الحلم والمرأة لا يجتمعان، ربما لأنَّ المرأة حلم بذاتها، أو لأنها نقيض الحلم. هذا ما نستنتجه من رواية quot;مدينة لا تخرج من البيتquot; لمحمد السمهوري. حيث كان الحلم رفيقاً ملازماً لبشارة، يتنقل به من مكان إلى مكان، ومن تاريخ إلى تاريخ، ولما أصبح على علاقة بامرأة فارقه الحلم ولم يعد. ومن عجب أن الحلم يكون عادة رديفاً للمستقبل، ولكنه هنا كان مرتبطاً بالماضي، مما يخرجه حقيقة من الحلم إلى الذكرى.
ياسمين وبشارة، جيران أعزبان في عمارة واحدة، وإثر قرار غريب من الزعيم بفرض العري على جميع سكان المدينة وعدم الخروج إلى العمل، تتعرف ياسمين على بشارة ويتزاوران، وتتصاعد بينهما العلاقة حتى تتحول إلى حب وعشق ورغبة في الارتباط الأبدي. ولكن الحياة الرتيبة في ظل زعيم متجبر أهوج لا تشجع على العيش، على الرغم من تكفله بالطعام للجميع، فعندما تنعدم حرية الاختيار، تتحول الحياة إلى عبودية، وإن رفل العبيد بالحرير!
مواطنو المدينة يجهلون سبب قرار الزعيم بفرض العري على الجميع، وينتظرون انتهاء حظر ارتداء الملابس، ولكن القارئ يعرف سبب ذلك، فضعف الزعيم الجنسي دفعه للاستعانة بكل الوسائل الممكنة، ومنها عري من حوله عسى أن تعود له بعض قواه، فأعجبه المنظر، ففرضه على الجميع إشباعاً لنزوات لا أمل يرجى منها، ولا عجب فالشعب كله في خدمة الزعيم وخدمة شهواته وأهوائه.
ينجح بشارة وياسمين في الهرب من المدينة لبناء حياتهما المشتركة من جديد في مكان آخر، حسب رغباتهما وأحلامهما. وتنازلا من أجل ذلك عن شقتيهما رشوة للبواب سرور ولشرطة المدينة كي يساعدانهما على الهرب. في تصرف غارق بالأنانية المفرطة، فقد نجيا بنفسيهما وتركا المدينة وأهلها، فاللهم نفسي، وليذهب الآخرون إلى الجحيم. وهي واقعية إلى حد ما، فهذه هي الحقيقة التي لا يمكن أن تغطى بغربال في ظل أنظمة لم تنتج إلا المسوخ وأشباه البشر!
وهكذا تنتهي الرواية بنجاة شخصين، وبقاء المدينة تحت حكم طاغية، يفرض وصايته ورؤاه من خلال كتابه الأوحد بعد أن أعدم كل الكتب الأخرى، في مقاربة للزعيم القذافي وكتابه الأخضر، وتصرفاته الغريبة الرعناء والشاذة أحياناً.
الرواية لم تحمل جديداً شكلاً وموضوعاً، فهي رواية عادية تماماً، خلت من الحركة والأحداث المفصلية، وتكاد تكون باهتة في كثير من فصولها القصيرة التي وصلت إلى سبعة وثلاثين. وشهدت الرواية شحاً في الشخصيات، فقد اقتصرت على بشارة وياسمين والبواب (سرور)، والزعيم في مشاهد محدودة، وجاءت حاشيته كخلفية لا دور لها.
كما جاءت الرواية بسيطة، افتقرت إلى المعالجة المقنعة، فلا غوص في أعماق الشخصيات التي أضنتها الوحدة والأوامر الغريبة، ولا تشعب في الأحداث المحدودة أصلاً، التي تسلسلت في خط مستقيم يراوح مكانه، يكاد يكون أفقياً. وأرجو أن لا أتجنى على الرواية إن اعتبرتها قصة قصيرة ممطوطة جداً، فيمكن اختصارها ببضع صفحات دون أن تختل فكرتها أو أحداثها.
كما لوحظ أن الرواية أغفلت كثيراً من آثار قرار الزعيم المختل، التي لا بد أن تكون نتيجة حتمية، ومن أهمها المشاكل والخلافات بين الجيران، وبين أفراد الأسر نفسها، وزيادة المواليد، وتضاعف الاستهلاك، وتفشي الأمراض، وغير ذلك. وفي ذات السياق فإن القارئ قد عرف سبب قرار الزعيم بفرض العري، ولكن ذلك بقي مجهولاً للمواطن، ولا أدرى ما فائدة ذلك للقارئ؟ وأظن أن لو بقي مجهولاً للطرفين لكان أفضل.
ويبدو أن الرواية لم تخضع للمراجعة الدقيقة، فاعتراها بعض الأخطاء الطباعية والنحوية واللغوية، وكثير من الصياغات الركيكة التي أضعفت لغة الرواية، ومن ذلك، على سبيل المثال: يربي الورد، وينجب المزيد من الطيور(5)، قادوا كل الكتب التي جمعوها إلى المحرقة(5)، تفرقت المسيرة كل في اتجاه(8)، سار في صباح اليوم التالي يروح ويجيء(17)، كان بشوق يريد أن أسأله(25)، قال له وهو مستغرب(35)، كان هشاً بما يكفي لأن لا ينكسر على صخر فقط، بل على رمل(46)، ليعود ينساه من جديد(50)، ووقف عند الباب من الخارج(83)، حين يغادرها لبعض الوقت بشارة تشعر بالفقد(132)، كان للدموع معنى خاص(22)، كات هذا مؤشر حزين(50)، ... الخ.
أما عنوان الرواية فقد جاء طويلاً في خمس كلمات quot;مدينة لا تخرج من البيتquot;، غير لافت أو موحٍ، وهو أقرب إلى جملة تعبر عن حال سكان المدينة المحاصرين في بيوتهم. ولا يكون العنوان مقنعاً حتى يكون لافتة أو إشارة تغري بالقراءة لمعرفة ما وراءها أو ما تعبر عنه. وأي عنوان يخلو من الإغراء أو الإيحاء لا يعتد به!
وبعد، فإن رواية quot;مدينة لا تخرج من البيتquot; (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 2010، 154صفحة)، على الرغم من الجهد المبذول، لا تقدم إضافة للرواية الأردنية، إلا من ناحية الكم، وأظنها كذلك لكاتبها أيضاً. ولكن يبقى هذا رأي شخصي، وقد يكون للبعض رأي آخر مغاير تماماً.