ترجمة وإعداد يوسف يلدا ndash; سيدني: غيّب الموت الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتس عن عمر 83 عاماً. وقد توفي نتيجة إصابته بقرحة أدّت، فيما يبدو، الى نزيف حاد، حسب ما أعلن عنه الطبيب الذي كان يتولى معالجته.
ويترك رحيل فوينتس الذي يعد من أبرز أعمدة الأدب في أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين، فراغاً كبيراً في عالم الكتابة يصعب سدّه.
ننشر هنا أهم ما ورد في آخر لقاء أجرته معه صحيفة quot;الباييسquot; الإسبانية يوم الإثنين الماضي. وصل كارلوس فوينتس بوينوس آيريس في أوائل شهر مايو/ آيار الحالي للمشاركة في معرض الكتب الذي أقيم هناك، حيث إنتهى من تسليم كتاب الى دار نشر كتبه، وآخر كان خطط لإنهائه. وكان ينتقل من دعوة غداء الى أخرى للعشاء، ووقّع كتبه لمدة ثلاث ساعات، وإستقبل عشرات الصحفيين، واحد تلو آخر، وأجاب على مئات الأسئلة دون تردد، ومن دون تأخير، أو الشك في إسم أو تأريخ. وأمضى 83 عاماً من عمره في الترحال ما بين أميركا وأوروبا، دون كلل أو ملل. ويكمن السر في كل هذا، عشقه العميق للأدب.
يقول كارلوس فوينتس: quot;نظام شبابي هو العمل المتواصل، وأن يكون هناك دوماً مشروع معلّق. لقد إنتهيت تواً من كتاب quot;فيديريكو في شرفتهquot;، لكن هناك كتاب آخر جديد quot;رقصة الذكرى المئويةquot;، سأشرع في كتابته يوم الإثنين في المكسيك.

* دون الخوف من فراغ الورقة البيضاء؟
** ليست لديّ أية مخاوف أدبية. كنت دوماً أعرف جيداً ما أود القيام به، وعندما أستيقظ أتوجه الى ما خططت له. أستيقظ صباحاً، وفي الساعة السابعة والثامنة أكون بدأت الكتابة. بعد أن أكون قد هيأت ملاحظاتي، ومن ثمّ أبدأ العمل. وهكذا ما بين كتبي، وزوجتي، وأصدقائي، وأحبائي، تكون لدي ما فيه الكفاية من الأسباب لأجل أن أواصل حياتي.

*ألا ترى أنه أحياناً ومع مرور السنوات، لا يصبح الواحد منا أكثر حكمة، بل يصيبه الخرف الذي تعززه قناعات قديمة؟
**يعتمد على من يكون. أنا صديق جان دانييل، مدير quot;نوفيل أوبزورفاتورquot;. رجل أكمل 91 عاماً، وهو يقظ أكثر منك ومني. نادين غورديمير لديها 90 عاماً. والممثلة لويس راينر، التي ألتقيها كثيراً في لندن تبلغ 102 عاماً. وتذهب معي الى العشاء، ترتدي قلنسوة على راسها، وتسير سعيدة في حياتها. ليست هناك قواعد. والواقع هو أنه بعد بلوغ سن معينة، أما يبقى الواحد منا شاباً، أو ينتهي به الأمر الى الخرف.

تعيد شوارع بوينوس آيريس بذاكرة كارلوس فوينتس الى حياة المراهقة، كما لو كانت إنتهت بالأمس، ويحمله الشوق الى شباك الحنين لتلك الأيام.
**عشت سنوات عدة في بوينوس آيريس، لأن والدي قدم إليها بصفة مستشار في السفارة المكسيكية في 1943. ولما كان هوغو واست وزيراً للتعليم، فقد كان مناهج التعليم فاشستية. قلت لوالدي: quot;إنظر، أنا قادم من مدرسة عامة من واشنطن، ليس بمقدوري أن أتحمل كلّ هذاquot;. قال لي والدي: quot;أنت محق تماماً، عمرك 15 سنة، كرّس وقتك للخروج الى الشارعquot;. وهذا ما فعلت. وطوال عام كامل أصبحت من عشاق أوركسترا آنيبال ترويلو، ورافقتها أينما حلّت. وزودتني مكتبة أتينيو بالأدب الأرجنتيني، ووقعت في حب فتاة كانت تسكن جوارنا، عمرها ضعف عمري. أنا كنت في الخامسة عشر من عمري، وهي في الثلاثين. وكلما أعود يخالجني الشعور بإسترداد شبابي، أعود الى سن 15 عاماً، الى حيث تقف الفرنسية قبالتي. أليس كذلك؟

*هل كنت ترقص التانغو؟
**أجيدُ هذه الرقصة بصورة جيدة جداً.

*كاتب يُعامل كرئيس دولة تقريباً، كيف تستعد من أجل الإستماع؟
**المفروض على كاتب أن يستمع، وإذا لم يفعل، سوف لن يدرك كيف يتكلم الناس. وعلى سبيل المثال، بالأمس، أمضيت أكثر من ساعتين أوقع على الكتب في المعرض. لكن، بصورة خاصة من أجل الإستماع الى الناس، ومن أجل أن أعرف إسلوب تفكيرهم. وقبل ذلك كله، أنا الذي أسألهم.
يقرأ فوينتس في كتابين. أحدهما هو quot;غداً أو بعد غدquot; لمواطنه خورخي كاستانييدا حول المكسيك الآن، يقول عنه quot;أنه كتاب ذكي، أتفق معه أحياناً، وأختلف في أحيان أخرى، لكنها رؤية في غاية الذكاءquot;، والكتاب الثاني هو quot;الباقون أحياءquot; لمارتن كاباروس. والذي يقول عنه فوينتس أنه quot;كتاب جيد جداً لكاتب جيد جداًquot;. وأعجبه أيضاً كتاب quot;حريةquot; لجوناثان فرانزين: quot;الذي يتمرد على قوالب وقيود الرواية الأمريكية. أنه يزجُّ بكل شئ، الصحافة، والسياسة، والرياضة.. كل شئ ينساب بشكل طبيعي لإيجاد عالم كامل لأناس في غاية الطيبة واللطافة، هم عبارة عن وحوش، محاطة بعالم من الثقافة الحقيقيةquot;.

*ما الذي يتناوله كتابك الأخير، والذي ستبدأ به الآن؟
**الكتاب الذي إنتهيت منه quot;فيديريكو في شرفتهquot;، يظهر نيتشه وقد بُعث في شرفة، في الساعة الخامسة صباحاً، وأبدأ أنا الحوار معه. وأما الذي سأبدأ بكتابته quot;رقصة الذكرى المئويةquot;، أنه يغطي السنوات العشر من الحياة في المكسيك. هناك العديد من فصول الكتاب أصبحت جاهزة، بالإضافة الى ملاحظات وشخصيات. هناك إمرأة يهمني أمرها كثيراً، لا تود أن تقول شيئاً عن ماضيها، وتبدأ بالكشف عن نفسها شيئاً فشيئاً، حتى تصل الى البحر وتتحرر.

*كيف تتعامل مع شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الإجتماعي؟
**ما زلت أستعين بالفاكس، أكتب باليد على صفحة فارغة بإستخدام القلم، وأجري التصحيحات في الورقة الأولى. زوجتي هي التي تبلغني بكل ما يستجد. في السابق كنت أقول لها سأبحث في الموسوعة البريطانية، والآن تقول لي زوجتي، كلا، وبمجرد الضغط على زر، يظهر كل شئ.