بغداد: اعرب الفنان التشكيلي العراقي صبيح كلش الى ان الحزن والشجن يملآن اعماله الفنية كلها،مؤكدا على ان الواقعية عنده هي واقعية الانسان خصوصا العراقي والانسان عامة.

أكد الفنان التشكيلي صبيح كلش ان الفن التشكيلي العراقي في طليعة الفن العربي، موضحا ان الفنان العراقي ليس بحاجة الى شيء لانه مدعوم حضاريا ولديه القدرات والامكانات ولكنه لغرض المواصلة والمواكبة مع حركة الفن العالمي يحتاج الى الاطلاع المباشر، واشار كلش المغترب في سلطنة عمان منذ 17 عاما الى ان لوحاته ممزوجة بين الغربة وبين ما يجري داخل العراق، مؤكدا ان كل شيء يحدث في العراق ينعكس على احساسه ومشاعره فيشعر انه جزء لا يتجزأ من الداخل.

* اي نشاطات حالية لديك وانت في بغداد؟
- نشاطاتي كثيرة ومتعددة منذ خمس سنوات، اي بعد معرضي الاخير الذي كان في دولة الامارات سنة 2009، وانا اشتغل على نتاج جديد وفيه اشياء جديدة ايضا، يختلف عما كنت اعمله سابقا،وضمن ثيمة هي ثيمة الوطن، وفي اعمالي الانسان العراقي، والانسان المهشم والمحطم والانسان الذي مر بالظروف الصعبة، وبالتأكيد كل فنان له اسلوبه وانا لي اسلوبي الخاص والمتميز، وضمن هذه الثيمة اشتغلت اعمالا اهتمت بالانسان ونشاطاتي المستقبلية هي اقامة معرض خاص باعمالي في بغداد اولا، والان بصدد ايجاد القاعة المناسبة لعرض اعمالي لان لدي احجام متفاوتة ما بين الكبيرة والصغيرة، فأملي ان تعرض الاعمال في اغلب المحافظات الرئيسية في العراق شمالا وجنوبا، وقد حجزت في المنطقة الشمالية وأأمل ان اعرض في بغداد اولا قريبا.

* منذ متى وانت مغترب؟
* طيلة حياتي انا مغترب،كانت فترة دراستي طويلة في فرنسا وتغربت 15 عاما، ثم رجعت الى الوطن وللاسف بسبب الظروف السياسية الصعبة رجعت نهاية عام 1989 وبسبب ظروف الحصار والحرب تركت العراق وتجولت سعيا عن رزقي في البلدان العربية كالاردن وليبيا ومن ثم سلطنة عمان التي استقريت فيها منذ 17 عاما.

* هل هذه اللوحات التي ترسمها تعبيرا عن المتاهات التي عشتها؟
- هي ممزوجة بين الغربة وبين ما يجري داخل العراق، كل شيء يحدث في العراق ينعكس على احساسي ومشاعري فأشعر انني جزء لا يتجزأ من الداخل، فمعاناتي كبيرة جدا، وشعوري شعور اي فنان حساس ومتألم دائما ومتأزم على الرغم من ظروف الحياة الجيدة التي اعيشها خصوصا في سلطنة عمان ولكني اعترض على ما يجري اعتراضا كبيرا وأجسده في اعمالي الفنية.

* ماذا تفسر ان رجلا يعيش في بلد مستقر ويطغي عليه كل هذا الحزن؟
- هذا الحزن والشجن يملآن اعمالي كلها،انا اعمالي تجريدية فيها شيء من الواقعية، امزج بين الواقعية والتجريدية، ولربما التجريدية بمفهومها العام،ولكن اليوم لم يعد هناك اسلوب لمدرسة ما،انما اصبح لكل فنان اسلوبه الخاص، واسلوبي المتميز هو المزج بين الواقعية والتجريدية، فأنا عندي الواقعية هي واقعية الانسان خصوصا العراقي والانسان عامة.

* ألم تحاول ان تخرج نفسك من هذا الحزن؟
- وصلت الى هذا، فهناك التأثر بالموروث العربي والعالمي، العالمي هو التقنية، تقنية الاشياء وتقنية الفن وتقنية المعاصرة، ولكن تبقى الثيمات المحلية والاسلامية والتاريخية لتاريخ العراق القديم وتاريخ المنطقة عموما.

* اي الالوان تطغي على شجنك وحزنك؟
- انا ملون، واللون مهم جدا عندي، صحيح انني عشت في فترة السبعينيات التي كانت اعمالي فيها ذات طابع سمائي، يعني الزرقة تغطي اعمالي، واغلبها احادية العمل، ولكن وجدت نفسي في السنوات الاخيرة نتيجة دراساتي الاكاديمية وتطلعي في دراسة الفن، انفتحت على كل الالوان، ولوحاتي فيها التقنية اللونية او فيها الالوان تأخذ معناها وقوانينها واسلوبيتها،لذلك تميزت اعمالي بالتقنية، اي انك اول ما تنظر الى عملي تجد فيه تقنية يحاول ان يستفيد منها الدارس الجديد وايضا الفنان الذي يعرف الفن ويعرف تقنية العمل الفني، لذلك لم تكن اعمالي عشوائية وانما مدروسة وذات تقنية عالية جدا تشد المتلقي وتدفعه الى البحث والتساؤل والانبهار.

* هل هنالك الوان تشدك اكثر من غيرها؟
- انا اميل الى الدكنة، الى اللون الغامق، وهذا له تأثير جدا في اغلب اعمالي، مثلا الوان البني، القهوائي، هذان لونان حاران من الوان البيئة العربية، ومكحلة باللون الاحمر ومشتقاته، وهذه الالوان كلها تجسيد لحرارة المنطقة، لحرارة الوضع، للانفجار الذي يحصل في كل لحظة وكل دقيقة.

* اي ردود افعال عربية ازاء الحزن والدكنة في اعمالك؟
- الشعوب العربية تشعر دائما ان العراق حالة منفجرة ومنتهية وانه بلد مهشم ومقطع، ولديهم ألم كبير جدا على الشعب العراقي عامة، هذه حقيقة، ولكن هناك من ينظر الى انه ليس هناك افق وليس هناك مستقبل عكسي انا الذي اتألم، وعندي امل دائما واشراقة اضعها دائما خصوصا في اعمالي الفنية، هناك امل ان هذه الغمة ستزال عن هذا الوطن وهذه الوطن.

* هل تتابع نشاطات الفن التشكيلي العراقي؟
- انا متابع جيد طالما اعيش الحدث داخل العراق بكل تفاصيله، فأيضا اعيش الحدث الثقافي ولم انقطع عن زيارة العراق ابدا، انا في السنة الواحدة ازور العراق على الاقل مرة واحدة او مرتين، لذلك اجد ان الفن التشكيلي العراقي له حالتان، الاولى مفرحة والاخرى محزنة، المفرحة هو هذا النشاط الدائب من المعارض للشباب وخصوصا لاسماء غير معروفة واسماء جديدة، والشيء غير المفرح هو عدم وجود قاعات للعرض في العراق وهذه تعتبر كارثة، لان ساحة العمل الفني للفنان هي القاعات، للجمهور الذي يأتي ليتذوق، فعدم وجود القاعات امر محزن، والشيء الاخر هو العشوائية في العرض، فقد شاهدت معارض ركيكة ولا تمثل الفن العراقي الذي له سمعة عربية وعالمية، فكان هناك نتاج رغم هذه الكثرة غير مدروس وغير ناضجة، وهذا السبب يتحمله العارض الذي امر بعرض الاعمال.

* كيف يمكن ان نرتقي بواقع الفنان العراقي؟
- الفنان العراقي ليس بحاجة الى شيء لانه مدعوم حضاريا ولديه القدرات والامكانات ولكنه لغرض المواصلة والمواكبة مع حركة الفن العالمي يحتاج الى الاطلاع المباشر، مثلا ملتقى بغداد للفنون التشكيلية الذي نحن بصدده لو اتى زملاء للفنانين العراقيين سيكون هناك تفاعل وتصير مشاهدة العمل عن قرب وليس كصورة كما نراه في صفحات الانترنت او الفيس بوك، المفروض العمل الفني يلمس ويمسك باليد ولو انه الان اغلب الفنانين في العالم يحتفظون باعمالهم الاصلية ويبعثون باعمال مستنسخة او مصورة، فهذه ليس فيها حس مثلما ترى اللوحة الاصلية، فلا بد لهؤلاء الشباب من الفنانين ان يطلعوا على المادة الخام والمستخدمة والتقنية بشكل مباشر، وحتى الورش الفنية، وانا انصح ان تكون هناك ورش تتبناها وزارة الثقافة، للفنانين الفعالين يساهم فيها الجميع ومشاهدة ما توصلت اليه التقنيات والاساليب الفنية وكيفية استخدام المواد.

*باعتبارك مطلع على المعارض الفنية العربية،اين تضع الفنان التشكيلي العراقي بينهم؟
- الفن التشكيلي العراقي في طليعة الفن العربي،وانا لا اقصد النشاط الموجود حاليا داخل العراق بل اقصد فعل الفنانين العراقيين منذ نشأة الفن العراقي وظهور الحداثة الى بدايات نشوء مدرسة بغداد،فالفن العراقي متميز وفي الطليعة،والان الفنانون العراقيون سواء المتواجدون في البلدان العربية او دول العالم المختلفة فعالون ومؤثرون ليس على الفن العربي فقط بل اصبحوا مؤثرين في الفن العالمي.

*اقيم مؤخرا مهرجان ملتقى بغداد للفن التشكيلي، ما رأيك به؟
- الملتقى كان رسالة مهمة جدا لانه يؤكد اولا ان العراق بخير،ولازال الفن العراقي بخير.