القاهرة: quot;إن غابت السدرة وإن ابتعد البحرquot; للكاتبة الإماراتية إيمان محمد عمل شعري متفرد في نسيجه وخصوصية رؤيته، تجلت فيه جماليات قصيدة النثر من حيث قدرته على تشكيل الصورة والقبض على حركة الروح والجسد زمنا ومكانا تاريخا وحضارة، وتوهج الحواس في المفردات البسيطة والغنية بالدلالات، باختصار عمل يحمل ذاتا مفعمة بالحيوية ومخلصة لتكويناتها الإنسانية واشتباكاتها مع الواقع سواء ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا.

لقد عرفت الشاعرة منذ سنوات وخلال لقاءاتنا الكثيرة لم تكن تفصح عن الشعر وكانت تجليات العمل الصحفي هي أكثر ما يسيطر عليها، لذا ابتهجت كثيرا بينما أقرأ هذا العمل وأتفاجأ بزخمه وما تملكه نصوصه من جماليات فنية ولغوية، عالم يضج بالصور الغنية بالحياة والحيوية والعواطف والأحاسيس، الأماكن وعناصر الطبيعة والذكريات كلها تجود بأسرارها.
حول هذا العمل الجميل الذي صدر منذ أسبوعين تقريبا بالتعاون بين وزارة الثقافة والشباب واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كان هذا الحوار مع الكاتبة.
** على الرغم من quot;إن غابت السدرة وإن ابتعد البحرquot; هو عملك الأول إلا أن زخمه العميق وتفرد رؤيته وتوهجها يحمل تأكيدا أنه ليس الأول، فهل سبقته أعمال ذهبت أدراج الريح أو ربما تحملها بعض الأدراج السرية؟
** لم يسبق لي أن نشرت كتابا أدبيا من قبل، بل كنت أتدرب على الكتابة من خلال عملي الصحفي ومطالعاتي المعمقة والقراءة الدائمة. هناك بعض النصوص الشعرية المبكرة غير الناضجة والتي قد لا انشرها لأنها غير مكتملة لكنها تعبر عن مرحلة عمرية ونفسية معينة. أنا اعتقد أنه ليس كل ما نكتب يجب أن ينشر، وهو حتما لا يذهب أدراج الريح حتى لو لم ينشر.
** اتساع فضاءات الصورة واستخدام لغة غير مستهلكة، وتحقيق نسيج مختلف في قصيدة النثر على الأقل لدى الأجيال الجديدة، يطرح سؤال التكوين الشعري وتأثرات التجربة الشعرية الحداثية عليك؟
** أتمنى أن يكون الأمر كذلك، فعندما اكتب لا أتعمد أن أحكم البناء اللغوي بقدر ما أفكر في نقل مشاعر اللحظة ومآلاتها ووضوح الجانب الفكري فيها. قد أعمل على إعادة الكتابة في بعض الحالات حتى أصل إلي رضا ما عن ما اكتب واعبر عن. وهذه فنيات الكتابة بطبيعة الحال وربما كلنا نفعل ذلك، أما التكوين فإنني من النوع الذي يقرأ بنهم، وأحب الاطلاع على التجارب الشعرية الحديثة والمعاصرة في كل الثقافات، إلى جانب انفتاحي على الرواية والسرد وحتى الدراسات النقدية والبحوث الاجتماعية والرؤى السياسية أيضا. اعتقد أن الكاتب لا بد أن يكون منفتحا على العالم إن كان يريد تجويد أدواته.
** لماذا صنفت عملك بـ quot;نصوصquot; وليس quot;نصوص شعريةquot; أو quot;مجموعة شعريةquot; على الرغم من أن الأمر واضحا؟
** أعتقد أن هذا شكل جديد من الكتابة يتمرد على القوالب السائدة من الشعر، فهناك مزج مابين السرد القصصي واللغة الشعرية دون الحفاظ على الوزن والقافية أو التفعيلة، لذلك تجنبت إعطاء الصفة الشعرية على نصوصي، وتركت للمتلقي أن يتذوقها ويقرر تصنيفها.
في الإطار الأحمر
كم تبدو ماكراً في الصورة ذات الإطار الأحمر!
البدلة الكحلية والأنيقة جداً لا تليق بشحوب بشرتك المشذبة بquot;الفوتوشوبquot;، ولا تُضفي عليك ربطة العنق باهظة الثمن أي هيبة أو وقار.. كأنّك في الصورة تنظر إليّ مباشرة..
وتتحداني أن أُحلّق وأرتفع عن الأرض، كأنك أنت الوحيد quot;الفاهمquot; في هذا العالم ومن سواك quot;رعاعquot;، هكذا تقول عيناك الصغيرتان المحدقتان بي في الصورة ذات الإطار الأحمر...
كم أنت نظيفٌ في الصورة! الخلفية الخشبية تُظهرك وكأنّك في مكتبٍ فخم، ولا تُظهر عالم الكرتون المقوى الذي شيدته من حولك، فقط لمن يشبهونك من أصحاب الإطارات الحمراء، عالم ستذهب به الريح حتما عندما تشتد، عالم لن يبقى له أثر في الأرض حينما تُمطر عالماً زائفاً مثلك وقابل للزوال...
كم تبدو مضحكاً في الصورة ذات الإطار الأحمر، أكاد ألتقط الفكرة التي مرت في بالك لحظة أُخذت لك الصورة، كأنّك كُنت تحلم بليلة حب ماجنة مع كل النساء اللواتي سيرين الصورة، أيّ امرأة عابرة قد تستوقفك، ستدّعي الشاعرية وأنت تصف عبير عطرها الذي فاح في المكان، ويأخُذك الجنون وأنت تتبع تفاصيل جسد ثائر، ستدفع الثمن حتى لوكان من حليب طفلك البعيد، أودواء والدك المريض.. ليلة لن تكون أنت فيها أنت، ستخذلك فحولتك المُدعاة على الورق وفي ليالي إنهزامك الطويل...
كم تبدو حاذقاً في الصورة ذات الإطار الأحمر، يا من لا يكترث بكل الفوضى التي يحدثها حوله.. عينا الذئب تقودانك إلى مكامن الخبث، تعرف كيف تنهك طريدة؛ وتعرف متى تنقض عليها.. أصابعك الطويلة تتقن نسج الأشراك الصغيرة لمن لا يضع نفسه في إطار أحمر.
** ولماذا قسمت النصوص لثلاث عناوين تحت كل عنوان عدد من النصوص، بالرغم من أنها لو تركت هكذا لما أثرت كثيرا في رسالتها؟
** إعداد النصوص للنشر مر بعدة مراحل من التصنيف والفهرسة وإعادة الكتابة أحيانا وأيضا الحذف في بعض الأوقات، وقد وجدت أنه من الأفضل أن أقسم ال 39 نصا إلى خمسة أقسام وليس ثلاثة. وهذا التقسيم قد يحيل القارئ إلى وقفات فكرية ومضامين وربما مشاعر آو إيحاءات أو لا شيء أيضا، فالقارئ قد لا يتوقف عندها ولا تعني له شيئا، لكنها قد تكون بمثابة وقفات للتأمل و التنقل بين المعاني والمشاعر. ربما هي تقسيمة ليأخذ القارئ نفسا بين النصوص.
** عندما تقتربين من الآخر الأب، الأم، الطفولة، المكان تتدفق العاطفة سردا، وأما الآخر المحبوب فتتريث العاطفة ويتجلى المجاز صورة ولغة .. ما السر؟
** لا اعرف، لم أكن اقصد ذلك بطبيعة الحال، ولكني أعتقد أن تدفق العاطفة موجود في كل الحالات حتى مع الآخر، لكن ربما تعني أن الترميز يبدو أكثر كثافة ربما للتابوه المعروف في ثقافتنا فيما يتعلق بتعبير المرأة عن مشاعرها تجاه الآخر. وهذه ملاحظة أشكرك عليها واعتقد علي الانتباه لها أكثر في المرات القادمة، لأني أؤمن أن تعبيرنا الواضح عن ذواتنا، وخاصة تعبير المرأة عن ذاتها بالكتابة، كفيل بتحريرنا وتقريبنا أكثر من الآخر.
** ذاكرة البحر والنخل والرمل ومفرداتها تشكل جزءا حيويا من تجربتك في هذا العمل، فإلى أي مدى تأثرت بالبيئة الإماراتية ومفرداتها الحياتية؟
** لا تنسي أنني إماراتية وغارقة في تفاصيل المجتمع الإماراتي، كما أني كصحفية مهتمة في النبش في المتغيرات الاجتماعية الحادة حولي، أرصد كل شيء لأنه يؤثر بي بطبيعة الحال ويغير ذاكرة المكان وصورة المستقبل. أمر آخر أننا في المجتمع الإماراتي حتى بوجهه الحديث لا يمكننا الفكاك من البحر و النخلة والصحراء لا باعتبارها رموز لحياة الأجداد والتراث، بل هي مكونات حياتية هامة مرتبطة بطبيعة المكان وإن كان الحيز المكاني للحياة الفعلية ينزاح نحو المدينة أكثر.
وكل هذه المفردات كانت متواجدة في طفولتي ونشوئي المبكر وبقوة، وكانت مرتبطة بالحيز المكاني الذي جمعني مع أسرتي وأصدقائي وأبناء الحي القديم. غياب بعض المفردات من يومياتي اليوم وأنا اغرق في مفردات المدينة العاصفة يشكل لي إشكالية أيضا ويحفزني على استدعائها في النص.
** تتابعين عن كثب الفعاليات الثقافية والإبداعية والفنية الإماراتية هل لنا أن نتعرف على رؤيتك حول الأجيال الجديدة من الكاتبات الشاعرات بشكل خاص؟
** أعتقد أن الجيل الجديد من الكاتبات أصبحن يتوجهن أكثر إلى الكتابات السردية أكثر مثل الرواية، ويبدو أن هناك دفع بهذا الاتجاه بطريقة أو أخرى، خاصة أن كم الروايات التي ظهرت في الفترة الأخيرة يطرح سؤال الجودة ولا نجد له جوابا عند النقاد الصامتون. أتمنى أن لا أكون مقصرة في متابعتي للساحة الثقافية والكتابات الجديدة إن قلت أنه لم تستوقفني شاعرة مؤخرا لا سيما من الجيل الجديد.
** كيف ترين الحراك الثقافي والإبداعي الاماراتي، والدور الذي تلعبه الهيئات الثقافية في تفعيل ودعم ومساندة هذا الحراك؟
** أخشي أننا في الإمارات لا يوجد عندنا حراك ثقافي مؤسس وممنهج، إن صعود وسقوط المؤسسات الثقافية والهيئات الرسمية المعنية بالثقافة مؤشر على عدم استقرار وعدم وضوح الرؤية الثقافية. رغم أن هناك شعارات كبرى تتبني المستقبل الثقافي الذي سيكون إلا أنها شعارات غير مؤسسة وغير مؤصلة، في الجانب العملي هناك توجه لاستيراد الثقافة من أماكن أخرى ولا يوجد تطبيقات على الأرض تعمل على إحياء العمل الثقافي المحلي الحقيقي الذي يكون وعي الأفراد ويشركهم في تشكيل المشهد العام. مجموعة الفعاليات والأنشطة والمهرجانات التي تقام بشكل متفرق وغير ممنهج لن تصنع جيلا واعيا كما يأمل من أي فعل ثقافي. من جانب آخر تراجع العمل في جمعيات المجتمع المدني مؤشر على التراجع الحاد في الحياة الثقافية، وعدم فاعلية الأفراد في تشكيل المشهد الثقافي. هذه الحالة الشاذة لا تبدو امتدادا للحياة الثقافية التي كانت غنية في فترة الثمانينات، حيث كانت البلاد مفتوحة على ورشة عمل حقيقية للتنمية المجتمعية بكل مكوناتها، من المؤسف أنه لم يتم التأسيس على كل ذلك المنجز لصياغة خطاب ثقافي يعبر عن البلاد، ويرسم التوجه القادم في المستقبل. اخشي أن الأمور تسير بدون بوصلة فيما يتعلق بالعمل الثقافي.
إيمان محمد
صحفية مستقلة، تخرجت في جامعة الإمارات عام 1998 بعد تخصصها في الصحافة، بدأت نشر مقالاتها الصحفية أثناء الدراسة، فكانت متعاونة مع مجلة quot;كل الأسرةquot; الأسبوعية وجريدة الخليج اليومية في الشارقة، عملت مع مجموعة من طلاب وطالبات الجامعة وقتها على تأسيس ملحق quot;شباب الخليجquot; الذي تصدره جريدة الخليج أسبوعيا ليكون متخصصا بالمدارس والجامعات والشباب، بعد تخرجها انضمت إلى دار الخليج رسميا وكانت تغطي أخبار التعليم والشباب والشؤون الاجتماعية، وانضمت إلى مجلة quot;الصدىquot; في عام 1999 وعملت في القسم الثقافي لمدة خمس سنوات، ثم انتقلت إلى مجلة quot;المرأة اليوم quot; في أبوظبي كسكرتير تحرير في عام 2009 فعملت في مطبخ إدارة التحرير هذه المرة وساهمت في تأسيس مجلة quot;الرجل اليومquot; وأصبحت مديرا لتحريرها، اعتبرت حينها أصغر مدير تحرير إماراتي وأول إماراتية تتولي إدارة تحرير مجلة موجهة للرجل. استمرت في عملها حتى أغلقت المجلة بقرار إداري بعد صدور 21 عددا.
وجدت فرصة في 2007 للعمل في الصحافة الناطقة بالإنجليزية عبر عملها في جريدة جلف نيوز في دبي، في موقع نائب مدير مكتب أبوظبي، توسعت تجربتها الصحفية لتشمل تغطية الشؤون الثقافية والفنون والتراث والشؤون المحلية والاجتماعية و السياسة المحلية.
منذ 2009 حتى الوقت الحالي تعمل في مؤسسة حكومية كبري في أبوظبي إلى جانب عملها الصحفي الحر حيث تغطي أخبار الثقافة والفنون لوكالة الأنباء الفرنسية.