من سمات المخرج السوري محمد ملص هدوؤه وتركه الأمور في فيلمه على غاربها وهدوئها، وهذا ما يلاحظ في فيلمه quot;سلم إلى دمشقquot;، حيث الأسئلة متروكة من دون إجابات.


محمد ملص سينمائي سوري قديم، يعرف من أين تؤكل كتف السينما، وكتف أخرى تخص إنسانًا قاتلًا، لا يرحم أحدًا، وخصوصًا من يتذكره ويتذكر أفعاله القاتلة. هذا ما أراد قوله على لسان بطل فيلمه الجديد quot;سلم إلى دمشقquot;، إذ لقنه الآتي: quot;أعيش في بلد لا يعطيني شيئًا، يطالبني بكل شيء، ويطلب مني أن أخاف وأسكت. لكن عندما بدأت الأحداث في سوريا، اندهشت لأن والدي أرسل إلي كاميرا، وطلب مني أن أطلع إلى الشارع وأصور، ولم يعرف هذا المسكين أن من يطلع إلى الشارع ويحمل كاميرا.. يُقتلquot;.

بين العصرين

وquot;سلم إلى دمشقquot;، الذي عرض في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، فم يتكلم كثيرًا، بالرغم من أنه يعرف، ويريدنا أن نعرف، أن ثمة شبيحاً ينتظر خلف كل منعطف، لا يرأف بأحد.

ففي بيت دمشقي قديم استوطنه طلبة سوريون أتوا من محافظاتهم إلى العاصمة، تبدو ملامح سوريا ما قبل الثورة، ما قبل حربها الأهلية المريعة. فالكل متعايش مع الآخر، القادم من منطقة أخرى فيها طائفة اخرى أو دين آخر.

وفي هذا البيت تبدو ملامح أخرى، لا علاقة لها بسوريا ما بعد آذار (مارس) 2011، بل بنزعة حنين غير سويّ لماضي الأيام الدمشقية، بالرغم من أن هاجس النجاة من الموت هو الصورة الأخرى للحنين إلى حياة، ماتت فيها النفس الأمارة بالحرية، لكن عاش فيها الاستقرار.

تحولات سياسية

أزيز الرصاص ودوي القنابل هي الأصوات التراجيدية في دراما الخوف من المجهول، التي تتفاعل في أرجاء هذا البيت، الذي أصبح - كما سوريا - غريبًا عن القاطنين فيه، لا يجمعهم إلا خوف واحد من مجهول خاص بكل منهم. منهم غالية، التي تسكنها روح زينة، المولودة الغريقة توًا، أتت دمشق تدرس التمثيل لفهم حالتها، وفؤاد، بطل الفيلم، الذي يأتي بها إلى البيت هذا.

وغالية هذه طرطوسية، تعود إلى مدينتها لترى أباها المتقاعد قسرًا من الجيش يتابع خطاب بشار الأسد، فيقول: quot;فخختوا البلد حولتوه لحقل ألغام، تتخلوا كل تمرد فيه فتنة، وإذا واحد اختلف معك تسجنه 10 أو 15 سنة، وتدخل أولاد خمس عشرة سنة إلى السجون بلا محاكمةquot;. وأم غالية، بحسب غالية، كانت قررت أن تحب سوريا وفلسطين وحافظ الأسد، quot;لكن بعد ذلك، بدأت تحب والدي، وتوقفت عن حب حافظ الأسدquot;.

أخيرًا، يحمل أحد ساكني البيت سلّمًا، يصعد إلى السطح: quot;أريد ان أذهب عند اللهquot;، فيصرخ الجميع: quot;حرية..حريةquot;. في هذه اللحظة، يدوي انفجار ينهي الفيلم، فلا نعرف مصير البيت وساكنيه، كما لا يعرف السوريون مصر سوريا.

في الاتجاهين

ليس الفيلم بطيئًا، بل هو كأي أفلام ملص الأخرى يسير الهوينى، يتناول موضوعه تلميحًا لا تصريحًا، ويكتفي بكلام صريح عن حرية لطالما حلم بها السوريون. فملص قالها مرارًا، وما زال... ليس المطلوب من الفن، من السينما، أن يضيع في متاهات السياسة، ولا أن يلعب دور quot;البصارةquot; فيتوقع ما ستؤول إليه الأمور السياسية لاحقًا، ولهذا بقي quot;سلم إلى دمشقquot; بعيدًا عن التباسات الثورة وضبابية الانقسام السوري، وصعوبة الاجابة على سؤال: إلى أين تذهب سوريا؟ يجيب ملص: quot;لا أحد يعرف الإجابةquot;.

ويضيف في حديث صحافي له بعد عرض الفيلم: quot;خرج الأمر من يد الذين أرادوا أن يصعدوا السلم حتى يروا بلدهم كما كانوا يحبون أن تكون، فقد صعدوا يبحثون عن حلمهم بالحرية، ثم سمعنا انفجارًا، فهم قتلوا أو اختفواquot;.

ويقول: quot;منذ البداية، كان الهدف هو الحرية والكرامة، والآن نحن مهددون بالعودة مئات السنين إلى الوراءquot;. فسلّم ملص إذًا، الذي أراده للصعود من قاع الزنازين لتنسم ريح الحرية حتى لو كان الموت بعدها، تحول سلمًا باتجاهين، ولا يعرف في اي اتجاه يذهب بلده.