عبد الجبار العتابي من بغداد: اعلن في العاصمة الاردنية عمان، ظهر يوم الخميس، 17 / 5 / 2012 عن رحيل أستاذ الموسيقى العراقية الفنان الكبير غانم حداد، إثر أزمة صحية المّت به قبل أسبوع وأدخلته في غيبوبة امتدت لمدة 24 ساعة قبل ان يقارق الحياة عن عمر ناهز 87 عاما امضاها في عشقه للموسيقى وحفظ التراث وتمثيل بلده خير تمثيل.

وهذا نجم اخر من نجوم العراق يأفل في الغربة، اعطى الكثير لبلده لكن الظروف دفعته الى ان يعيش شيخوخته في الغربة، كان يرى ان عمان قريبة من بغداد، ولم يكن يريد الابتعاد كثيرا، شيخوخته كانت تتدفأ من برد الزمن الذي احاطه بالاصدقاء والاحبة والذكريات، وكانت عيونه تتأمل وجه بغداد الحبيب الى نفسه، وبالتأكيد كان يسمع موسيقاه

الراحل مع العازف خالد محمد علي

تتهادى انغامها من كل بيت عراقي، ومن كل شارع ومدينة، فيطمئن الى تراثه الذي حافظ عليه، لقد رحل غانم حداد ليعلن عن فقد حزين تتقاطر الدموع وجعا على رحيله، وتشيعه المقطوعات التي ألفها وكلمات المحبة التي بذلها الاخرون على مدى سنوات عمره.

وذكرت عائلة الراحل أن الفنان غانم حداد توفي، ظهر الخميس، في العاصمة الاردنية عمان بعد صراع مع المرض، أدخل على اثره في مستشفى عمان الجراحي قبل اسبوع، ونقل الى الانعاش لتدهور وضعه الصحي، وكان قد فقد الوعي لكن وضعه أستقر نوعاً ما، الأ أنه دخل في غيبوبة قبل 24 ساعة، ليفارق الحياة.

وقد نعاه العازف العراقي خالد محمد علي بالقول ( ببالغ الحزن والأسى تلقيت نبأ وفاة المغفور له استاذي ومعلمي وأخي الكبير وصديقي العزيز المرحوم غانم حداد..، كان مثالا للأنسان الفنان.. الكبير بفنه وعطائه وأخلاقه.. الذي يخجلني بتواضعه ودماثة أخلاقه، عشنا في بغداد سنوات لاتنسى ابدا.. تعلمنا منه الكثير.. فقدناه استاذا كبيرا ونجما ساطعا وعلما عراقيا، رحمك الله ياأبا عطيل وأسكنك فسيح جناته، وإنّا لله وإنّا اليه راجعون).

ويعدّ الموسيقار الكبير غانم حداد أحد أبرع عازفي الكمان في العراق، وهو من مدرسة الشريف محيى الدين حيدر، تخرّج من بين يديه الكثير من العازفين المبدعين، وهو واحد من الذي اسسوا للثقافة الموسيقية ومنحوها جمالاً وبهاءً بالفن الراقي والانسانية الرفيعة، ونال شهرة طارت في الارجاء العربية والعالمية، بل وكان له دور كبير في الحفاظ على التراث الغنائي العراقي لاسيما انه كوّن فرقة انشاد بسيطة من بعض الموسيقيين وسجل ما يقارب الخمسين اغنية في ذلك الوقت وبعدها اخذ الجقمقجي بها موافقة ونقلها على اسطوانات حيث انتشرت انتشار كبير بالوقت الذي لم يكن للاغنية اي اثر، وهذا الكلام له.

ولد الموسيقار غانم ايليا حداد في بغداد/ الرصافة في سنة 1925 أكمل تعليمه الدراسي في بغداد، وأكمل دراسته في المعهد الموسيقي وحصل على دبلوم في الموسيقى بتفوق، و اسم (حداد) لقب اخذه من مهنة والده الذي كان يمتهن الحدادة، لكن لم يوجه ايا من ابنائه للعمل في معمله ما عدا ولد واحد الذي امتهن الخراطة على الرغم من انه يعشق عزف الناي، وغانم واحد بين اربعة اخوان وثلاث اخوات، يمتلك ابوه صوتا جميلا طالما كان يطرب السامعين في مناسبات خاصة، يقول غانم عن بداياته: (كنت اصغي الى راديو مقهى المحلة بعد ان يهدأ الشارع وتهدأ الحركة،حيث يعلي الرجل الراديو،نحن في البيت ليس لدينا راديو في ذلك الوقت بداية الثلاثينات،فكنت اسمع الاغاني العراقية المقام العراقي،الفواصل الموسقية،كنت احبها دون ان يوجهني احد او يؤشرلي شيء فيها،كنت احب قهوة الطرب كما يسمونها في مناسبات رمضانية،وفي رمضان كانوا يحضرون بعض البرامج،الموشحات،المقامات مع الاغاني العراقية،كانت توجد برامج مكثفة تقريبا،فكانت مقهى فعلا منعشة اضافة الى صوت الراديو).

بدأ نجمه يسطع في اوائل الخمسينات حتى استطاع أن ينال المرتبة المرموقة بالموسيقى بصفته (فنان مبدع) في آلة الكمان والعود، فعمل في إذاعة بغداد وتولى مسؤولية الفرقة الموسيقية لدار الأذاعة العراقية وقدم العديد من مؤلفاته الموسيقية، ثم تولى تشكيل مجموعة من عازفين ومنشدين من داخل المؤسسة للأذاعة، وقام بتدريبهم عملياً بقصد الحفاظ على التراث الأصيل. حيث سجل نحو خمسين اغنية عراقية لفرقة الأنشاد ولأشهر المطربين والمطربات العراقيين القدامى، وعين مدرساً للموسيقى في معهد الفنون الجميلة سنة 1956 لآلة العود والكمان الشرقي ومن ثم مشرفا على العزف الجماعي للطلبة المتقدمين، وفي سنة 1960 تم ترشيحه للسفر إلى براغ، فالتحق بالزمالة التدريسية في جيكوسلوفاكيا والتي دامت 14 شهراً وحصل على دبلوم فني (في إدارة وتنظيم الأقسام الموسيقية الأذاعية والاخراج الموسيقي والاذاعي)، مارس العمل الفني والأداري على مدى خمسين عاماً وفي العديد من الأجواء والمناسبات منها مدرساً ورئيسا للقسم الموسيقي والأنشاد في معهد الفنون الجميلة، وهو عضو المجلس الأعلى لنقابة الفنانين العراقيين ورئيس القسم الموسيقي للأذاعة العراقية ونقيباً للموسيقين العراقيين وعضو اللجنة الوطنية للموسيقى، وعضو لجنة التراث للفنون الموسيقية العراقية ومحاضر في معهد الدراسات النغمية، وكلية التربية (القسم الفني) وقام الراحل بتشكيل مجموعة (خماسي الفنون الجميلة) والمؤلف من ابرز أساتذة الموسيقى العربية في العراق، (الكمان: غانم حداد، القانون: سالم حسين الامير، العود: روحي الخماش، التشيلو: حسين قدوري والرق: حسين عبدالله)،ونال هذا الخماسي شهرة كبيرة، حيث قدم العديد من المقطوعات الموسيقية التي عشقها الناس جميعاً، وكان الراحل قد ساهم بفعاليات فنية موسيقية في العديد من المؤتمرات الموسيقية والمهرجانات العالمية، ومنها بصحبة بعض الفنانين المتميزين والذين نالوا استحسان الجماهير في خارج العراق، كما ألف الراحل العديد من المقطوعات الموسيقية والمسجلة في المكتبة الموسيقية لأذاعة بغداد، والمدون معظمها في الكتب الموسيقية التي تدرس في جميع المعاهد الموسيقية في العراق، ومن هذه المؤلفات:1- سماعي رست، 2- سماعي لامي، 3- لونكا / بلبل من مقام النكريز، 4- سولاف / موسيقى من شمالنا الجميل من مقام المحير بيات.

وللأستاذ الراحل غانم حداد ولدان وبنتان، اولها عطيل، وهو عازف (بيانو) متخصص في العزف والتاليف الموسيقي - استاذ موسيقى في كندا، والثانية شهلاء.. عازفة كمان متقدمة في الفرقة السنفونية الوطنية العراقية، والثالثة، سلافة التي حازت على المرتبة الثالثة من بين (60) عازف وعازفة في مهرجان عالمي، ورابعهم أنس الذي يعد من العازفين المعروفين على الة الاورغن في الوسط الفني العربي.

وحصل الراحل على التقاعد بناءً على طلبه في سنة 1988 بعد ايفاده الى الولايات المتحدة مع مجموعته (الخماسي) بمهمة موسيقية فنية، وبعد عام 2003 غادر العراق الى الاردن بعد ان كانت زوجته تحتاج اى علاج لكنها توفيت فظل في عمان.