هل يمكن للقطن أن يبقى ناصع البياض؟
سؤال لا علاقة له باللون! لكنه على اتصال بفيلم المخرج العراقي الشاب لؤي فاضل quot;قطنquot; الذي فاز بجائزة أفضل مخرج في الدورة السادسة من مهرجان الخليج السينمائي، وقد سبق لفاضل أن فاز فيلمه الوثائقي quot;باستيلquot; بالجائزة الثانية في مسابقة الفيلم الوثائقي في الدورة الثالثة من مهرجان الخليج السينمائي.
ليس هذا quot;القطنquot; مزروعاً في أرض وقد حان قطافه، إلا أنه سيُضمّخ بالدم، لا كما في المشهد الختامي لفيلم يوسف شاهين quot;الأرضquot; حين نشاهد العم سويلم (محمود الميلجي) مسحولاً في أرضه ويرتوي القطن بدمائه.
قدّم لؤي فاضل في فيلم quot;قطنquot; حكايته وكل رهانه على الصورة، فالفيلم صامت أولاً، ويُشكّل عنوانه مفردة رئيسة بني عليها، ومن الصعب جداً أن يتجاهل المشاهد قدرة القطن أن يكون رمزاً وربما مجازاً لبلد بأكمله.
الفيلم مصنوع بحرفية عالية وانحياز كامل للصورة التي تتسيّد على كل شيء، وكل ما في الفيلم يأخذنا إلى عالم يتأسس على الرمز، على مجاورة الموت للحياة أو الخصوبة. فنحن نقع على حافلة صغيرة تحمل على ظهرها تابوتاً وتقل أفراد عائلة المتوفى، وفي مسار مجاور هناك فتاة ترعى الأغنام. لن يكون التقاء الخطين عبر حدث يجمعهما، بل بانتقال مفردة بصرية من السيارة إلى الراعية ألا وهو القطن، فنحن سنشاهد الحافلة وقد جرى تفتيشها من قبل الجنود على حاجز، بما في ذلك التابوت، الذي لن يغلق بشكل جيد، بالتالي سيقع منه القطن الذي يحيط بالجثة ويتطاير، لتحمله الريح إلى الفتاة التي تُعايش آلام الدورة الشهرية للمرة الأولى في حياتها، ويتسبب نزيفها خوفاً وحرجاً كبيرين، فتجد في القطن، ما تستخدمه لإخفاء وتقليل ذلك النزيف.
قطن الميت مقابل بلوغ المرأة وخصبها، وكل ما يحيط بما نشاهده متآكل مغمور بالأوساخ والقاذورات ، ولعل كل شيء في الفيلم يقول لنا أن حتى المساعدة على مواصلة الحياة لا تتم إلا من قبل الموتى، في quot;أرض السوادquot; التي لا يفارقها الموت إلا ليعود إليها.
فيلم quot;قطنquot; سيُعرض ضمن برنامج ملتقى quot;بحر السينما العربيةquot; الذي يُقام في إطار مهرجان مؤسسة quot;هورتشينوس أوركاquot; الثقافية العلمية في الفترة ما بين 31 تمّوز/ يوليو و 6 آب/ أغسطس المقبل. ينطلق المهرجان بشريط قصير عنوانه quot;أوف سايد النظامquot; وهو تحية إلى المخرج الإيراني جعفر بنّاهي، الموضوع في الإقامة الجبرية من قبل السلطات الإيرانية والممنوع من الإنجاز السينمائي. quot;أوف سايد النظامquot; سعي لتذكير السينمائيين بمحنة هذا المبدع الكبير الذي حاز على جائزتي مهرجاني فينيسيا وبرلين الذهبيتين، ودعوة للرئيس الإيراني الجديد إعطاء إشارة إصلاحية واضحة بفك القيود عن هذا المبدع الكبير.
دورة هذه السنة من ملتقى quot;بحر السينما العربيةquot; تحمل عنوان quot;خريف البطريرك، دور النساء العربيات في الثورات ومآلات الثورات عليهنquot;. وسيعرض الملتقى فيلمي quot; الصرخةquot; لليمنيّة خديجة السلامي و quot;يا من عاشquot; للمخرجة التونسية هند بوجمعة، إضافة إلى فيلم quot;إنْ متَّ، سأقتلك..quot; للمخرج الكردي العراقي هونير سليم ومن بطولة النجمة الإيرانية الشابة غولشيفتا فرحاني، وفيلم quot;زاباناquot; للمخرج الجزائري سعيد ولد خليفة. ويأتي اختيار الشريط الجزائري للتدليل على أن الثورات العربية التي اندلعت قبل ما يربو على ثلاثة أعوام، لم تكن وليدة الصدفة أو إبنة لحظتها، بل أنّ لها جذراً عميقاً في تاريخ حركة التحرّر الوطني العربية، quot;فأحمد زابانا ورفاقه الذين أطلقوا جناح الثورة الجزائرية لريح التاريخ إنّما كانوا في نفس شباباً في نفس عمر محمّد البو عزيزي وملايين الشباب الذين ملأوا ميادين وشوارع التحرير العربيةquot;، كما يقول المخرج ولد خليفة.
وسيعرض الملتقى عدداً من الأفلام القصيرة من بينها quot;القندرجيquot; للمخرجة والنجمة السعودية عهد كامل و quot;ميسّي بغدادquot; للمخرج العراقي الكردي ساهيم عمر خليفة وفيلم التحريك quot;بالونquot; للعراقي الشاب خالد البياتي. و quot;سبيلquot; للمخرج الإماراتي خالد المحمود.
وسيعرض الملتقى أيضاً شريط quot;مطرٌ وشيكquot; للمخرج الإيطالي العراقي حيدر رشيد، والذي مثّل أو إنتاج مشترك بين إيطاليا والعراق والكويت والإمارات العربية المتحدة، ويتناول محنة شاب من أصول جزائرية وال وعاش في فلورنسا الإيطالية، يتوجّب عليه الرحيل من البلد الذي يعتبره وطنه، كون والده، الجزائري الجنسية، فقد عمله ولن تُجدّد وثيقة الإقامة له.
وكان مهرجان مؤسسة quot;هورتشينوس أوركاquot; انطلق يوم 27 الجاري بعرض الشريط الوثائقي الطويل الثاني لحيدر رشيد quot;صمتاً.. كل الطرق تؤدي إلى الموسيقىquot;، والذي كان صوّر قبل عامين في المهرجان نفسه خلال عرض موسيقي ضمّ عازف البيانو الأسترالي توم دونالد وعدداً من غازفي الموسيقى الشعبية الصقليّة.