اجرى اللقاء : د. توفيق آلتونجي
عالمنا اليوم في عيون اطفالنا قد لا يختلف كثيرا لما كان عليه في الماضي فقبل اكثر من اربع عقود كنت اتصفح كتاب quot;اسمع يا رضاquot; ل انيس فريحه بشغف شديد ووله ليس لما كان في الكتاب من حكايات جميلة من الجنوب اللبناني فقط بل لان الكتاب كان يتواجد عندي فقط في عراق ذلك اليوم عام ١٩٦٨. تذكرت ذلك وانا واقف على رصيف القطار في انتظار ضيوفي القادمين من لبنان الكاتبة فاطمة شرف الدين والرسام سنان الحلاق.
كاتبة قصص الاطفال فاطمة شرف الدين غنية عن التعريف ففي جعتبها اكثر من ٤٥ كتاب نشر ويقرءها الاطفال وقد زينت كل كتبها بصور توضيحية لمحاكاة العالم الفريد للطفل وتنمية مواهبه. ادب الاطفال مهمة ومسؤلية كبيرة يقع على عاتق الكاتب في ايصال الحقيقة والمعلومة الصحيحة من ناحية ومن ناحية اخرى لها خاصية تربوية وتعليمية في ايصال التراث الادبي الشفاهي الوارد الينا عبر العصور والازمان الغابرة في حكايات جدتنا ونحن نجلس حولها مجتمعين جميعا كل مساء.
في عجالة غير معهودة قارئي الكريم تمكنت من تعريفهم باهم معالم المدينة وحين ركبنا الباص الذي اقلنا الى احدى اجمل احياء المدينة المجاورة quot;هوسكفارناquot; التي تسمد شهرتها من معامل هوسكفارنا التاريخية والشهيرة هناك وعلى طول الطريق تيادلنا اطراف الحديث عن المجتمع السويدي وقضايا اندماج المهاجر في اوطانهم الجديدة. بعد قرابة النصف ساعة وصلنا الى حي اوكسنا هاكا الذي يطل من اعلى الجبل على مدينة هوسكفارنا. عند بوابة مكتبة الحي الكبيرة التقبنا ب مدير المكتبة والعاملين.
التفت اولبرشت مدير المكتبة الى ضيفها قائلا:
ان اطفال السنة التحضيرية قد حضروا لها مفاجاء.
ثم طلبت ان تجلس على الارض مع الاطفال الذين غنوا لقدومها مرحبين كي تقرء للاطفال وبلهجتها اللبنانية البديعة شيئا من قصصها.... وكنت انا كذلك بين المستمعين .
التقيت بها كي القي عليها بعض الاسئلة وكي تحدثنا عن رحلتها في عالم قصص الاطفال المليئة بالخيال والجمال.
سألتها حول أدب الأطفال حيث يصل الى حد المجازفة والمغامرة ليس فقط لصعوباته بل لكونه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الكاتب في إيصال الفكر الصحيح ومخاطبة عقل الطفل الندي، ردت قائلة:
- بالتأكيد هناك مسؤولية كبيرة أشعر بها ككاتبة أدب أطفال. فالطفل يُكوّن معرفته ببيئته وبعناصر الحياة من حوله من خلال تفاعله مع الآخرين، ومن خلال الكتب الموجهة إليه.الكتب تحمل قصصًا ممتعة بالطبع، لكن أيضًا لديها هدف وهو تحفيز الطفل على التفكير والتحليل، وبالتالي على التفاعل مع القصة من خلال مشاعره. بالنسبة إلي، الكتاب الجيد هو الذي يترك أثرًا عاطفيًّا عند الطفل. لذلك المسؤولية كبيرة، والكتابة للطفل عملية دقيقة تتطلب معرفة عالية لسيكولوجية الطفل وتطوره الذهني والعاطفي.
- وما هي الصعوبات التي تواجهينها في مخاطبة عقل الطفل العربي وكيف يمكن مقارنتها مع أطفال الغرب؟
- الطفل طفل، إن ولد في الصين أم في صوماليا. هناك حقائق إنسانية لا علاقة لها بمكان ولادة الطفل أو بلغته. في الدرجة الأولى، أنا أتوجه إلى هموم الطفل عامة: الخوف، الفرح، الحب، العلاقات مع الآخرين، مواجهة المشاكل وحلها، إلخ... الصعوبة التي وجدتها في بداية الكتابة للأطفال، هي باللغة التي علي التوجه إليهم بها. العربية لغة جميلة وغنية، لكنها ليست لغة أطفال. كان علي أن أتوصل إلى أسلوب قريب من لغة الطفل، لكن في الوقت نفسه لا يحرم الطفل من جمالية اللغة. الآن، وبعد خوض تجربة الكتابة لأكثر من عشر سنوات ونشر أكثر من مئة كتاب، بإمكاني القول إن مسألة اللغة لم تعد تشكل صعوبة، وإن جمال ومطاطية لغتنا العربية كنز علينا أن تستغله إلى أقصى حد.
- يقال في الأمثال العربية ان quot; التعليم في الصغر كالنقش على الحجرquot;. كيف تستفيدين من هذه الحكمة في إيصال الكلمة الى الطفل؟
- هذه المقولة تعيدنا إلى سؤالك الأول عن المسؤولية الكبيرة في كاتبة أدب الطفل. ولأني أعي هذه المسؤولية، أعالج في كتبي مواقف ومشاعر يمر بها الطفل ومواضيع نابعة من حياته وهمومه. الفن يكمن في إيجاد الحل للمشكلة في القصة، ومن خلال الوصول إلى الحل يعي الطفل منطق وتسلسل الأفكار. بهذه الطريقة، أنا أعطي الطفل الأدوات كي يكتسب طرق التحليل ويستخلص الهدف من الكتاب بنفسه. الكتاب الذي يجذب الطفل هو الكتاب الذي يحترم ذكاءه وليس الكتاب الذي يلقنه درسًا أخلاقيًّا.
- هل ترنين باننا واعين في كتاباتنا للطفل نراعي نفسية الأطفال خاصة أطفال الشرق ضحايا الحرب والنزاعات والأفكار السلبية؟
- أنا شخصًّا كتبت عدة كتب لها علاقة مباشرة بما نمر به في عالمنا العربي، ومنها quot;في مدينتي حربquot; (دار أصالة، لبنان)، quot;لو كنت طائرًّاquot; (دار كلمات، الإمارات)، quot;هبت ريح قويةquot; (دار الشروق، مصر). أظن أنه من الضروري التطرق لمواضيع متعلقة بالوضع السياسي الذي يعيش فيه الأطفال. فهم جزء من المجتمع، يعيشون الأزمات ويمرون بما يمر به الكبار من مصاعب معيشية. بالإضافة، من الضروري جدًّا أن تترجم كتب من هذا النوع إلى اللغات الأجنبية، كي يعي الطفل الغربي واقع الطفل في العالم العربي. كتابي quot;في مدينتي حربquot; ترجم إلى الفرنسية والإسبانية والكتلانية والبرتغلالية والهولاندية والكورية.هو كتاب يتعاطى موضوع الحرب والاحتلال بطريقة بسيطة جدًّا، لكنها تنقل الجو القاسي الذي يعيش في الطفل في بلاد فيها حروب. وبسبب هذا الكتاب دعيت إلى مجموعة من المدارس في بلجيكا، ومن ثم في سويسرا، كي يقيم معي الأطفال مقابلات ويطرحون أسئلة حول هذا الكتاب. هذا الحدث مهم جدًّا، إذ من خلاله يعي الطفل الغربي معاناة أطفال بعمره في أماكن أخرى في العالم، وبالتالي يبدأ بطرح الأسئلة بدل تلقي ما يلقنه الأهل أو المجتمع من معلومات خاطئة وصور نمطية معممة على كل ما هو عربي.
- استخدام الصورة لإيصال الهدف الى المتلقي مهم جداً كيف تختارين رسامي كتبك؟ وما هي المعوقات الاساسية لكاتب الشرقي وخاصة كتاب الأدب للأطفال؟
- عادة الناشر هو الذي يختار الرسام. في المبدأ على الناشر أن يرتب لقاء بين الكاتب والرسام ليناقشا الكتاب قبل ابتداء الرسام بالعمل. لكن ذلك لا يحصل دائمًا، إما بسبب بعد المسافات، وإما بسبب إهمال أهمية هذا الموضوع. الصورة مهمة جدًّا بالطبع، وعمل الرسام ليس تكرار ما ورد في النص، بل إضافة مخيلته على ما يوحي له النص. المشكلة الأساسية التي يعاني منها شرقنا هي عدم وجود الدعم المادي الكافي للتقدم في مجال أدب الأطفال. على حكوماتنا أن تخصص برامج دعم لهذا المجال، مثل توفير منح لكتاب أو لرسامين بحاجة للتفرغ للقيام بعمل إبداعي جديد. المشكلة الثانية هي عدم بذل المجهود الكافي في مجتمعاتنا للتشجيع على القراءة. وهناك مشكلة ثالثة مهمة جدّا أيضًا، وهي عدم وجود إختصاص في الجامعات لتعليم الكتابة الإبداعية لأدب الأطفال أو لتعليم أسس رسم كتب الأطفال.
- تم ترشيحك للحصول على جائزة أدب الأطفال استريد لندغرن السويدية جديد في عالم أدب الأطفال العربي ما أهمية حصول الكاتب على الجوائز العالمية في العملية الإبداعية؟
- لقد رشحت لجائزة أستريد لندغرن التذكارية في سنتين متتاليتين، 2010 و 2011. مع أن الجوائز العربية والتقدير الذي يأتي من قبل مؤسسات عربية رائع وداعم ومهم جدًّا بالنسبة لي، إلا أن الحصول على جوائز عالمية مهم لأنه يؤكد لي أنني أمشي على الطريق الصحيح في فن الكتابة للطفل، ليس فقط بالنسبة لمجتمعي، بل على صعيد عالمي أيضًا. وهذا شيء رائع.
- حدثينا الآن عن تأثير الإرث الثقافي وحكايات أجدادنا على كتاباتك الإبداعية.
- هذا الإرث يؤثر على كتاباتي بشكل مباشر أحيانًا، وبشكل لاواعي وغير مباشر في أحيان أخرى. لقد كتبت عدة كتب مقتبسة ومن كليلة ودمنة ومن الحكايات اللبنانية التي كانوا يحكونها لي في طفولتي، وهذا فعل التأثير المباشر. لكن من المؤكد أني أستخدم عناصر من هذا الإرث وأدخلها في سياق جديد في قصص أؤلفها دون حتى أن أعي ذلك. مثلأ، استخدام أرقام 3 أو 7 المتكرر، أو إدخال زوجة أب شريرة على القصة، أو غول أو مارد، إلخ..
حين نودع كاتبتنا المبدعة فاطمة شرف الدين نتمنى لها المزيد من التألق والنجاح .
.