1- نساءٌ في صحن

سبعة ُ وجوه نساء قمريّة اجتمعت في صحن.
هنَ من مختاراته، جاء بهن من مدائن متشظية.
اربع عشرة عيناً، كلُّ عين لها سهمُها القاتل، القادمُ من سهب الغيوب.عيون لها ضحاياها، قتلى وقاتلات. واختلطت الفانية ُ بالباقية. لكنْ، لمَ اجتمعت وجوهُهن في صحن ؟ كان الرسامُ احدَ الضحايا، اخطأه سهمٌ وطاش بعيداً، فلم يُدوّنْ اسمُه بين الضحايا. لكن فرشاته جرّبهنَ من متاهات شتى، وزجّت بهن داخل الصحن. الصقهن فون سطحه وبتن صوراً. هنَ اسيراتُه. غانياته، علقهنَ على جدار غرفته. وكلما اصبحَ وأمسى يراهن معلقات، سجينات الزمن. والوقتُ: محضُ عاصفة عابرة، سيلُ هباء جار. لا يتغيرن، ولا يشخن، ولا ترمشُ عيونُهن. هن ناظراتٌ فينا، وصامتات أسنَّ في كلس الوقت. ولكلّ احداهن قصة ٌكالغصة تجرحُ وتُدمي. كيف وصلن الى الصحن ؟ أنا غريبُ الثوب والاهاب جئتُ من حقل مطمور منسي. ورأيتهن. وكلفتُ بهن، بكلهن. بسبعة أقمار مضيئة. أنا مسافر مُغمّسٌ بالغلس والسخام. وحين توقفتُ أمامهن أضأنني، بتُّ أشعُّ، انير ما حولي.وظللتُ مُدّثراً بنظراتهن،. بددن عتامي. فمَنْ يُصدّقني ؟ يصدٌقُ الصحن يحبسُ سبعة أقمار جيء بها من أصقاع نائية. ولأنهن سرّ كلّ الأسرار فقد استحلن اسطورة تنتقل خلل ذاكرة الناس، كحكاية الخلق، وطائر الفينيق. كلُّ وجه مخلوقٌ غرائبي يتنفسُ بالجمال والألق. تُسحرك نظرتُه، تتمادى على سرير الجمال والخلود. هن مستقراتٌ في قاع الصحن، مخلدات، لا نائمات ولا صاحيات. ومن أية زاوية نظر أراهن، لا يتغيّرن ولا يسأمْنَ. حسبُهن فقد غدون شظايا زمن. لهنَ فصولُهن واشهرهن وأيامُهن تمرُّ بهن، ويمررنَ بها من دون حساب. فما كان خالداً لا يحسِبُ للوقت حساباً. باقيات، لم تتغير ارتعاشة هدب لديهن، ولا عرا بسمتهن اختلافٌ، فالوجوهُ في ثبات ازلي. لا أدري لأيّهن أوجّه نظري. كلهن يخلبن اللبّ ويستغرقن في اشعال الحرائق فيّ. والشعور والصبروالفرح لم يُغادرّ سيماءهن. من بُعد أراهنَ يتسعّرن بالكبرياء لجلب الانتباه، وعن قرب حين اتقرى خدودهن يبدُون باردات ملساوات كما لو صرن شيئاً من معدن الصحن. نحاساً أو فضّة. لكنّ الحياة باقية
فيهن مثل الطراوة في العشب.فمَن كنّ قبل جمعهن: سيدة ٌ تحتضنها شرفة ٌ، فلاحة ٌتيبست عروقُ يديها، راقصة ٌ لها خصرٌ لدن كالغصن، ساقية ٌفي حانة، خادمة ٌفي قصر. بُنية في الجامعة. بائعة ُ جسد ليلي.لكنه أحترمهن بشراً لهن شرف ُ التجمع معاً. اخترم وقتهن ووجودهن، سرقهن من غضاضة وخشونة عيشهن، فجاء بهن الى صحن الخلود.

2 - لغة ُ الوقت
أهدرُها في نزواتي القصوى، في مشاكسة حبات الرمل، في عضّ الأسورة، في جني الشوك، في نصب الشرك.
أهدرها عبقاً في اصطياد الحلم، والقبض على المأرب وردع العشق.
هي زمنُ ضياع ابعثره كالغبار. وأنا... مفتون بالرهبة تتنزّل مثل الضباب المتوحش. صبحاً تحملني جولتي في مماشي الطيش، والرغبة الماجنة. ظهراً تتعالى نبرة ُ صلاتي. ليلاً أقطعُ بكلّ أحد صِلاتي. دقيقةٌ مثل الأكاذيب مواقيتي. أشحنها بالرغبات الفجة. وارى زمهرير الشتات يتمشى في الدرب، غير مكترث بأثوابنا الصيفية. تتبعُنا عيونُ المهى. يتبعها جوعُ الفقير. وزغردة ُ العرس. وفاتحة المأذون. يغرسنا في الغيبوبة جلُّ النهار والجلنارُ والرازقي والسوسنة والسنونة ُ والقرادُ وصمتُ القبرة وانينُ المرض.
أهدرها في مضغ الثرثرة والخطاب الفارغ، والحوار الأحادي ساعة يطرق الحلمُ بابي.
أهدرُها في ملاحقة اللاجدوى.... والكلامُ المنافق أحسمُ به أمرَ ضياعي ساعة َ انفصلُ عن يماماتي وراء النوافذ وخصاصات البيبان.ولي بيتان: بيتُها انتمي اليه وبيتي اللامُنتمي، ولا أدري أين ابيتُ ليلتي.ولي جناحٌ يرفرفُ وحدَه في الفضاء الممتدّ بين الكلمات. وأغضُّ طرفاً عن سيئاتي تتفاقمُ في الدرب، وحول مائدة الطعام وصفحات الكتاب. ارشقُ الوهم بغمغماتي الصغيرة. بالغثاء الطازج، بالانبهار الفجّ. بغض النظر عن هفواتي.
أهدرُها في كسب التناقضات: الرحمة والقسوة،التعب والراحة. في الرصانة والخبال، في الحقيقة والخيال.
لن...
أهدَرها بعد الآن. لن اهديها خاتماً ولا سواراً، بل حفنة مواعيد زئبقية. سأمرّ أمام الباب، والنافذة حجراً يدحرجني الوقتُ اللجوجُ. شظية قشّ ٍ يدفعني النسيم من درب لدرب. ولي حدسٌ وعنوانٌ وعنفوانٌ أبرمج وفقها نهجي ومنهجي.
تارة ارتدي ثوب الزنبقة، أملأ حنجرتي بهدير الأرغن. تارة أجري صامتاً مثل الظل. لكن وجهي لايغيب في دوامة العناد.
لغتي قارة ُ صدق ووفاء، أعبئها بنسغ المنطق والرخامة. انشرها على حبل الشرف، أرشّها في الأفنية وغرف الصلاة وفي دروب الوجد، اتوسدها ابان اطلق نزواتي. وقتَ نتراشقُ بالمحبة والمعرفة.
لغتي صدحُ صوح في مبتدأ المبادرة، وفي ختام اللقاء. أهدرُها في الحوار الجميل، في جمع التلاحم والألفة.
لغتي
أتمسّكُ بعُصارتها
زاداً لأيامي القابلات..
تلداً يُبقي أواصره
لي ولهم، وللزمن يسعى بين أيدينا ؟