ كهذا القبح الذي نراه في الشتائم، ننساق قليلا ثم نكوّن أفكارنا الخاصة للتفوق على هذا الوجع، نتآلف، نبحر في لجة عهد آدميٍ خاص، لكن لا فائدة. مدينة الإنسان ضدّ أي شيء خاص، إنها مدينة الحساب الدنيوي القاسي، العقول التي استمرأتْ قيد الرّقيب، بعد أن فقدتْ النور، أو طمسته.

7
أرفض الأغنية، كحقد قديم متلاطم الأمواج أرفض الجمال، وأطمس بهذا حقاً ربما كان لا وجود له إلا في حفيف الأشجار، أو أصوات الحيوانات!.

8
أخبرتكم بأمنياتي جميعها، أن تتهدل قصائدكم، وأن تتبرأ منكم الأمهات، وأن لا تجدوا دفئا يناسب غواياتكم، بل الجحيم كاملاً كما لا تشتهون.

9
من منّا ضل طريقه إلى الحزن، جميعنا ننشد المعرفة، والمعرفة حزن ينمو في فؤاد صاحبه حتى تنفذ جذوره من أطرافه ممزقة ما كان عليه. أنتم الآن من يتناسى عالم المثال الذي تواتر الأنبياء على رسمه، الجمال الذي جعلوه طريقاً وحيدة إلى الخلاص. لم يعجبكم ذلك ودأبتم على رصف طرقكم بمختلف المحرمات، ثم انغمستم في فكرة المسير إلى الخلاص.

10
انساق شهيد وراء فكرة الخلاص، حتى وجد ضياعه قاب أسى، انساق وحيداً ككثبان الصحراء المتحركة فابتلع أناشيده، وظهرت تقرحات الغاضبين على جبينه فشتم طريقته في الانسياق إلى ما يريده له أعداء الأنبياء من تجاهل الحكمة، أو عالم المثال!.

11
لا أحد يستطيع العمل ضد الطبيعة، ضد أغاني الناس وأفراحهم وأحزانهم، أو ضد غرائزهم المختبئة على هيئة كمون لا موت، فيتآلفون، وينشرون على البنّي لون العشب رغم لجاجة العادة.

12
من يداهن مالكي الإجابات تُكتبُ له السعادة مثنى.

13
من خلال قلوبهم الشفافة يرى الأطفال العالم الأوسع، يحبون ما هم عليه، ويرتجفون لكل كذب وافتراء وخديعة، إنهم ليسوا بحاجة إلى فعل ما يفعله الفلاسفة حين يهمون بتطهير عقولهم وتنقيتها للبدء في دراسة طرق الاحتيال على شرور هي الجهل في المحصِّلة.

14
سأكتشف أن جميع حدائق الإجابات الجاهزة ما هي إلا شكل واحد منسوخ من الطمأنينة الزائفة كالأفيون.
لاحقاً، كانت خيبتي كبيرة. كطبيعة عواطف الأنبياء التي تولِّد السحر في المؤمنين. ما كنتُه هو ما اكتشفتُه بنفسي، أنا أشد الناس شبهاً بي، أما من تسوروا حدائق أصحاب الإحالات الناجزة فخلتهم، وأنا انظر من خلال السور، ظلاماً يشبه بعضه بعضاً.
يهتكون قلوب أطفالهم بالخيبة، حتى بعد عشرين عاماً من مولدهم. تموتُ أميرتهم النائمة، أو تُقتلُ غيلة في صور شتَّى، وكمسار جديد يضمنون لها العودة في خيالاتهم القاصرة فتعود على هيئة خديعة مرَّة الطعم.

15
صنعتْ منّي النميمة وجهاً آخر، يتفقد كل ما حوله ويسأل نفسه: هل أشبههم؟. وحين أتوقف لاهثاً يضع مقتولٌ يديه على عقله مباشرة فيتخيل أنه ينصهر حتى يصبح محروقاً كالصحراء التي ما بذر أحد فيها شيئا، تركوها لليأس فأنبتت أغانيها البكر، ليستعمروها من جديد. كان ألمه أكبر من جمال طريقه إلى اغتراف الأحزان الخاصة التي ستشكّل خطواته. لا شيء سوى النميمة ونميمة النميمة. أي الحب بشكل آخر وهو ما لا يفقهه أحد. قال الرجل: هذا ما يشبهني. ثم استسلم ليأسه من جديد فأنبت فاستعمروه فقال ثم استسلم ليأسه فأنبت فاستعمروه، فعاود القول.
كان على الرجل أن يقول، وإن لم يصدقه الأطفال، الأمر يشبه الفلاسفة إذ يعودون لطفولتهم ويخبروننا عن أسوأ ما فينا عندما نتشابه إلا مع مالكي الإجابات المترهلة، الأقوياء بمكرهم، الضعفاء دائما عندما يمشون وحيدين في طريق المعرفة.

16
الحب ثم المعرفة، هذا كل ما قاله الرجل!. اكتشف أن لصوته بديلاً يقبع هناك في الأبدية، إذا فزع الناس فسيتقدم بثبات لأنه كره أن يشبههم، وسيقول ما لديه كاملاً: الحب ثم المعرفة. لا سبيل إلى الإيمان بالتواضع أو ادعاء الشفقة على جمع غفير من الناس كأنهم يتناسلون من نار واحدة ويختفون في الهواء، في اللاشيء فيصبحون احتمالاً لكل شيء إلا أن يكونوا أنفسهم!.

17
ملعون هوس الإنسان بالظن.

18
كنتُ كرجل لديه يقين خاص حول انفراج وشيك لذريعة جاهلة تلف مكاناً مظلماً، آمن بذلك كثيراً، ربما أكثر مما يجب، وحين حاصره المؤمنون بأن الظلام هو قدر الإنسان، واقتادوه إلى مصيره المؤلم كان يتساءل عن فحوى يقينه.
-من أجل من كان يفتش عن انفراج وشيك لذرائع الجهل؟.
خاطب ابنه قائلاً:
يا بُني، انظر إلى أبيك الذي طلب الحريَّة أكثر ففقدها أكثر. طلب النور أكثر فأصابه العماء أكثر.

19
الشعراء يزيدون العالم غموضاً ويجعلونه قابلاً للتأويل والفتنة أكثر مما هو عليه، بينما يتقصد الروائيون جعله مفهوماً وكئيباً.
من أجل مَن تموت؟..
(الناس في بلادي يلقون بعقولهم في الظلام خوف العين أو الحسد).
أحذّركم:
لا تصلبوا أغانيكم في الناموس حتى لا تيبسَ ثم تتفتَّتُ كحلمِ الإنسان الفقير العاجز.

20
أيكم سيدرك جمال هذا الحزن الملقى على الأرض كنبوءة؟.