تنتشر في العراق ظاهرة اقتناء الكتب العشائرية،بحيث إنه كلما اقتنى الفرد كتاباً عن عشيرته كلما افتخر به الآخرون.


بغداد: من يتأمل الكتب المنتشرة على أرصفة شارع المتنبي سيثيره مشهد الاعداد الكبيرة للكتب التي تعنى بتاريخ العشائر والأنساب، ولم تكتفِ هذه الكتب برسم صور للعشائر الكبيرة والمعروفة بنضالاتها أو رجالاتها، بل انسحب الأمر الى عشائر صغيرة غير معروفة، وأخذت الظاهرة بالاتساع وكلها تدعو الى اللجوء الى العشيرة لأنها اقوى من الدولة ربما، وهذا ما يؤكده عدد من المثقفين.

كتب معروضة للبيع

وقد انتشرت بشكل لافت للنظر الكتب التي تتناول تاريخ القبائل والعشائر العراقية، ويبدو أن هذه الثقافة بات الترويج لها اكثر مما كان في التسعينيات التي بدأت منها ظاهرة طبع ونشر كتب الأنساب والتعريف بالعشائر ورؤسائها وتواريخها، وأصبح من السهل جدًا اقتناء هذه الكتب الباهظة الاثمان والتباهي بها كونها تؤكد على قوة العشيرة التي ينتمي اليها الفرد، وحين تجولنا في شارع المتنبي ادهشتنا الكميات الكبيرة لهذه الكتب، بل ادهشنا اكثر أن الاقبال عليها كبير، وقد قال لنا عدد من باعة الكتب إنها تلقى رواجًا ملحوظًا على الرغم من ارتفاع أسعارها، فهناك الكثيرون من الاشخاص يشترون نسخًا عديدة، ويبدو أنهم يبيعونها ويوزعونها على افراد العشيرة، او كما قال احدهم: quot;إن البيت الذي ليس فيه كتاب عن نسب عشيرته، ربما سيكون من الطارئين أو المنبوذين، وكلما اقتنى الفرد كتابًا عن عشيرته كلما افتخر به الآخرون واثنوا على هيبتهquot;.

يقول الدكتور عقيل مهدي، عميد كلية الفنون الجميلة السابق: ضمن سلسلة الانساب التي تعنى بالذاكرة العربية منذ القدم، لم نكتفِ بالبشر انما تطرقنا الى الخيول وسواها على اعتبار أنها تمثل نوعًا من الاصالة والانتماء الحقيقي وليس الزائف الى هذه البقعة، وكما تعرف الآن تم تفعيل قانون العشائر وهناك الكثير ممن يحاول أن يثبت عراقيته من خلال انتمائه الى عشيرة معترف بها وموجودة، وكل العشائر مكرمة ونبيلة وطيبة، ولكنني أرى أن المبالغة بمثل هذا الجانب ستضعف من انتمائنا للوطنية العراقية، وللهوية العراقية لأننا صحيح (وان كرمت انسابنا لسنا على الاحساب نتكل)، نحن الآن نريد أن نبني بكل خصالنا النبيلة الشريفة في كل العراق هم اناس من ادم وحواء ومن امرأة ورجل، والمبالغة جزء غير منطقي كما اعتبره انا، وغير متوازن امام متغيّرات الكون ومتغيّرات العالم، فنحن تحصيل حاصل من عشائر.

وأضاف: لا اتصور أن الاعتماد على العشيرة صار اقوى من الاعتماد على الدولة الى هذه الدرجة، ولكن البعض يتوهم خاطئًا بأنه سيكون بديلاً للقانون، فالقانون مدني والقانون ديمقراطي والدولة تركز على المواطن اولا واخيرًا، وانا اعتقد أن كل العشائر بضمائرها تنتمي الى القانون والعدالة والى فقه القانون المستقبلي.

اما الروائي علي حداد فقال: عندما تضعف الدولة تبدأ بالظهور اشياء كثيرة ومن ثم تتشظى، ومن ضمن هذه الاشياء كتب العشائر، فعندما تضعف الدولة المجتمع كله يتغيّر، الشقاوات تبرز والعصابات وكل الاشياء التي تتمكن من تفسيخ المجتمع تظهر الى السطح، انا لا اقول إن العشائر هي التي تفسخ المجتمع ولكن هذه الظاهرة أي الاعتماد على العشائرية تقوى فتكون بمصاف الدولة، بحيث أن الكثير من المشاكل تتبناها العشائر، فمثلاً لو دهست احدهم بالسيارة فأول ما يقوله لك إنه من العشيرة الفلانية وأن عليك أن تعمل (قعدة) عشائرية، وحتى الاطباء الان يتعرضون الى هجمات من بعض العشائر بسبب موت اقاربهم ويطالبون بفدية أو ما شابه ذلك، ولكن حين تقوى الدولة كل هذه تزول، وانتشار الكتب العشائرية بهذه الكثرة التي نراها يؤكد أو يؤيد لجوء الفرد العراقي الى عشيرته قبل تفكيره باللجوء الى الدولة، لأن الدولة حاليًا لا يمكنها أن تحل اية مشكلة، فالكتب تشير الى الناسكي يلجأوا الى عشائرهم، فهذه العشيرة قوية وتلك اقوى وهذا تاريخها وتلك شخصياتها، اذن.. هذه الكتب دعوة للتمسك بالعشيرة والقبيلة واعتقد أنها ظاهرة سلبية.

وقال الكاتب علي حسين: كلما تزداد النعرة الطائفية والقبلية تزداد هذه الكتب، وفي المدة الاخيرة لاحظنا التركيز حتى سياسيًا على التركيز القبلي الطائفي ولهذا اصبح الكثير من الكتاب يجدون رواجًا لهذه الكتب، واعتقد أن الدولة المدنية التي تستند الى القانون والى تشريعاته ومؤسسات الدولة ليس لمثل هذه الكتب وجود، ولكن في ظل غياب القانون ومؤسسات الدولة الحقيقية نجد اللجوء الى العشائر، ولهذا نجد أن الكثير من المشاكل والقضايا تحل من خلال العشائر وأن كبار رجال الدولة يلجأون الى العشائرية في الكثير من الاحيان، ومن المفروض انهم يدعون الى القانون والى مؤسسات الدولة.

فيما قالت الدكتورة رغد السهيل، الاستاذة الجامعية: مع الاسف.. إن الثقافة اصبحت عشائرية واصبحت النعرة طائفية، كل يبحث عن عشيرته وعن طائفته ليحتمي بها، وهذا بسبب الاحساس بفقدان الامان، فصارت العشيرة هي صمام الامان،ما يدلبصورة غير مباشرة على ضعف القانون أو وجود الدولة المدنية، التي بدأت تضعف شيئًا فشيئًا وتختفي، فصارت الحماية للعشيرة وللطائفة، فأصبح الناس يلجأون الى هذه الامور لاظهار نوع من القوة أو التمسك بالحماية حين يجدون أن مؤسسات الدولة لا تحميهم.

وقال الكاتب والصحافي مازن لطيف: انتشرت في المدة الاخيرة كتب العشائر والقبائل العراقية وحتى العربية، وهذه الظاهرة كما اتذكر في تسعينيات القرن الماضي انتشرت ايضًا وحسب قراءاتي ورأيي الشخصي عندما تغيب الدولة تكثر كتب العشائر وتكثر القبائل، وهناك قسم كبير من هذه الكتب يكتب لتجميل هذه العشيرة أو تجميل شخصية معينة فيها، والامر تعدى الكتب فهناك القنوات الفضائية التي اصبحت تروج للعشيرة من قبل المثقفين والفنانين والاعلاميين، هذه الظاهرة اعتبرها سلبية، فمن الممكن الكتابة عن العشائر العراقية بشكل علمي ورؤية اكاديمية ولكن ليس للدعاية أو لترويج لعشيرة معينة.

واضاف أن القصد منها هو تمجيد اعمال هذه العشيرة أو هذه الشخصية، وغياب الدولةوالقانون هو الذي فسح المجال للاحتماء بالعشيرة، فالعشيرة الآن تحكم اكثر من القانون، اذا ما اختلفت انا مع شخص آخر حتى في الرأي فمن الممكن أن يشتكي عند عشيرته ضدي ويقضيني عشائريًا، هذه الظاهرة سلبية جدًا وتؤثر على واقع العراق ومستقبله.

اما الصحافي والكاتب علي السومري فقال: الان اذا اردنا أن نتحدث عن مفاهيم المدينة أو القبيلة في العراق، فحتى بغداد يعتبرها علماء الانثربولوجيا هي (مجموعة قرى تربطها شوارع)، وليس من المستغرب طبعًا أن تكثر كتب العشائر ويتم الترويج لها لأن الانسان العراقي وجد أن اللجوء الى العشيرة افضل من اللجوء الى الدولة التي لم تعد تحميه بقوانينها، المدن تحولت الى قرى بفعل غياب القانون والاعتماد بشكل كبير على القانون العشائري السائد بشكل كبير لأن الناس لجأوا الى العشيرة دون الدولة لعلمهم أن الدولة ما عادت تحميهم، ومن هنا استغل البعض هذه المفارقة للترويج للعشائر من خلال تأليف كتب عنها واظهار كل عشيرة بمظهر القوة والعراقة والشجاعة.