بغداد: في المشهد الشعري العربي لم يعد هنالك ما يوحي ان الجمهور على علاقة وطيدة بالشعر الا في جزئيات ربما يفترضها الشعراء انفسهم، وان يرون ان الازمات والتحديات ليست جديدة على الشعر الذي طالما كان يلامس العديد من الاسئلة الوجودية.
تباينت وجهات نظر عدد من الشعراء العرب حول اذا ما كان الشعر العربي يعيش ازمة في واقعه الحالي او انه يواجه تحديات، مؤكدين على وجود عدة اسباب وراء ما يعتقدونه، لكنها لن تؤثر في وجوده، مشيرين الى ان الشعر العربي كان على الدوام يواجه الكثير من التحديات على مستوى التحولات في مختلف المجالات الحياتية، فيما عزا اخرون السبب بما يمر به الشعر بوسائل الاتصال الحديثة المتمثل بعضها بالدراما التلفزيونية والمسرحية والسينمائية،على الرغم من تأكيد البعض ان الشعر ما زال قادرا على التحريض والوصول الى الجمهور، فيما يشير البعض الى ان المشهد عبارة عن ضجيج شعراء وشحة شعر !!.

شاعر تونسي: الشعر العربي ما زال قادرا على التحريض
فقد اكد الشاعر التونسي خالد الوغلاني ان الشعر ما زال قادرا على التحريض لانه يعيش في وجدان الانسان العربي، وقال: انا اعتقد ان ما حدث في الشعر العربي هو مثل ما حدث في الثورات العربية اليوم، في وقت ما ثار المثقفون والشعراء وفق افكار،احيانا كانت مستوردة، وحاولوا ان يجربوا وان يأتوا بأشياء جديدة،اليوم الشعراء بدأوا يفطنون الى الاخطاء التي وقعت في مشروع الحداثة دون ان يضربوا مشروع الحداثة،يعني هناك محاولة اصلاح،ما سمي الان بـ (العودة الى العمود)،حتى تسمية الشاعر العمودي هناك حولها تساؤل اذا ما كانت هذه التسمية صحيحة ام لا، انا ارى انها خاطئة بالفعل،فليس هنالك مفهوم قصيدة عمودية او قصيدة افقية،هناك قصيدة تنتمي الى ذات قصيدة البيت،هي قصيدة البيت في مقابل قصيدة التفعيلة مثلا،هذا لكي نفهم او لنسمي، ولكن الان ينبغي ان نفهم ان ما كان موجودا في الشعر العربي ليس كله خطأ،وان هناك اشياء في الشعر العربي دمرناها وهي صحيحة منها قضية الوزن والقافية، اكثر من ذلك هي الاقرب شكلا الى اشكال الحداثة،فمن يقرأ تجربة ادوارد غليسان في الشعر الفرانكفوني يفهم ان شعرنا حافظ على شكله،وحفاظنا على ما يسمى بالشعر العمودي كان امرا ايجابيا للشعر العربي.
واضاف: الشعر العربي ما زال قادرا على التحريض،وشعرت بهذا في تونس،صحيح انني اضطررت الى الكتابة بالعامية ولا ضير في ذلك لان الشعر هو الشعر سواء كتبته بالفصحى او العامية،فليست هنالك قطيعة بين الفصحى والعامية،فالعاميات ثراء للحضارة العربية الاسلامية مثل كل اللغات الموجودة،كتبت قصيدة قرأتها في تونس حول الاوضاع التي نعيشها كان لها وقع اذ انها تم عمل (شير) في الفيس بوك بعدد 25 الف في ثلاث ساعات فقط، الشعر يعيش في وجدان الانسان العربي،ينبغي ان نمسه ونذهب اليه ونعيد احياءه فقط.
شاعرة فلسطينية: تراجع الجمهور الشعري خذل الشعر
اما الشاعرة والروائية الفلسطينية ايناس عبد الله فقد اكدت ان الشعر خلق أزمه تخصه،ضمن الأزمات التي تعصف تباعا،ومع ذلك فهو باق، وقالت: الشعر في أزمة وجود،وليس أزمة كتابة،انحسار الرغبة في الشعر جعل من الشعراء اكثر رغبة في التواجد دون ان تساهم نصوصهم في رتق الفراغ، لم يعد الشعر يمثل إلا نفسه، بسبب أن الخيال الشعري بقي على حاله في حين تغير الواقع بشكل مشوه، تراجع الجمهور الشعري أيضا،لصالح الجمهور الروائي خذل الشعر كثيرا،الأزمنة التي لا تنتج قصائد،بل صراعات اكثر تعقيدا لا تعطي للمشهد الشعري أحقية السبق، هذا يعني أن الشعر يتراجع جماليا ومعنويا،لأن الخيارات المتاحة اكثر دموية وانحيازا للواقع،الواقع يفرض نفسه بقوة مستخدما التكنولوجيا،فتتخلخل القصيدة المتغذية اصلا على الوهم،،موضع الثقافة أيضا،لم يعد استراتيجياـأطاحت به القيم الاقتصاديةـالسياسية،ما كان مبهرا شعريا قبل عقود،أصبح اليوم من المثاليات الموثقة،يواجه بها عالم دون مثل،الشعر لا يعيش في الأنكماش،مثله مثل الحياة يحتاج بقعة تحت الشمس لينمو ويزهر
واضافت: هو ليس في أزمة وحسب،الشعر خلق أزمه تخصه،ضمن الأزمات التي تعصف تباعا،ومع ذلك الشعر باق،لأنه من المسلمات،طالما اللغة حية،يمكن للشعر ان يتنفس تحت مظلتها،ويمضي حاملا صليبه كما في كل الأزمنة التي نقاتل فيها بشراسة من أجل الكلمة.
شاعر مصري: قلة الاهتمام بالشعر العربي في المجتمعات العربية
من جانبه اشار الشاعر المصري ظريف الاديب الى ازدهار الرواية مقابل ضعف الشعر لاسباب مختلفة، وقال: نعم الشعر العربي يمر بأزمة، لكنها لن تؤثر على وجوده، فهو سيبقى متى ما بقي الشعور الإنساني على الأرض، إنما في ظني أنها أزمة نابعة من الشاعر والمجتمع قبل أن تكون أزمة قارئ، فقلة الاهتمام بالشعر العربي في المجتمعات العربية مقارنة بالرواية سبب من أسباب هذه الأزمة، ما أدى إلى إحباط الشعراء من جهة، بخاصة أن المجتمع العربي بات يزهو ويفخر بظهور روائي فيه أكثر من ظهور شاعر، ما أدى إلى ضعف حضور الشعر والشعراء في الإعلام العربي وبروز الروائيين فيه على اعتبارهم أنبياء واقعهم المعاش في تلك المجتمعات.
واضاف: كما أن وجود الدراما المسرحية والسينمائية والتلفزيونية وعلاقتها النشطة بعالم الرواية سبب من أسباب ازدهار الرواية ونشاطها، وتوجه الكثير لهذا الفن، أضف إلى ذلك تخلف المجتمعات العربية اقتصادياً وتعليمياً وانتشار الفقر وقلة الوعي وكثرة المشكلات الاجتماعية كل ذلك حول الأفراد بهذه المجتمعات إلى واقعيين لا رومانسيين أو وجدانيين. كما أن الشعراء وبسبب الخطوط الحمر لا استطاعة لهم في مجتمعات تضيق بحرية الكلمة أن يعبروا عن واقع وهمّ المواطن العربي، ما أدى إلى ضعف قضاياهم الشعرية، إلا من رحم ربي، فهو محاسب قانونياً وسياسياً أكثر من الروائي الذي يمتلك قدرة الهرب في التخفي خلف شخوص وأبطال رواياته.
شاعر يمني: الشعر العربي تأثر بوسائل الاتصال الحديثة
فيما اشار الشاعر اليمني عبد الاله الشميري الى ان الشعر تأثر بوسائل الاتصال الحديثة والفضائيات وقال: الشعر العربي من حيث التداخل والثراء هناك شباب عرب اضافوا الكثير خاصة في الشعر العمودي،انا الاحظ ان الشعر العمودي بلغ اوجه في الاشتغال على الصورة الشعرية والابتكار والخلق، ولكن نستطيع ان نقول انه بعيش في ازمة من حيث ان الشاعر الحقيقي او المثقف الحقيقي لم يصل الى اتخاذ القرار الثقافي حتى يسخره للشعر ويخرجه من الازمة، الحاصل ان المثقف- السياسي اما ان لا يفهم في الشعر او يحاول قمع هذا الشاعر ان لم ينساق خلف ايدلوجيته وتطويعه لما هو يريد.
واضاف: اعتقد ان الشعر العربي تأثر بوسائل الاتصال الحديثة والفضائيات،فتلاحظ هناك قصائد الفيس بوك،فأصبح الشاعر حين ينشر نصا لا يهتم بالنص الطويل وتحول الى اصغر مقطع ممكن او ابيات عدة لتعبر عما في داخله بحيث ان في اعتقاده،وهذا رأيي الشخصي، ان المتلقي الاخر ليس لديه وقت ليقرأ النص كاملا،30 او 40 بيتا،بل يقرأ اربعة او خمسة ابيات فقط.
وتابع: انا ارى الشعر العربي لا يحتضر، ولكن على الشاعر الذكي والحقيقي ان يحاول خدمة الشعر قدر المتاح،من الممكن ان اضغط ابداعي وأقدمه بشكل اخر،اقولبه حسب سرعة الوقت.

شاعر سوري: الشعر اصبح بين مؤسستين طاردتين
اما الشاعر السوري هاني نديم فقد اكد ان مهمة الشعر صارت اليوم اصعب،لكنه مؤمن ان اللغة كائن حي لاتموت، وقال: الشعر العربي دوما.. يمر بتحديات منذ نشوئه ازاء مؤسسات دينية وذهنية دينية تسحبه الى الخلف،وهو دائما يواجه هذه التحديات، واليوم مع تراجع الامة ومع انهيار اللغة العربية فالشعر يواجه تحديات اكبر، اذ انه اصبح بين مؤسستين طاردتين،الدين والتخلف، فاليوم مهمة الشعر اصعب،لكنني اؤمن ان اللغة كائن حي لاتموت ولا يمكن لها ان ترتد الى الخلف،فهي دائما الى الامام حتى وان كان تطورها بطيئا، اليوم نجد هناك عودة كبيرة لفحولة اللغة،للخطاب القديم، انا اؤمن ان هنالك شعراء اليوم يضاهون شعراء الالق، ولكن لا تساعدنا الامة من ولا تساعدنا مكانتنا، اخيرا اؤمن ان الشاعر سيكون احد مسببات نهضتنا من جديد.
شاعر عراقي: ضجيج شعراء وشحة شعر
فيما فقد اختصر الشاعر العراقي الدكتور حسين القاصد المشهد بكونه عبارة عن ضجيج شعراء وشحة شعر، وقال: كنا نأمل ان يكون الشعر ـ بعد ان تخلى عن منبرية نوعا ما ـ أكثر ازدهارا الان دخول كل من هب ودب ممن استسهلوا الشعر قضى تماما على الجمهور المتلقي الذي اصبح يبحث عن متلقٍ هو الاخر بعد ان اصبح شاعرا !! وهنا وفي ظل ازدهار الرواية يبدو ان الشعر الذي هو الهوية الادبية العربية اخذ بالتراجع ومع هذا كله فالعرب عجولون !! والمتلقي العربي لايستطيع التخلي عن الشعر ويبقى يبحث عنه، لذلك نجد المتلقي يخوض في التحديات لكي يزيل العقبات من طريق الألق الشعري.
واضاف: اخطر التحديات التي تواجه الشعر هي شعور الاخر بضرورة ان يكون شاعرا وبعد ذلك يقوم باستسهال العملية الابداعية بمجرد ترتيب كلمات عدة في سطر واحد،باختصار المشهد عبارة عن ضجيج شعراء وشحة شعر !!
ناقد عراقي: ازمات لا تتعلق بموت الشعر او حياته
في الختام كانت لنا وقفة اخيرة مع الشاعر والناقد العراقي علي حسن الفواز الذي شرح ما واجه الشعر خلال بعض مراحل حياته فقال: الشعر العربي يواجه على الدوام تحديات،تحديات التحولات الاجتماعية والسياسية وايضا تحديات التحولات الفنية لان الشعر كائن حي،والكائن الحي قريب دائما من منطقة الاسئلة،على الشعر دائما ان يلامس الاسئلة الوجودية،اسئلة الماذا،الاين،اللماذا،اسئلة تتعلق بالحرية وبالوجود والمعنى،هذه التحديات وهذه الازمات اذا افترضناها هي ليست ازمات تتعلق بموت الشعر او حياته كما يسوق الان وانما عملية تغيير الاشكال والاساليب والبنى والرؤى،وهي ليست وليدة اليوم بل وليدة التاريخ،فحينما تحولت القصيدة الصحراوية من قصيدة الجماعة،البادية، الاطلال والتي اعتمدت صيغا اسلوبية معينة قامت على فكرة النسيب والتذكر،تحولت القصيدة فيما بعد الى القصيدة السرية،خاصة في المرحلة الاسلامية،بدأت القصيدة تعتمد مبدأ التورية لان الاسلام،كونه ذا رسالة اخلاقية،بدأ يحجم من القصيدة المباشرة او القصيدة المبالغ بغزليتها او طلليتها ونسيبها فمالت الى المدح الرسولي واستحضرت القيم، وهذا ادى الى حد ما الى تهميش دور الشعر في الحياة الفنية لكنه عزز وظيفة الشعر باعتبارها جزء من الرسالة، ايضا الانتقال الاخطر الذي حدث في الدولة الاموية وفي الدولة العباسية حينما بدأت تتشكل ملامح المدينة السياسية والثقافية، وهذا اقتضى من الشعراء ان يعيدوا انتاج الاساليب الفنية ورؤى القصيدة،لذلك ضمرت القصيدة ذات الوظيفة الرسالية وحضرت القصيدة ذات الوظيفة المدحية وذات الوظيفة الغزلية، وهذا يدلل على ان شعراء الغزل الذين انتشروا في المرحلة الاموية خاصة،هذا يدلل على ان القصيدة الغزلية هي القصيدة الوسطى ما بين التحول من منطقة الطلل لكن التحول الاخطر في القصيدة العربية كان في المرحلة العباسية حينما شكل او حينما شرعن الشاعر الكبير ابو نؤاس اول علامة لما يسمى بقصيدة المدينة حينما هجا الظاهرة الاسلوبية التي تكتب بها القصيدة الجاهلية، وهكذا بدات تتوالى القصائد.
واضاف: القصيدة تتاثر بأكثر من مكان وبالزمن وبمجموعة من العوامل والمعطيات والمتغيرات التي تنعكس عليها، واعتقد ان هذا سيظل هاجس الشعر الى ابد الابدين، بمعنى الشعر لايموت ولكنه يبدل ازياءه واقنعته واساليبه واغراضه واشكاله وهذا هو جزء من السؤال الشعري الذي سيظل مفتوحا: لماذا والى اين.. يذهب الشعراء.