إذا كنت تمشي مسرعاً وشعرت بأنك ستتأخر عن موعدك، لا تقطع الأوتوستراد من الأعلى، بل ابحث عن النفق الذي يصل بين الرصيفَين، لن تبحث كثيراً فها هو النفق أمامك، ادخله بسرعة ولكن قد يكون خالياً من المارة، لا تكترث فالموعد هو ما يهمّك، انزل الدرج وسر في الممر الواقع تحت الطريق ثم ابدأ بصعود الدرج الذي يُفضي إلى الجانب الآخر. الآن توقف. ألا ترى بأن هناك شيئاً أسودَ يجلس على أعلى الدرج؟ اقترب الآن. لا تخف هذا ليس شبحاً إنها مجرد امرأة ترتدي ثياباً سوداء أظهرت كفَّها البيضاء للمارة، ستسألني: ماذا تفعل هنا؟ سأجيبك: إنها متسوّلة. ستعود لتسألني: ولكن لماذا أظهرت كفها فقط؟ سأجيبك: لأنها محجبة؟ ستقول بسخرية: الدين يسر. هنا ستتذكر أنك على موعد مهم وتمضي.
الفكرة جيّدة، كفها البيضاء خرجت من واقعها الأسود، ولكن جميع الشحاذين يمتلكون واقعاً أسودَ. هذه المرأة تختلف، فهي ليست زوجة لرجل مستبدّ أجبرها على التسوّل، كما أنها ليست أمّية، أي أنها تستطيع القراءة بطلاقة بحيث كونَّت نوعاً من الثقافة التي تجعلها تقرأ كتباً لعلم النفس وغيرها. قراءتها ليست عن عبث إنما هي جزء من عملها، فقد شحذت خمس سنوات معتمدة على ما قاله فرويد، لكنَّ السؤال هل وصلت إلى نتيجة؟ بالطبع لا، فهي ما تزال تشحذ. من وجهة نظرها: العلم لا يفيد إلا العلماء، أما البسطاء من أمثالها أو بالأحرى المتسوّلين فلا تُفيدهم إلا عاهاتهم. لهذا فهي تعتبر نفسها متسوّلة فاشلة من دون هُويَّة. فهي لا تملك عاهة تستوقف المارة بها. من هنا، أي من حالة النقص التي تعيشها، بحثت عن البديل ووجدته، فقالت: أنت ككل الناس تظن بأننا نشحذ فقط، إنما نحن في الحقيقة نعمل، فكما يقوم عامل التنظيف بتنظيف شوارعكم من القمامة نحن نقوم بتنظيف جيوبكم من الفكَّة، والأهم من هذا في مهنتنا هو العامل النفسي، فنحن نعطي المجال للفقراء المعدمين كي يشعروا بأنهم أفضل حالاً لمدة ثوانٍ، أي في تلك اللحظة التي يتخذ فيها الفقير قراره البطولي بالاستغناء عن ربطة خبز، فضلاً عن دور الواعظ الذي يلعبه عندما يشعر بأنه فقد نقوده الأخيرة. لهذا أوجدتُ لنفسي عاهة اجتماعية تستوقف الكثير من المارة للنصيحة وبالتالي المال، فكما تعلم أصبح دور الواعظ من أهم الأدوار التي يسعى إليها معظم الناس وخاصة الذين تديّنوا حديثاً، فامرأة محجّبة إلى درجة التنكر أظهرت كفها للتسوّل هي طريدة سهلة بخسة الثمن مستعدة أن تسمع سذاجتهم مقابل بضعة فرنكات. فهذه الكف الظاهرة هي عورة تستوجب الهداية والنصيحة مع أن الله خلق الأكف لكي نمدّها إليه توسلاً للعطف، كما يُقال، ولغيره عندما ينسانا، فنحن لا نسرق شيئاً من أحد وكفي هذه هي دليل براءتي فقطعها هو عقاب السارقين، لهذا فاللصوص هم الأغبى بين الناس حيث يكتسبون عاهة خلّبية دون أي فائدة، لأن الكف هي لوغو مهنة التسول.
عندما انتهت من كلامها مددتُ يدي لكي أصافحها، أردت أن أضيف مهمة جديدة لهذه الكف إلا أن قطعة النقود التي رماها الرجل سبقتني إليها، ثم اقترب مني قائلاً: هذه المرأة تسرقني بسم الله كل يوم. أجبته: ولكن لماذا تعطيها؟ قال: لأنها محجبة. أجبته: لكنَّ الدين يسر...