بين أيام نادرة تتلألأ وتضحك، وطول أيام كئيبة، عابسة، ترثي الشمس وأوراق الشجر، تتدافع الخواطر والذكريات، ويلوح القبو الصغير المظلم حين كنا نشكو الزمان للزمان، ونندب تصدع الأحلام وانهيار الآمال....
لم يكن يتناهى إلينا، ليسري عنا ولو للحظات، صوت لليلى مراد، ولا بيت من الجندول، ولا صدح من بلبل أسمهان- البلبل الشهيد.

العجوز المريضة تبيع بعض الفاكهة، جالسة القرفصاء، وأطفال يفتشون عن لقمة الخبز في القمامات، وأرملة يراودها معمم خبيث. ألا ليت quot;الخضراءquot; لا تعود خضراء بل تتحول لقفص كبير لا يعرف كهرباء ولا ماء نقيا، وإذن لعرفوا ما تعانيه تلك العجوز وتلك الأرملة المنكوبة وأولئك الأطفال.

انقلبت القيم والمعايير، وتبارى جشع السلطة وجوع المال والامتيازات، وحل موسم التجارة بالغرائز والطقوس، وغلب هوس اجتثاث الفن والجمال وإدانة الفكر السليم، واستفحلت الأحقاد وشهية الانتقام، ساحقة عواطف المحبة والوئام، وانفلتت العقارب والأفاعي من كل حدب وصوب، وانقضت وحوش على أسيرات بريئات، وجاء من شرق البلاد حامل سيف وصاروخ يتباهى بأنه هو ملك الأرض والعباد، وأن لا مكان هنا للشعراء والمغنين، ولا للكتاب الذي لا يؤلفه الفقيه.
ويوم كتبت كيف خرجت الخنافس في موكب حاشد تسخر من الحب وتشتم المحبين، وكيف وضعت البعوضة ساقا على ساق تسخر من الغزلان والخيل، فولت هذه الأدبار مرددة: quot; لم يعد لنا مكان في عالم الابتذال والخرافاتquot;.
وحين صفق السيد الأكبر على عرشه، راسما إشارات المرور، فخشخشت النقود تشتري الولاء والضمائر والأقلام.

ولما وصلت أخبار الحارة إلى النخلة، بكت لحال أهلها ولجفاف الأنهار. أما الوردة، فقد شهقت، وبللت الأرض بالدم الحزين. وفي القرية النائية، صاحت الأم بوليدها الجديد: quot;عد من حيث أتيت، فلا طعم لحياتنا بعد اليوم. إننا نغرق، نغرق. الحارة تغرق وأصحاب الخزائن والعمارات خارجها لا يرف لهم جفن وكأن واحدهم الحجاج ونيرون. يتصارعون ويتفقون، ويتقاذفون بالألقاب والتسميات والاتهامات، ويسخرون من ذلك الحاكم الطيب الذي تبرع بقطعة أرضه الموروثة لتكون مدرسة للبنات. ولكن هل خلق التعليم للأنثى وهي رمز الفتنة والإغراء ولما ملكت الأيمان! وماذا يعني عيد الحب ويوم المرأة غير الانحراف والمجون!

ونظل نحلم بأن تشرق الشمس من جديد، فتتوارى جحافل المشعوذين واللصوص، وكتائب العنف والكراهية والجهل، وعصابات مروجي الأوهام.... فتنتصر المودة والشعر والجمال.... ألا ليت!

في 2 مارس ndash; آذار- 2013