ذات يوم في عام 1974، بدأ نلسون مانديلا في سن السادسة والخمسين، يكتب سيرة حياته في السر. وكان المحامي الأفريقي والمناضل ضد الفصل العنصري أمضى 10 سنوات في جزيرة روبن على بعد 10 كلم من كيب تاون عبر شريط من الماء يعج بأسماك القرش.
في ساعات النهار كان مانديلا يقضي محكوميته بالسجن المؤيد مع الأشغال الشاقة في تكسير الحجارة تحت الحراسة في مقلع لاستخراج الكلس. وفي الليل كان يكتب سيرة حياته بعيدا عن أعين الحراس. وكانت كل صفحة يكتبها يراجعها رفيقاه أحمد كاثرادا ووالتر سيسولو المسجونان معه مدى الحياة بعد محاكمتهم مع سبعة آخرين من اعضاء المؤتمر الوطني الأفريقي وادانتهم بتهمة التخريب والخيانة لتفجير محطة طاقة ومبان حكومية احتجاجا على نظام الفصل العنصري.
وتولى سجين آخر ضغط ما كتبه مانديلا بخط يده في لغة رموز مجهرية وقام ساثياندراناث راغونان ماهراج عضو الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي بتهريب المخطوطة المختصرة حين أُفرج عنه عام 1976 بعد إخفاء المخطوطة بين دفاتره.
وكان مانديلا قبل الافراج عن ماهراج أخفى المخطوطة الأصل المؤلفة من 500 صفحة في حديقة السجن داخل ثلاث علب كاكاو معدنية. وبعد اسابيع على دفنها في الحديقة استيقظ مانديلا في زنزانته على صوت معازق ومجارف. ورأى عمالا يحفرون الحديقة لبناء سور جديد. وحين اكتُشفت اوارقه عُوقب بحرمانه من القراءة لأغراض البحث والدراسة مدة اربع سنوات.
أرسل ماهراج المخطوطة المجهرية الى الناشط المناهض للنظام العنصري في لندن ليونيل برنشتاين الذي حفظها في مكاتب الحزب الشيوعي الجنوب افريقي حيث كان يعمل. وبعد ستة أشهر من الاقامة الجبرية في جنوب افريقيا تسلل ماهراج خارج البلاد وتمكن من الوصول الى لندن حيث عمل على تحويل المخطوطة الى نص مطبوع. ثم أخذها الى المناضل ضد نظام الفصل العنصري والقيادي في المؤتمر الوطني الأفريقي اوليفر تامبو الذي كان يقيم في لوسكا عاصمة زامبيا وقتذاك.
في 11 شباط/فبراير 1990 أُفرج عن مانديلا بعد 27 عاما في السجن.
وبعد اربع سنوات نُشرت سيرة حياة مانديلا quot;طريق طويل نحو الحريةquot; التي كتبها في السجن. وكان صدور الكتاب حدثا كبيرا، واخذ منتجو هوليود يتسابقون على الفوز بحقوقه السينمائية لتحويله الى فيلم. ولكن مانديلا رفض كل العروض المغرية لأنه حسم خياره منذ سنوات بإعطاء حقوق سيرته الى المنتج والسينمائي والمناضل الجنوب أفريقي ضد الفصل العنصري أنانت سنغ. وقال سنغ انه انخرط في حركة التحرير حين كان طالبا في المرحلة الثانوية وبدأ يكاتب مانديلا حين أصبح سينمائيا. وعندما أُفرج عن مانديلا زاره سنغ وتوطدت علاقتهما.
وافق مانديلا على منح سنغ الحقوق السينمائية لسيرة حياته في عام 1997 ولكن ترجمة حياة مانديلا ونضاله الى عمل سينمائي لم تكن مهمة سهلة.
وبعد خمسة كتاب سيناريو مختلفين وعدد كبير من المخرجين المتلهفين وقع الاختيار على جاستن تشادويك لاخراج quot;مانديلا: طريق طويل نحو الحريةquot; سيناريو وليام نيكلسون، الذي كتب سيناريو quot;البؤساءquot;، وتمثيل ادريس ألبا بدور مانديلا وناومي هاريس بدور زوجته ويني.
وشاءت الصدف ان يكون العرض الأول للفيلم بعد يوم على رحيل مانديلا وانتظار دام 19 عاما لوصول قصة حياته الى الشاشة الكبيرة. ولكن المخرج تشادويك قال ان quot;الأمر كان يستحق الانتظارquot; مشيرا الى ان العقبات التي اعترضت طريق انجاز الفيلم صنعت منه فيلما أفضل.